الحداثة الإرهابية - د.عبدالعليم محمد

mainThumb

03-01-2015 05:47 PM

يمقت الإرهابيون والتنظيمات الإرهابية الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، والأولى أي الولايات المتحدة الأميركية هي «الشيطان الأكبر» والتي يرونها مصدر كل الشرور في العالم الإسلامي، أما أوروبا فهي في نظرهم المسؤولة عن ضياع الإمبراطورية والخلافة الإسلامية العثمانية في «إسطنبول» بعد انحطاطها وتدهورها واعتبارها الرجل المريض الذي ينبغي تقسيم ميراثه بين القوى الأوروبية.
 
الغرب في نظر الإرهابيين مصدر الانحطاط الخلقي والتفكك الأسري والأخلاقي والعلمانية الشريرة ومختلف القيم الشريرة التي أطاحت في نظرهم بالقيم الدينية الإسلامية وتمكنوا عبرها – أي الغربيين- من السيطرة على مقاليد الأمور في الدول الإسلامية واستعمار شعوبها والعمل على إبقائها في حالة التخلف الراهنة.
 
ورغم هذه النظرة الأحادية والتبسيطية للغرب ولكن الغرب الواقعي والحقيقي هو غرب الصناعة والتكنولوجيا والحداثة والتقدم في كافة المجالات العلمية والتقنية والطبية والثقافية، الغرب منتج كافة الأجهزة والأدوات الحديثة الكهربائية وغير الكهربائية التي لا يمكن لعاقل وإنسان يعيش في هذا العصر الحياة بدونها بمن فيهم هؤلاء الإرهابيون أنفسهم.
 
حيث لاحظ بعض المراقبون أن الخليفة المزعوم للدولة الإسلامية «داعش» عندما كان يقوم بالخطابة في مريديه، كان يزين معصمه بساعة من طراز رفيع وهي منتج غربي مائة في المائة.
 
يزعمون أن العالم الغربي ارتكز في تطوره على الميراث العلمي الإسلامي، وهذا جانب من الحقيقة، ولكنه طبيعي أن تطور العلوم يرتكز علي تراكمات ومساهمات مختلفة وفي أماكن وأزمنة مختلفة، ولكن العالم الغربي أحدث قطيعة مع ما سبقه من الناحية المنهجية والموضوعية وامتلك مقومات تطور وأسس مختلفة تماماً عن تلك الأسس القديمة في العصر الوسيط الإسلامي.
 
من ناحية أخرى فإن الغرب عندما فعل ذلك، كان العرب المسلمون قد فعلوا نفس الشيء مع علوم اليونان والهند وغيرهم كما أن الغرب لا يمنع استفادتنا من تطوره العلمي ولا يحجب عنا استيعاب علومه وإعادة إنتاجها في واقعنا.
 
الغريب أن الإرهابيين والمنظمات الإرهابية تحرص حرصاً مرضياً على الاستفادة من الحداثة الغربية – في تلك الجوانب التي تغذي النشاط الإرهابي وتمنحه الأدوات والفاعلية، حيث تمكنت بعض التنظيمات الإرهابية «داعش» مثلا من استغلال الشبكة العنكبوتية «الإنترنت».
 
ويشكو الإعلام الرسمي من هذا التفوق الإعلامي الذي تحرزه المنظمات الإرهابية ويقف حائراً أمام هذه الفجوة.
 
إن أيديولوجية المنظمات الإرهابية ترتكز إلى المقولة الميكافيللية الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة» بحيث تتبنى التنظيمات الإرهابية في ممارساتها وتنشئتها الأيديولوجية نوعاً فريداً من الحداثة يمكن أن نطلق عليها «الحداثة الإرهابية»، وهي نمط من التفكير الذي يبرر استخدام واستثمار كافة المنتجات الحداثية في الاتصال والإعلام والتفجيرات وتطويعها لخدمة المخططات الإرهابية وإحداث الترويع ونشر الخوف بين المواطنين الأبرياء والأسوياء.
 
هذه الحداثة الإرهابية ورغم أنها تستعين وتستخدم منتجات الحداثة الغربية إلا أنها تجرم وتؤثم نمط التفكير الحداثي العقلي والعلمي والقيم الحداثية التي تتمثل في الابتكار والاستكشاف وتطويع العلم لخدمة الأغراض الإنسانية..
 
وترفض ما وراء الحداثة من تراكم معرفي وعلمي نظريات معرفية وعلمية وتكنولوجية خاصة ما تعلق من هذه المعارف بعلوم الإنسان والمجتمع وتنظيم الاجتماع البشري والإنساني في السياسة والاقتصاد والديموقراطية، بل واعتبار هذه الأنماط من المعارف والقيم العلمية بدعة مستحدثة وكل بدعة في نظرهم ضلالة وكل ضلالة في النار.
 
 هذه النظرة البراغماتية والانتهازية للحداثة الغربية تتميز بالتبسيط والأحادية ورفض التفكير العقلاني في شؤون المجتمع والجماعة الإنسانية، وحصر هذا التفكير في هذه القضايا في إطار رؤية مجتزأة للدين وتفسير مبستر لنصوصه وانتزاعها من سياقها وزمانها وعصرها وتكشف عن قصور في رؤية التاريخ واستيعاب دروسه وجمود ذهني وخلل عقلي تعاني منه هذه التنظيمات المتطرفة، وكفيل بالعودة بالمجتمعات العربية إلى التخلف والبدائية والإبقاء عليها خارج التاريخ. – (البيان الاماراتية)
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد