جهلة السياسة ومصاصو الدماء

mainThumb

11-06-2014 09:44 PM

"في احد ممالك الهند القديمة قال ملك لابنه يوصيه قبل موته ... اعلم يا بني ان وصيتي هذه اياك ، وعهدي هذا اليك بمثال رجل حي قائم ، فرأسه انت ايها الوالي ، وقلبه وزيرك ، ويداه اعوانك ، ورجلاه رعيتك ، والروح الذي تقوم به (عدالتك) ، فصن هذا الرجل صيانته نفسك، واستصلح اوصاله كأستصلاحك اعضاء جسدك".


عندما نمعن النظر في تلك الوصية الموجزة المليئة بالحكمة، نستخلص ان العدل والعدالة هم اساس كل شيئ منذ بدء الخليقة الى ان تقوم الساعة. والعدالة في الوطن لا تطبق الا بالأبتعاد عن الطمع والأنانية، والأقصاء، والتهميش، واحقاق الحق، وتطبيق نظام الكفاءة، لا نظام التفاهة والتوريث بين ابناء الذوات "جهلة السياسة ومصاصو الدماء"، ومن على شاكلتهم والمستوزرون وبائعو الموالاة بالمزاد لمن يدفع أكثر. ينخرون بجذور الوطن ويدمرون هويته ويستبيحون حتى الاموات. هؤلاء "مصاصو الدماء وجهلة السياسة" الذين راحوا ابعد من مما نتوقع، فقد سرقوا طعامنا وكرامتنا على حين غفلة منا، وطلبونا ان نشكرهم على جرائمهم هذه، بل ذهبوا في شهواتهم المفسدة الضارة وعجزوا عن سياسة أنفسهم، وتقويم اخلاقهم، ولم يحكموا الرأي على الهوى وابتعدوا عن الفضيلة.
    ولا يعلمون انهم لن ينالوا المعالي الا بتجرع المكاره، وأن أطراف الفضائل لا تدرك الا بتحمل المشاق. ومن باب اولى ان لا يكون أحد اشكر لله وأحسن قياما بأداء فرائضه واوامره، ورعاية لما استرعى، وحفظا لما استحفظ، منهم.  فلا عين لهم راقبة، ولا اذن واعية، ولا قوة تقهرهم، فقد أمنوا حوادث الزمان، واغتروا بمساعدة الأيام، ولم يذكروا الذل ولا الفقر ولا الخيبة، فخالوا الدنيا كلها سرور ولم يتعلموا ممن سبقهم، الذين هلكوا في شهوات المناصب والطغيان.
وكما قال الشاعر:


لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا ..........  حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام


ان ما يحصل في وطننا المجروح الذي يعاتب اهله على صمتهم الكارثي على "جهلة السياسة ومصاصي الدماء" وما يحصل لهم ويرتكب بحقهم في تهجيرهم من غير حرب، وتجويعهم من غير مجاعة، وتفقيرهم وتحقيرهم، والدوس على حقوقهم ورميها في مهاوي الردى من قبل "جهلة السياسة ومصاصي الدماء". الذين دمروا هويتنا وثقافتنا، وأدخلوا علينا كل ما هب ودب لنصبح مرتزقة مثلهم في وطننا. ماهو الا استخفاف بنا وتدمير لهويتنا وتاريخنا وكرامتنا وهو امر يستحق منا جميعا ان نقف عنده ونتبصر به.
 ومن باب سياسة فرق تسد طبقوا علينا السياسة الخبيثة الدخيلة، يفرقوننا الى احزاب وطوائف، ويخلقون الفتنة في كل مكان في الوطن، ويتهمونا بالعنصرية والجهل، ويحتقروننا كما لو اننا لهم مطايا وعبيد. وبالمقابل فهم يقتسمون الوطن كعكة، ويطفئون شموعه ويتراقصون على دموع وجراح اليتامى والفقراء والمنهوبين من ابناء هذا الوطن العظيم. ويتبادلون الادوار والمناصب والوزارات ويتحكمون بمقدرات الوطن، وكأن الله لم يخلق أحسن وأفضل وأجمل واحلم واحكم واذكى وأشجع وأرقى وأعظم وأعلم وأشرف وأنبل منهم. وكأنهم هم المستخلفين علينا منذ الازل الى قيام الساعة.


كثير منهم مازال باقيا في منصبه وعلى كرسيه يتحكم برقاب الناس. وقد تغيرت وقامت دول، وتحررت شعوب اخرى، وانهارت حضارات واندثرت اقوام، وهم كما هم لا غيروا ولا تغيروا. وقد تهجر نصف ابناء الوطن والنصف الاخر ينتظر. يخرجون علينا في التلفاز والصحافة ويعشقون المايكرفون عشقهم للخيانة والتفرقة، ويدمنون ويعيشون على الكذب والدجل والنفاق والتملق والصعود والرقص على جراحات الوطن وابنائه، لا يهمهم من جاع ولكن يهمهم من (سحج) لهم و أطاع. فهم لا يشبعون الا بتجويعنا، لا أشبع الله كروشهم المليئة بروائحهم النتنة والاموال المنهوبة. يطلبون منا ان نسير على خطاهم وينهون فينا ويأمرون.


يريدوننا ان نقتدي بهم (مدعين): "انهم من ضحوا للوطن وحرروا الاقصى، وهم من اخرجونا من ازمة الثورات وهم من اقاموا العدل وسجنوا الفاسدين واسترجعوا اموال الايتام من اولاد الذوات" هؤلاء "جهلة السياسة ومصاصي دمائنا"، يعتبرون أنفسهم كل شيء وأننا لا شيء، وانهم اصحاب الحكمة والمعرفة في كل شيئ واصحاب السياسات الحكيمة والرزينة، وأننا قوم جهلة، وانهم كل شيئ ونحن لا شيء.


 وفي هذا الإطار خطب عبد الملك بن مروان بالناس في مكة المكرمة وما أن بلغ الوعظ والارشاد حتى قام اليه رجل فقال له: مهلا! انكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتعظون، أف اقتداء بسيرتكم ام طاعة لأمركم؟
فإن قلتم إقتداء بسيرتنا، فكيف نقتدي بسيرة الظالمين، وما الحجة في اتباع المجرمين المذنبين الذين اتخذوا مال الله دولا وجعلوا عباد الله خولا؟


وإن قلتم اطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا، فكيف ينصح غيره من لم ينصح نفسه أم كيف تثبت طاعة من لم تثبت لـه عدالة؟


وإن قلتم خذوا الحكمة أنى وجدتموها واقبلوا العظة ممن سمعتموها، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات واعرف بوجوه اللغات.


فوالله ما قلدناكم ازمة أمورنا وحكمناكم في أموالنا وأيدينا وأدياننا لتسيروا فينا بسيرة الجبارين، غير أننا بصراء بأنفسنا لاستيفاء المدة وبلوغ الغاية وتمام المحنة، ولكل قائم منكم يوم لا يعدوه وكتاب لا بد ان يتلوه (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها)
ونقول هنا ان الحكمة تقتضي عدم المراهنة على الاستقرار الوهمي المزيف، لان  دوام الحال من المحال وكل شيء الى زوال.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد