ديمقراطية الصندوق حجة الفاشلين أمام إرادة جامعة شعبية

mainThumb

10-06-2014 07:48 PM

نظلم المرجعية التاريخية, خاصة المثقفين منا عندما يتم  التغاضي عن تمادي السياسيين من جانب وأصحاب المبادئ العقائدية الشمولية من جهة مقابلة في التلاعب المعيب في معاني المصطلحات السياسية وفي أسسها الثقافية التي ترسخت عبر التجارب المحلية والدولية التي مرت تمر بها الشعوب بمختلف المراحل الزمنية, وتأتي بكل جرأة على قيمها النبيلة التي ارتبطت بها أوثق ارتباط.

شهدت المرحلة الزمنية الواقعة بين أربعينيات القرن المنصرم وستينياته تحركات شعبية بقيادات حزبية متنورة مطالبة بالتخلص من الاستعمار وأعوانه, والاستعمارهذا كانت وما زالت تمثله قوى أميركا والغرب في وطننا العربي وفي أفريقيا ودول أميركا الجنوبية, وإن بتبادل المواقع الريادية في فرض الإرادة الأجنبية وتقديمها على الإرادة الوطنية.

وكانت حينها مساهمة القوات المسلحة في عزل نظام قائم مرتبط بالقوى الأجنبية بمعاهدات واتفاقات أمنية واستخباراتية والاستيلاء على السلطة يُعد ثورة مباركة, بغض النظرعما كانت تؤول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحريات السياسية والحقوق المدنية وأوضاع الممارسة الديمقراطية من مآلات وما تصبح أحوال الناس عليه.

ومنها على سبيل المثال ثورة 23 يوليو المصرية, ثم زعامة عبد الناصر التاريخية, وثورة تموز 1958 تم فترة الرئيس صدام حسين, حيث كان من الواضح عداء الزعيمين الشديد للهيمنة الأميركية وقوى الاستعمار الأوروبية والاحتلال الصهيوني لفلسطين استلهاما لإرادة القوى الوطنية, فكانا هدفا دائما لهذه القوى وأعوانهما من النظم العربية المباركة من الإدارة الأميركية والغرب. وفي الوقت ذاته نالا شعبية عارمة وصادقة من أبناء الأمة العربية في مختلف أقطارها.

أي كانت هاتان الثورتان اللتين نفذتهما القوات المسلحة تستلهمان الإرادة الوطنية لغالبية مكونات الشعب العربي ومناضليه السياسيين, ولاجئيه المشرددين على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني وداعميه. والتي تستحق وصف الإرادة الجامعة الشعبية. وكانت نظم حكم مدنية في كل تشريعاتها وتطبيقاتها العملية وحققا انجازات تنموية باهرة على كافة الصعد مما أثار ذعرا حقيقيا في قلوب الأعداء من الأجانبووالمعادين من النظم العربية. فالقوات المسلحة وإن كانت مؤسسة مستقلة كغيرها من مؤسسات الدولة العديدة ولكنها بكل تأكيد ليست مؤسسة منعزلة عن مجتمعها, أو بعيدة عم هموم الوطن وأوجاع المواطن.

القوات المسلحة, التي يشكلها أبناء الوطن دون تمييز, ويعتز بها الشعب دون تردد أو انحياز, تتشكل لحماية الوطن من الأعداء الخارجيين, جيوشا أو عصابات أو إرهابيين مدعومين من قوى خارجية معادية, ومن أعداء الداخل المثيرون للفتن والساعون إلى إلى إثارة الحروب الأهلية وتفتيت كيان مكونات الشعب, وإضعاف الجبهة الداخلية, واستبدال المليشيات الحزبية المسلحة بقوات الأمن والشرطة التي لا يمكن للجيش أن يدير ظهره إلى صراعاتها وتقاتلها, فالشعب ظهير الجيش وسنده الدائم, إهمال تلك الحقائق أو القفز فوقها يمثل خطرا حقيقيا على قدرته القتالية, على معنوياته الوطنية ويفشل خططه الدفاعية منها والهجومية لحماية الحقوق وصون الحدود. ولهذا فإن تدخل الجيش في مراحل يسودها الغموض والتعالي على مفاهيم الوطن والمواطنة, وتلبية نداء شعبي عارم وجامع للعديد من مكونات الشعب وفئاته يطلبون الحماية منه, سلوك طبيعي وتصرف أخلاقي وواجب أولي من واجبات القوات المسلحة تقدسه كل القصائد الحماسية, وكل دعوات الخلاص من الظلم وأفعال التفتيت والتقسيم والتصنيف التي تحيق بالوطن من أبنائه ومن أعدائه.

وهنا لا نقف عند حدود التوصيف للفعل أو عقم التسميات له فيما إذا كان انقلابا أم ثورة, بل عند قيمه وغاياته الوطنية الصرفة, فعملية الإنقاذ الوطني التي يقوم بها الجيش تلبية لنداء الشعب الثائر على نظامه ما هو إلا ثورة شعبية جامعة وكاملة تامة الأركان ومستكملة لمشاركة كافة مؤسسات الدولة الحديثة, يلتف الشعب حولها ويحمي منجزاتها ويقدر أبطالها ويشكر ويثني على جهدهم وتجاوبهم في قيامهم بحق الوطن عليهم.

اختلاط المفاهيم للمصطلحات والمفردات السياسية والاجتماعية لا يلغي مضامينها ولا يحجر على قيمها المرتبطة بها. فالديمقراطية التي اختزلها البعض بالعملية الانتخابية كفرصة لا تعوض للقبض على السلطة لتطبيق عقائد حزبية ومبادئ شمولية  تضرب بالقيم الديمقراطية وممارساتها عرض الحائط, لم تطمس المعنى االتكاملي المترسخ للديمقراطية كونها منظومة مترابطة في عناصرها ووسائلها بمنظومتي التعددية والحرية أشد الترابط وأوثقه, وليست الديمقراطية قرارا من حاكم, أو استجابة لصندوق انتخابي, أو منحة أميركية – أوروبية ملغمة بإفساد السياسة وبذر الخلافات بين مكونات المجتمع, كل ذلك لا يعفي من مسؤولية ربط مكونات المنظومة الديمقراطية وأسسها وقواعدها والتقيد بها وإطاعة تشريعاتها  المتوافق عليها, لا إطاعة سلطان أو حاكم فاز بصندوقها, لأن هذا بحد ذاته  يمثل انقلابا سياسيا يثير الغضب والسخرية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد