الديمقراطية التركية ( 2 )

mainThumb

30-10-2014 10:12 AM

لم يقتصر تخبط السياسة التركية لحزب التنمية والعدالة وزعامته المطلقة,على مواقفها من قضايا المنطقة العربية خاصة والإقليم بشكل عام ,وإنما شهد الشعب التركي بكافة مكوناته باستثناء أعضاء حزب التنمية والعدالة الحاكم بقيادة متصلة تفوز بالانتخابات دوماً.الذي تزعم سلطتها التنفيذية أردوغان لأكثر من حقبة من الزمن وأورث القيادة إلى البروفسور المطيع أحمد داود أوغلو,فيلسوف العودة بتاريخ الأجداد العثمانيين وإسقاطه على المنطقة العربية,بدءاً بسوريا المجاورة بحضارتها الندية لسياسات الجهل والتجهيل السلطانية العثمانية,وغضباً على مصر وقياداتها التي أبدعت بإرادة شعبية نادرة وعارمة تخطي تعثر مستقبلها,وحرف مسار دورها العروبي البناء,بدور أيدولوجي استئصالي استحواذي لتقويض دورها العربي وتسخيره لخدمة السيد الأميركي الذي سهل مهمة وصول التيارات المتأسلمة بقيادة إخوانية ونفذ سياسات النظام البروفسور محمد مرسي بإدارة الجماعة بعلمه المسبق بتلك السياسات مرة وبدون علمه بها مرات عديدة.

لم يحدث في تاريخ الديمقراطية حديثها وقديمها,ولم يحدث في تاريخ الديمقراطيات الشكلية,والديمقراطيات الهزلية, أنْ وصف رئيس دولة رئيس وزراء تنفيذي المتظاهرين المحتجين على سياسات الحكومة الداخلية,وبعض مشاريعها الخبيثة في إحلال تراثها العقائدي محل تراث يرى فيه الشعب إرثاً يمثل بعضاً من تاريخها الوطني  في بلاده بالمجرمين واللصوص (سرقت السلطات التركية مياكن التصنيع السورية من مدينة حلب,وتشتري النفط المسروق من المنظمات الإرهابية بسعر بخس,ولهذا ظن أردوغان أن الآخرين كذلك ربما يفعلون ما يفعل...) ثم يصفهم بالإرهابيين تارة والمخربين تارة أخرى.ولكن الطاغية سرعان ما تتكشف نواياه الخداعية,وأنانيته الخالصة بما يردده عن خصومه والمعارضين له وغير المؤيدين له والمحتجبن على سلوكه لأنه لا يميز على الإطلاق بين أطراف المعارضة الوطنية لسياسات الحكومة وأفعالها في الشأن العام,وبين اللصوص المحترفين وبين الإرهابيين الذين لم يعد أحد عاجز عن تمييز العمل الإرهابي من العمل في اللصوصية وبين هذين الفعلين المشينين وبين المعارضة التي تمثل الفعل الطبيعي للديمقراطية وممارستها تاقتنونية.ويعود ذلك كله ,لأن صدر الطاغية ضيق ولا يطيق إلا من يؤيده في عملية خداع متبادل بين الطاغية وبين الانتهازيين والمتسلقين وأصحاب المصالح الخاصة الضيقة. وليس غريبا على كل من تسيره أطماعه الشخصية أن تطغى شهواته وكيديته على قواه العقلية المفتقدة على القدرة على تمييز الواقع وبما يدور حوله من أحداث أكانت بعلمه وإرادته أو بدون إرادته ولا يرغب في أن يتعلم منها دروسا مستخلصة في حياة السلطويين والمعجبين بذواتهم.

في الدول الديمقراطية,فإن مقتل شخص واحد في تظاهرة سلمية يُعد بمثابة كارثة سياسية,ومأساة وطنية,وخروج على القيم الديمقراطية والإنسانية,يتبعها استقالة استقالات كل المسؤولين (إن لم تستقل الحكومة كلها)عن هذه الجريمة في حق الإنسان,سواء كانت مسؤوليتهم عن خطيئة قتل متظاهر مباشرة أو غير مباشرة,وهذه بالنسبة إليهم مسألة أخلاقية تقتضيها طبيعة مهمات المناصب العامة التي يتولونها وقد أقسموا على القيام بها بكل أمانة وبما يحقق أمن المواطن ويصون حقوقه وحرياته.فكيف حال نظام أردوغان الذي قتلت قواته الأمنية المئات من المتظاهرين الأتراك وجرح الآلاف بإصابات بالرصاص الحي,والعصي الكهربائية والرش بالماء الساخن,وبالذاذ الحار, كان آخرها مقتل 35 متظاهراً كردياً مطالبين بدعم أبناء جلدتهم في مواجهة داعش التي أقر العالم كله بأنها جماعة إرهابية بكل المعايير, وجرح عدة مئات كان من المفترض من حاكم صالح أن يستمع إلى آرائهم وأن يرعى بحكمة الزعماء الأمناء على مصالح الناس مصالحهم.

أول مقومات النظم الديمقراطية وأرفعها مقاماً,وأشدها تأثيراً في ترسيخ القيم الرفيعة والخلق المتأصل في المسلك اللفظي والعملي للفرد المسؤول,والمواطن والمقيم هو في ترسيخ معاني التعددية وقيمها في حياة المجتمع بكل فعالياته وآليات إدارة الشأن العام ومراعاة المصالح لكل منهم,وتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين والمقيمين في المجتمع.ومن بدهيات المصطلحات التعددية تقع القومية والدينية في مقدمة الأسس التي تبنى على قواعدها البنى التعددية,هذا عدا عن أهمية المفاهيم التعددية في السياسة والاقتصاد والفكروالثقافة والفن...في تلك البنى التعددية التي تزهو المجتمعات الديمقراطية بها.

ولكن للسيد أردوغان,وجهة نظر خاصة به وبرئيس وزرائه المطيع,وربما تعود في أبعادها إلى بقايا الفكر النازي المتعالي على الأعراق وعلى القوميات وعلى الثقافات,والذي يرى أن ما يؤمن به هو يصبح واجب الإيمان على الجميع من المواطنين بغض النظر عن رأيهم أو انتمائهم أو فكرهم...وأن ما يعتقده يجب أن يعتقد به الجميع  شاؤوا ذلك أو أبوْه وإلا فإنهم يخرجوا عن طاعة السلطان وتذهب بهم أعمالهم إلى جهنم!!!.ويتجلى حب أردوغان للديمقراطية والعلمانية!! في موقفه من مكونات المجتمع التركي القومية والدينية والطوائفية,وخاصة المكون الكردي الذي يريد أردوغان طمس حقوقه القومية والثقافية واللغوية.

من ناحية, لا غضاضة في العودة إلى التذكير بإنه من حقائق الوجود البشري المتعدد القوميات والأعراق,أن الإنسان,أي إنسان من أي قومية كانت تتسع أمامه خيارات واسعة في كل أنشطة الحياة البشرية وفعالياتها ومسمياتها وانتساباتها ومهاراتها وعلومها وحرفياتها ووظائفها وجنسياتها وأديانها وتخصصاتها...أي بوسع الإنسان أن يختار(ويبدل إذا رغب) دينه,جنسيته إسمه,وظيفته,مكان إقامته,وظيفته,تخصصه الخ,باستثاء انتمائه العرقي ونسبه القومي,غير القابلين للاختيار أو التغييرأو التبديل,ورما يمثل هذا الانتساب القومي الثابت الوحيد في حياةالإنسان منذ نشأته ولكل ذاكراه بعد وفاته,وهذه لحقيقة,لمن يعي (رئيس دولةحزب,مسؤول منظمة أو مؤسسة حكومية أو أهلية بمختلف الأهداف والغايات) طبيعة العلاقات بين المكونات البشرية في المجتمع الواحد,يدرك الأهمية القصوى لحقيقة التعددية بإقرارها كثابت من ثوابت الدولة وركن من أركان التكوين المجتمعي,وقوتها التلقائية في مواحهة التعصب,ودعاوى التوحيد والصهر لمكونات المجتمع,وهي دعاوى خداعية لا يمكن تسييسها من أبرع الساسة دهاء وأتقنهم وسائل الخداع والمراءاة والمداهنة.

من ناحية أخرى,لا نبالغ القول في أن القومية العربية قومية متفتحة وحنونة في احتضانها للقوميات الأخرى واحترام مرجعياتها الثقافية والاعتراف بمعتقداتها الدينية والإقرار بحقوقها في المواطنة.وهي كأي قومية وطنية تحفز على التحرر وعلى الولاء الوطني واحترام الآخر والا عتراف به وبحقوقه.ومثلت الثورة العربية الكبرى التي فجرها الشريف الحسين بن علي مرحلة إنضاج الوعي لتاريخ الأمة العربية صاحبة التاريخ الحضاري العريق, كرد على العصبية التركية التي أرادت تتريك ولاياتها سياسيا ولغويا وتراثا.ومن عجائب السياسة البهلوانية,يعود النظام التركي إلى نهج سياسات تخفي في باطنها العودة إلى التركة السلطانية العثمانية,والتلهف على ابتلاع سوريا أو بعض منها,والعراق أو الموصل وجوراها في الحد الأدنى المرحلية لهذه الأطماع وما تركته من تصورات وهمية في خيال شلة أردوغان – أوغلو بدعم حزب التنمية والعدالة الذي يخضع لسيطرتهما المطلقة.  ( للحديث بقية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد