أخر اللحظات .. - فايز محمد الدحدل

mainThumb

28-10-2014 07:57 PM

في ذلك المساء ذهبت إليه لأسكب له الشاي، كان منشغلاً على حاسوبه، حينما رآني أجلسني بقربه، كان حديثه حديثاً ودياً جميلاً كعادته، تعالت ضحكاتنا، غادرته بعدها، وتابع هو عمله. وفي الليل على غير العادة سهر معنا، تسامرنا كأجمل ما يكون السمر، ثم نمنا.

وفي صباح اليوم التالي جلسنا نفطر سوياً، وعندما أراد المغادرة لعمله نظر إلينا نظرات حانية، كان ثمة شيء مختلف في تلك النظرات التي عبرت أرواحنا وطافت بها، لعلها كانت نظرات وداع، شعرت حينها بإحساس غريب وأن هناك خطباً ما في ذلك الموقف وتلك النظرات.

يومها كان لدي مسابقة في إحدى المدارس، أحرزت فيها المركز الثالث، كنت أريد العودة سريعاً إلى البيت من أجل إهداء ذلك الفوز لوالدي، حينما دخلت مع معلمي إلى المسجد لأداء صلاة الظهر بدأت الاتصالات تنهمر علي، خرجت من المسجد إذا بسيارة نقل الموتى تمر أمامي، وخلفها عدد كبير من سيارات أصدقاء والدي، كان المشهد يبعث على الريبة، لاحظت أن أخي الكبير يحاول الاتصال بي، بعدها بلحظات تصلني على هاتفي رسالة منه تخبرني أن والدي توفي.!

ثم يرن هاتفي من جديد ليظهر لي رقمه واسمه، ولكني لا أجرؤ على الرد عليه فأغلقت الهاتف، ودقات قلبي تتسارع، كنت أقول لنفسي حينما أصل إلى البيت أريد أن أحضن والدي..

كان الطريق إلى البيت رغم قصره لا ينتهي، لقد توقف الزمن، وتحول العالم إلى ثقب أسود لا شيء فيه غير السواد، كنت أتساءل هل حقا مات والدي؟! أم أنني في كابوس طويل لا أستطيع التخلص منه.!

حينما وصلت إلى البيت بادرني اثنان من أقاربي وقالا: "إنا لله وإنا إليه لراجعون توفي والدك".!

كانت تلك الكلمات كالصاعقة الساقطة من أعالي الكون، اهتزت الأرض من تحتي فلم أقوى على حمل قدماي، وهطلت من عيني الدموع غزيرةً، كيف له أن يموت وقبل ساعات كنا نفطر سوياً، وقبلها كنا في سهر نتسامر ونضحك.؟!

ولكن شاءت الأقدار أن يتوفي أبي، شاءت أن يرحل عن هذه الدنيا، لأجول بعدها في عقلي بين زوايا العتمة أبحث عن كلام يقال ولكن البكاء سيد الموقف، أجول في عقلي ولا أجد ما أنطق به، فقد رحل الأب والمعلم، رحل كل شيء بالنسبة لي..
وإن كنت أعزي نفسي فيكفي يا والدي سمعتك الطيبة والنظيفة، فقد كنت دوماً رجل المواقف الشهم والنبيل، يعرفك القريب والبعيد..

رحل أبي وإنا نعتصر ألماً على فراقه، فإلى جنات الخلد والدي محمد فالح الدحدل



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد