طريق الحرير: القلب النابض
منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم يعيش حالة من التوتر والترقب إزاء ما سيسفر عنه هذا التوتر في المستقبل القريب من سياسات اقتصادية، تسعى من خلالها الولايات المتحدة إلى ترسيخ زعامتها على النظام العالمي. ولهذا السعي تبعاته الخطيرة على شتى مجالات حياتنا المعاصرة وبالأخص مجال الأمن الغذائي. ولقد بدأت بوادر البحث عن الزعامة في أواخر العام الماضي حين قال الرئيس الصيني شي جي بينغ في مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني: «دعونا نتخلص من النظرية والتنظير» وهذا انعطاف مهم في تاريخ الصين السياسي، وفيه إشارة أكيدة إلى أن الاقتصاد هو الواقع العملي الذي ينبغي للصين أن تعمل عليه كي تكون في الصدارة. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى التحرك المحموم في سبيل الحفاظ على الصدارة. وتتضح أبعاد ذلك جلية في التراشق بالتصريحات النارية ما بين ترامب وبينغ حتى إذا رفع ترامب الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 147% ردَّ الثاني باتخاذ تدابير مضادة أو يكتفي بالقول إن ليس في الحرب التجارية أي فائز. أما إذا هدد ترامب بزيادة نسبة الرسوم لتصل إلى 245% فإن بينغ يستفهم من أين جاء بهذا الرقم؟ ويبادر بالإجابة انها لعبة الأرقام. وعلى هذه الشاكلة تستمر التراشقات على الصعيد السياسي، وتستمر التوترات على صعيد الحركة التجارية للسلع وأسعار العملات وما إلى ذلك.
وتضع هذه المسألة العالم تحت أتون حرب باردة ثانية، تجري وقائعها بشكل دراماتيكي مدًا وجزرًا على طريقٍ مهمٍ، فيه المواجهة حتمية بين العملاقين الأمريكي والصيني ألا وهو طريق الحرير؛ خط التجارة العالمية الذي كان ولا يزال يتحكم بمصائر الشعوب الواقعة على خطه. ومن خلاله تسعى القوى الكبرى إلى الاستيلاء على العالم.
ولقد شهد هذا الطريق على مرِّ التاريخ حروبًا عدة، فيها المنتصر هو الأكثر استبدادًا وتدميرًا، والخاسر دومًا هو الذي في أراضيه يمرُّ طريق الحرير. وكلما توتر العمل التجاري على طريق الحرير، كان ذلك إيذانًا بتفجير أوار حرب لا تُبقي ولا تذر حتى ينال المستبد أغراضه ويحقق أحلامه.
وأبسط مطالعة لكتب التاريخ الحديث ستُظهر كيف أصبحت البلدان الواقعة على هذا الخط التجاري تحت ويلات الإمبريالية العالمية، وتعطينا أيضا صورة لفهم ما يجري اليوم من صراع إمبريالي على طريق الحرير لاسيما في منطقة الشرق الأوسط حيث العراق وسوريا وفلسطين.
وإذا كانت الولايات المتحدة ومعها أوروبا الغربية قد راهنت في الحرب الباردة الأولى على التسلح النووي وغزو الفضاء وتمكنت بالفعل من الإطاحة بالخصم اللدود (الاتحاد السوفيتي) فإن الولايات المتحدة تراهن في الحرب الباردة الثانية على طريق الحرير من أجل الاطاحة بالخصم اللدود (الصين). والإطاحة تعني الهيمنة العالمية على رؤوس الأموال والأسواق والاستثمار والأعمال والإنتاج والاستهلاك في القطاعات كلها، ويأتي قطاعا التسلح العسكري والتكنولوجيا الرقمية في طليعتها؛ وخاصة الروبوتات والأسلحة ذاتية التحكم ومسائل الأمن السبراني وغيرها.
إن هذا التصارع الجاري اليوم على طريق الحرير من أجل إحكام القبضة على العالم، يتخذ شكلا باردًا ناعمًا، يغطي على الوحشية الاستعمارية. مما يسمى بسياسة الوجهين؛ وجهٌ يبدو فيه الصراع مشروعا من ناحية الدفاع عن المصالح وحفظ الأمن والسلام ووجهٌ آخر بشع وغير أخلاقي من ناحية أهدافه الإمبريالية.
ومنذ أن انتصرت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وهي تعتمد سياسة الوجهين كاستراتيجية يتم العمل بها تحت بند براغماتي خطير هو (المصالح فوق المبادئ) وهذا ما حقق لها نجاحا في مختلف الصراعات التي خاضتها سواء مع أعدائها أو حلفائها. ولم تفتضح هذه السياسة سوى في زمن ولاية رونالد ريغان بصفقة الأسلحة المهرَّبة إلى إيران والتي عُرفت بفضيحة إيران غيت.
وتعلم الصين أن سياسة الوجهين ستجعلها تكسب رهان الحرب الباردة الثانية لصالحها، ولهذا لا تتردد في استعمالها. وأيا كان الكاسب في هذه الحرب صينيا أو أمريكيا، فإن السقوط الأخلاقي والغطرسة الإمبريالية هي محصلة الفكر الرأسمالي التي معها يظل طريق الحرير على حاله طريقاً للآلام والخراب والتدمير. ومثلما وجدت إمبراطوريات العالم القديم في طريق الحرير منفذًا لجمع الثروات الطائلة وفرض الاستبداد وتحقيق الاحتكارات البشعة فكذلك هي إمبراطوريات العالم الحديث.
ومن يرد معرفة الإمبراطوريات التي هيمنت على طريق الحرير خلال الحقبة الاستعمارية الممتدة من القرن السابع عشر للميلاد حتى الربع الأول من القرن العشرين وفيها كان طريق الحرير يربط الهند بأوروبا، وما رافق هذه الهيمنة من صراعات مدمرة ودسائس ومؤامرات خبيثة، فعليه بكتاب «الطريق إلى الهند»، 1932، لمؤسس علم الاجتماع في العراق عبد الفتاح إبراهيم الذي أفاد من المفاهيم الاجتماعية في تقديم تحليلات علمية واستقراءات تاريخية سياسية لطريق الحرير، طريق المصالح التجارية والمطامع السياسية. ولقد مارست بريطانيا غطرستها من خلال شركة الهند الشرقية بعد أن احتكرت التجارة على هذا الطريق. ولأن للعراق موقعا استراتيجيا فيه، وضع الانكليز خطة استعمارية للسيطرة على طريق وادي الفرات فهو أقصر الطرق إلى الهند ويقرِّب المسافة بين الشرق والغرب ويُمكِّن بريطانيا من حماية مصالحها. والأكثر من ذلك أنه (يصرف نظر أصحاب رؤوس الأموال والرأي العام عن مشروع قناة السويس) ورسمت بريطانيا خطة أخرى هي مد سكك حديدية تربط بغداد بالبحر الأبيض المتوسط وسواحل الخليج.
ويذكر عبد الفتاح إبراهيم حادثة طريفة للكيفية التآمرية التي بها تعمل القوى الاستعمارية، فلقد أرسل الانكليز في تشرين الثاني (نوفمبر) 1835 الكابتن جسني في هيئة سائح عابر، انضم إلى قافلة متوجهة من الأستانة إلى الموصل. وفي الطريق تصنَّع المرض لينفصل عن القافلة ويقوم بجمع معلومات ضافية عن الفرات. وعلى الرغم من أنه سمع بخبر ثلاثة ضباط من الانكليز أرادوا أن يقوموا بمهمة تتبع النهر إلى مصبه، فهلكوا ولم يقع أحد لهم على أثر، فإن ذلك لم يثنه عن مهمته، فاستقل طوافة مع مترجم ودليل وعمود من الخشب طوله عشرة أقدام يسبر به غور النهر ووصل إلى البصرة وتوغل في نهر الكارون. وعاد إلى انكلترا بمذكرة مفصلة عن ضفاف النهر وعمقه، وإيجابيات الملاحة فيه، والقرى وعدد الدور التي على جانبيه. وفي عام 1836 أرسلت بريطانيا باخرتين لهذا الغرض. وترقّى جسني إلى رتبة كولونيل ثم جنرال.
ومن حسن الحظ أن هذا المشروع الاستعماري لم ينجز ليس لأن طرحه على بساط البحث كان يعني (حرباً شعواء بين الرأسمالية الدولية) حسب وإنما أيضا لأن المستعمر البريطاني كان في حالة دفاع وقتذاك. وحين تمت له السيطرة أعاد طرح المشروع مرة ثانية ثم أهمله بعد أن توقفت روسيا عن التقدم باتجاه الهند. وأعيد المشروع إلى الواجهة مرة ثالثة في أواخر القرن التاسع عشر ثم نسي.
والخلاصة التي ينتهي إليها عبد الفتاح إبراهيم هي أن الاستعمار عدو الشرق وهو «السبب في ما نال ولا يزال ينال شعوبه من ويلات هذا الطريق. وأن لا سبيل لمواجهة هذه الويلات سوى بالاتحاد ضد الاستعمار والانتباه إلى أن أمض أسلحة الاستعمار هو سلاح التفرقة العنصرية عبر إثارة النعرات وروح العداء والشقاق بين الطوائف العربية المختلفة في الدين والمذهب والتي بها تدوم سيطرته على البلاد».
وكان ممكنا لاستقراءات هذا المفكر وتحليلاته أن تترجم إلى استراتيجيات تحفظ للمنطقة ثرواتها وأمنها، غير أن المدّ الإيديولوجي الذي اجتاح العراق في الأربعينيات حتى اليوم لم يسمح لأي فكر حر ديمقراطي أن يظهر بل أن يؤثر في الساحة العراقية. وكان من ويلات استحكام الايديولوجيا على العراق أن انتهى العراق من بلد يتطلع نحو التقدم إلى بلد تنخر أساساته الانقسامات الطائفية والتفرقة العرقية.
ولا يختلف تاريخ الويلات على طريق الحرير في الحقبة الحالية ما بعد الاستعمارية، فلقد صعد نجم الولايات المتحدة الأمريكية بفضل سياسة الوجهين. وهي تريد اليوم حسم الصراع على طريق الحرير من خلال جعله طريقا أمريكيا بالكامل.
وما من شك في أنَّ حروب الإمبراطوريات على طريق الحرير ستستمر، والنزاع حول مسك صولجان الهيمنة الإمبريالية سيبقى دمويًا وستظل بشاعته لا حدود لها. ولا بد من أن تظهر على سطح الأحداث قوة جديدة تقلب كفتي الميزان، لترجح – كما هو معتاد – كفة الشرور والتدمير. فهل يمضي قطار الولايات المتحدة ومثله قطار الصين ليصطدما في النهاية على طريق الحرير كما تصادمت بالأمس قطارات بريطانيا وروسيا وفرنسا، فأفلت امبراطورياتها، وظل طريق الحرير هو قلب العالم النابض!
*كاتبة من العراق
لهذا السبب .. نادي الحسين يعتذر عن استقبال التهاني
15 شهيداً بقصف الاحتلال منزلاً في غزة
إطلاق برنامج ماجستير علم النّفس الإكلينيكي بالجامعة الأردنيّة
محادين: لم يسجل اي حالة لفقدان سياح في البترا
إحباط عملية تسلل وتهريب في المنطقة العسكرية الشرقية
الخيرية الهاشمية: مستمرون بتوزيع الخبز في غزة
تطورات الوضع الصحي للفنان ربيع شهاب
فقدان أم وابنها وحدث جراء السيول في الحسّا والبترا
أبوهنية يؤكد أهمية التعاون بين الأردن والجزائر
منطقة تسجل أعلى هطول مطري خلال عدم الاستقرار الجوي
نجاح بني حمد .. ورواية لينا عن سنوات المعاناة
الملك يستجيب لنداء الشاعر براش .. توجيه ملكي
بينهم 33 موظفا بالتربية .. إحالة موظفين حكوميين للتقاعد .. أسماء
المستحقون لقرض الإسكان العسكري .. أسماء
استقبال هستيري لراغب علامة في الأردن .. فيديو
معدل الرواتب الشهري للعاملين في الأردن
إغلاق "خمارة" بعد احتفال افتتاحها بزفة وأهازيج
انقطاع الكهرباء غداً من 8.30 صباحاً وحتى 4 عصراً بهذه المناطق
أمانة عمان تحيل مدراء ورؤساء أقسام وموظفين للتقاعد .. أسماء
خبر سار لمتقاعدي الضمان بشأن تأجيل اقتطاع أقساط السلف
بيان من عشيرة الشماسين بعد كشف جريمة قتل ابنها
الحكومة تخفض بنزين 90 - 95 15 فلساً .. و10 دول تتمتع بأرخص أسعار البنزين
أمطار غزيرة مصحوبة بالبرق والرعد في هذه المناطق .. فيديو