طبيعة الحضارة

mainThumb

20-12-2014 11:58 AM

يعتبر مصطلح الحضارة من المصطلحات العتيقة (وليست القديمة كما ربما يتبادر إلى الذهن.ولمعرفة المزيد عن المعنى المقصود بمفردة العتيق وتميزها عن مفردة القديم بما لها من دينامية في استمرار تداول المفردة وحملها المعنى المعاني التي اشتهرت بها  منذ القدم وحتى يومنا,مراجعة كتابنا التعددية والتنوع محركا التقدم والتطور).

ومصطلح الحضارة حمل معان مختلفة باختلاف الأزمان واختلاف الثقافات البشرية التي اتسمت بالتعدد والتنوع,وذلك بما انتجته الأقوام وثم الأمم وشعوبها المنتمية إليها من منتجات في عصور ميزها عن سواها في ميادين العلوم والفكر والأخلاق والسلوك والتقنيات والسياسات والتصنيع والتجارة وغيرها من المبتكرات والإبداعات التي شكلت تحديات لما هو موجود من كل تلك الفعاليات التي تعتبر من الفعاليت التقليدية في حياة الأقوام والشعوب التي تطورت إلى مصاف الأمم والدول.فانتقال المجتمع إلى تشكيل الدولة التعددية بروابطها الاجتماعية ومثُلها السياسية ومناهجها التوافقية مثّل في حد ذاته انسجاماً تلقائياً  لطموح الإنسان مع طبيعة التطور في كافة شؤون بني البشر التي سعى إليها بشكل جدي كي يحافظ على بقائه,ويصون أمن موارد الحياة ومصادرها بطرق مجدية.

الحضارة ليست فكراً  مجرداً انتقائي المجالات وحر التصرف في الموضوعات التي تقف عند حدود تباين الانتماءات والولاءات بمختلف مصادرها,وهي ليست حكراً على شعب بعينه أو أمة بحد ذاتها,الحضارة في أبسط ما تعنيه منجزات,كما أشرنا في أعلاه, في القيم والتقاليد الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وفي الصناعة والزراعة والانتاج ......وقد تميزت الشعوب الحضارية بها عن الشعوب البدائية,وحدث أن تعالت هذه الشعوب,في مراحل مختلفة من التاريخ على غيرها من الشعوب وميزت نفسها بالتحضر في السلوك,وفي وسائل الحكم وأدواته التي توجتها الديمقراطية وفي بناء الهياكل المؤسسية الفاعلة في حياة الدولة وفي حفظ كرامة مواطنيها وإطلاق الحريات الفردية,وفي امتلاك نواصي القوى العسكرية والاقتصادية والعلمية والتقنية والانتاجية للحفاظ على استقلال قرارها الوطني,وسيادة شعبها على قراراته وعلى غاياته ومساعية في تحقيق أهدافه التي يرتقي مستواها بارتقاء منجزات التحضر وارتقاء طرق التفكير في إدامة عجلة التقدم والترقي,وغزارة الفكر النقدي ومباشرته في مقاصده,والفكر الإبداعي دون قيود أو تحفظات عشوائية سعت كي تظل محافظة على بدائية تراثها,وعلى قيم بقيت جامدة لتجاهل سنة التغيير أو غض الطرف عن مستجدات تنويرية و لإنكار الحق في التفكير التجديدي البناء والخلاق.

وارتبط التحضر ارتباطاً مباشراً بالوعي التاريخي للفرد,والوعي الحضاري الجمعي للشعب,وأعظم عبرة من عبر التاريخ المبدئية تكمن في مستويات التطور ومجالاته الذي تشهده كل مرحلة من مراحل  الزمن التي أخذت تتقلص في مدتها بتغير الظروف والوسائل العلمية والتقنية وتأثيرها المباشر على المستويات المعاشية وتجدد طرق التفكيروطي صفحات من التقاليد التي عفى الزمن على مظاهرها.


ومن ميزات الحضارة التي كونتها أمة من الأمم,أن اكتمال صيغتها الحضارية مرتبط أشد الارتباط  بانتقال أدواتها ووسائلها وفكرها وفي حالات عديدة تقاليدها إلى غيرها من الأمم دون تحفظات,أو بالحد الأدنى من التحفظات التقليدية لثقافات تلك الأمم وتقاليدها.فالعالمية (ونميزها عن الأممية) من أبرز صفات الحضارة الحيوية الغنية بمنجزاتها المتشعبة الميادين.أي أن الحضارة اكتسبت صفتها الحضارية  من سعة انتشارها وقبول المجتمعات الإنسانية الأخرى بمثلها وبمنجزاتها.وهذا بدوره يحتم على الثقافة الحضارية الامتثال لقيم الاحترام لكل الثقافات الأخرى,والاعتراف بها دون استعلاء أو استهداف لقيمها,ونبذ كل أشكال العصبية والتمييز التي تولد الأحقاد وتورث العداء لكل التيارات العنصرية والفاشية والطائفية والعرقية.وهذه تمثل في حدها البسيط الشروط الأولية لتكتسب الحضارة صفتها العالمية ولتجد صدى لها عند الثقافات المختلفة المنتشرة على وجه البسيطة.فليس هناك من حضارة محلية,إذ أن للحضارة صيغها العالمية التي تتواصل مع العلم والمعرفة  بكل أنواعها ومن مختلف مصادرها ومع ترقية القيم الإنسانية وتمتين الروابط بين أمم الأرض وشعوبها,وتعميق أسس التفاهم والتسامح بين مبادئها الإيمانية العديدة شديدة الاختلاف.وإذا تمثلت الحضارة بشخصية بشرية فإن العالم لن يحبها لجمال شكلها أو لحسن هندامها وإنما لسلوكها مع الآخر المختلف,وطريقة تفكيرها,وبصيرة رؤاها للمستقبل!!!فابن الحضارة ووريثها لا يختصم مع غيره بسبب دينهم أو ثقافتهم ولا ينظر إليهم نظرة استعلاء,أو تمييزوتحيزويجعل    من نفسه وصياُ على مستقبل الناس ومصيرهم,مهدداً لوجودهم متوعداً لهم بالقتل والتهجير,وإلا فكيف سيقبلون دعواته ودعاواه التي يتوهم بتحضرها؟؟

شهدت الأمم الحضارية ومنها الأمة العربية – الإسلامية مرحلتها الحضارية وكانت نابضة بالحيوية وبالغنى في القيم الإنسانية لتجد صداها لدى الغرب التي أخذ منها مطلقاً لبناء معالم حضارة جديدة مكنته من كسب السباق في بنى القوى الاقتصادية والمالية والعسكرية والعلمية والتقنية ليصح قوة مهيمنة على مسار الأحداث في العالم وتوجيه آفاقها والتأثير الكبير على أسبابها والتحكم في نتائجها.فتقدم الغرب أيما تقدم وتأخر العرب أشد التأخر والجمود الذين جعلا من هذه الأمة مطمعاً سهل المنال لاستعلال ثرواته وتقييد مساراته التنموية.وسلبه قدرته على استقلاله السياسي والاقتصادي.

الوعي بطبيعة الحضارة واستعادة أمجادها أو صنع تلك الأمجاد يفوق الواجب الوطني كون مصير الوطن مرتهن لمستوى التحضر التي يبلغها المواطن بعقله وبوعيه,وبخلقة وامتثاله لقيم المواطنة وولائه لنتمائه القومي.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد