جريمة شرف

mainThumb

17-07-2025 01:28 AM

الحشيش ضرورة

محمد عبدالوهاب، ذلك الفتى الشامخ، الذي لم يترنح تحت ثقل ذلك العبء الباذخ، توفي والده، وترك له رسالة كافية، شافية، لم يكن هو يحتاج إلى سواها، يوصيها فيها بأمه، وشقيقاته، ومحمد المنتصب القامة، القوي الساعدين، حوى وجهه بيان كل شيء، فقد كان بارز الجبين، واسع العينين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، أسيل الخدين، ضليع الفم، رقيق الشفتين، ورونق وجهه هذا، وقسامة تقاطيعه، جعلته قبلة للعواطف والأهواء، والميول، فلم يخرج جماله مطلقاً، حتى بعد أن أزف على الستين، خارج دائرة الوجدان، والعاطفة، عند الفتيات، فالبنات في منطقته، كان يجمعهما رابط واحد، وهو محبته، والتدله في عشقه، ومحمد الذي قد عرف كل شيء، وأحاط بكل شيء، لم يكن يعنيه هيام الفتيات به، وسعيهن الدائب، لايقاعه في شباكهن، فلم يرضخ لامتزاج متصل، واختلاط دائم، يجمعه بهن، كان هاجسه هو، أن يتصدى لتلك الأزمات، من جميع وجوهها، لأجل ذلك، طوى صفحة النساء عن حياته، وصمد أمام مغريات كثيرة، يحتاج سردها لاستشهاد طويل، ومكث على هذا الحال، حتى نهض بمهمته على أكمل وجه، و استقرت كل واحدة من شقيقاته الثلاث في بيتها، واستأثرت بقلب زوجها، بعدها رضخ محمد، لنصيحة صديقه" عصام سراج"، الماركسي المتعجرف، الذي ألحّ عليه في أمر الزواج، فتزوج محمد من "حد الزين" المرأة التي كان لا يخفي اعجابه بها، وإكباره لها، لقد كان زواج محمد من حد الزين، موضع نقاشات حامية من علماء النفس، وأهل الفضول، في تلك الناحية، فما أن انتشر الخبر، وتسامع به الناس، حتى انتشرت معه حدة التفاوت، بين وسامة الزوج، ودمامة الزوجة، وبقيت حد الزين القبيحة، المشوهة، التي تتناغم فلسفتها المادية الجامحة، التي تجحد أطر الدين، مع إلحاد زوجها، على العهد الذي قطعته لمحمد، فلم تسعى أن تستحوذ على عقل زوجها، وتسيطر عليه، وتركته يتعثر في دقائق" الحشيش" وتفاصيله، ومهما يكن من أمر هذا "البنقو" الذي تبغض رائحته، فهي تنتظر مساهماته في عتمة كل ليلة، لرفع معنوياتها، وذلك عندما يحتويها زوجها "المسطول" بين ذراعيه، ويهمس في أذنها، بأنها أحلى إمرأة في الوجود.

فاتورة العرقي

بعد مقدمه من الخرطوم، عقد العزم، بأن يمضي مع بن عمه" فيصل" ثلاثة أيام، حتى يغذي عقله بمؤثرات دائمة، ونقاشات لا تنقطع وتيرتها، علها تكفل له أن يقلع عن الخمر، ويوصد بابها إلى الأبد، بعد أن تعقدت ألوان حياته وضروبها، ففيصل الذي بات لا يطمح إلى شيء، ولا يطمع في شيء، غير أن يجد المال الكافي، الذي يضمن له شراء قارورة "العرقي"، قد تم فصله من إدارة الشئون الهندسية، التي كان يعتلي فيها مكانة عالية، ومنصب مرموق، وهجرته زوجته، وإزورّت عنه خاصته، وتحاماه الناس، وقد ينبغي أن نعرف قبل ذلك، أن نديم فيصل، وصديقه الحميم، "إبراهيم" صاحب الصوت النحيل الضئيل، هو الذي نمأ "الفرع المعرفي الجديد"، الذي أضافه فيصل مؤخراً، إلى نكبات حياته، ولعل الشيء الذي لا ريب فيه، أن "كبد" فيصل الضاوي، الهزيل، لن يستطيع أن يصمد طويلاً، وسيده يغرقه في" كوكتيلات" الفودكا نهاراً، وأقداح" العرقي البلدي" الحامي ليلاً، حضر بن عمه إلى منزله، وفيصل الذي لم يكن يدري أن غيبة "قريبه" عنه، طويلة كانت أو قصيرة، أحسّ بأن" عباس" يسعى لخلق "عوالم غضة" معه، وأنه شرع في تنفيذ برنامجه الاحترافي الدعوي، الذي يقتضي الأحاديث الطويلة المرسلة، والتوسع في المناظرات، والزج بالتراكيب الدينية، الرامية لتمرير رسائل كامنة، تخلق الخوف، والفزع، في دواخل فيصل، ولكن فيصل الذي أضحى لا يدري من يكون، ولا من أين جاء، أوضح لابن عمه عباس، أن قضايا الجنة والنار، باتت مستعصيه على فهمه، وأنه قد اجترح الكثير جداً من المعاصي والذنوب، ولكنه يثق تماماً، بأن فاتورة "العرقي" وحدها، هي التي سوف تقرب الشقة، بينه وبين "أبو جهل" فرعون هذه الأمة، في قاع جهنم، بعد هذه القناعة الراسخة، اضطر عباس إلى المغادرة، ولم يعد طامحاً أو حريصاً، على هداية صاحبها.

الندامى

جلس "مرتضى" يشاهد المباراة الختامية، في نهائي الدوري السوداني، بين الهلال والمريخ، ولكن تفاصيل المباراة، لم تكن تسترعى اهتمامه، بصورة كاملة، فقد أخذ في البداية، يستمع بأذن واحدة، وهو سعيد مغتبط، لأحاديث" مجدي الأنوك"، و"برير" العجلاتي، تلك الأحاديث، التي استشف مرتضى من رصد خلجاتها، بأن" الصهباء" التي يحتسيانها في لذة ونهم، قد استشرت في عقليهما، فكلامهما الغير متزن، ساقه إلى الطريق المعوج، منحاه العقلي، المنحى العقلي الغائب، الذي أوشك، أن يبلغ حافة العي، عند مجدي الأنوك، الذي بدأ في سرد قصة خيانة زوجته الفاتنة له، وهروبها مع عشيقها، ومرتضى الحائر الذي لا يدري ما هي" الدوافع" التي جعلت مجدي الأنوك، "يبتدع" هذه التراجيدية الحزينة، التي صاغها في ألفاظ معبرة، وأساليب بديعة، مهدت السبيل لانخراط "برير" في بكاء حار، زاعماً أنه لم يبكي مثل هذا البكاء، في وفاة والدته "ست النفر"، مرتضى حقاً يريد أن يحيط بعوامل هذا "الاختلاق"، ويتوسع في نتائجه، فمجدي الأنوك، لم يتزوج مطلقاً، ولم يعرف العالم له حبيبة، كما أن والدة برير، الحاجة ست النفر، ما زالت على قيد الحياة.

الصول خاطر

ليس في وسعنا أن نعرف كل أسباب الوقائع، التي دفعت الصول" خاطر" للسرقة، في عهد صباه، ولكننا نستطيع أن نجزم، بأن اليوم الذي شارك فيه، في تلك الحملة الواسعة، لمحاربة الظواهر السالبة في الأسواق العامة، مع لفيف من الأجهزة الموكل إليها حماية الأمن، والحفاظ على النظام العام، يعد من أتعس أيام حياته، ولعل عقولنا التي تكتسب نوعاً من التقدير، تجاه المؤثرات المجتمعية القديمة، تحتم علينا أن نتعاطف مع حضرة الصول خاطر، ونذهب إلى أن عصره، كان عصر انحطاط، فليس إذن من الاغراق، والغرابة، أن يسرق خاطر اليافع، الذي لم يناهز الحلم حينها، حزمة من الذرة الرفيعة، التي تحتوي سيقانها على نسبة عالية من السكر، عشية كل يوم، وأن يسدل الله على عبده" خاطر" ستره، فلما أراد الله سبحانه وتعالى، أن يهتك حجب ستره، على عبده خاطر، الذي أدمن سرقة حزم" العنكوليب" من السوق المركزي للفاكهة والخضار، أرسله إلى الجهة التي ينام فيها الغفير "المرضي" وسط لفائف هذه الحزم، و"خاطر" الذي شعر لوهلة، أنه أضخم أهل الأرض ثراء، وأوسعهم غنى، تشبث بكلتا يديه بحزمة "العنكوليب" الغليظة، ولم يكن يعلم المسكين أنها "ساق" الحارس "المرضي"، الذي انهال عليه بضربة قوية من عصاه، تركت شرخاً غائراً في وجهه، لم تطمس معالمه، تعاقب السنين، هذه الندبة القديمة، كانت هي الأداة التي جعلت" المرضي" يتعرف على حضرة الصول خاطر، الذي يعبث بفاكهته، وخاطر الذي كان يجهل "المرضي" تمام الجهل، سعى أن يصادر عناقيد العنب، وسبائط الموز الطازجة، التي كان يبيعها" المرضي" في الطريق العام المؤدي إلى سوق المدينة الكبير، لقد استأنف المرضي مشاركته، بصوته الجهور، في امتاع النفوس، واغناء العقول، مجتراً تفاصيل قصته، مع حضرة الصول خاطر، صاحب الماضي المخضب بالدنايا، هذه الأسباب المتحدة، تفضي دائماً إلى نتائج واحدة، وهي أن قبيلة التجار، تشارك دائماً مشاركة أصيلة، في "قدح" الأجهزة التي تكافح الظواهر الهدامة، وتضيف إليها من عندها.

جريمة شرف

لم يكن جنون عفاف، وعجزها عن أن تدافع عن نفسها، كفيلاً بأن يحد من جموح "الطاهر"، الذي كان يسعى وراء غاية واحدة، لم يتكهن بمستقبلها، لقد وضع الطاهر الذي يعمل حمّالاَ في السوق، حائلاً بينه وبين دينه، الذي يصده عن ارتكاب مثل هذا الفعل المشين، وانساق وراء هذه الحرارة، التي يختلف حظها من الجنوح والاعتدال، وحينما حظي بأوفر قسط من النقد، على فعلته الشنعاء تلك، لم يكن يتوسع في تقديم الأعذار، والمبررات، على اغتصابه لإمرأة مجنونة، ضعضع الخبل قوة عقلها، وجردها من كل أهلية، كان فقط يبتسم في هدوء، ويقول في تهكم:" دلوني على صاحب نفس معصومة من الزلل، فاتخذه شيخاً وهادياً لي، وعفاف التي احتفظت بكامل قدرتها الخفية، على العناية بولدها" منصور"، كانت دائماً تبحث له عن المكان الملائم لحياته، فتارة تتواجد في الأدغال المتشابكة، حتى تبعد عنه القيظ والحر، في الصيف، وتارة أخرى، تلوذ بالأبنية الخراسانية، حتى تصونه في الشتاء، من البرد والزمهرير، ولما شبّ منصور، وبلغ مبالغ الرجال، أوعز إليه تجار السوق، الذين كانوا يعتنون به هو وأمه، أن يتحرر من قبضة الذل والصغار، وألا يتواني في تأدية هذا الواجب، ويضع حداً لخصومتهم المستمرة مع الطاهر البغيض.
لم يكن مقتل الطاهر يحتاج إلى تعاليل أخرى، فالجميع كانوا يعلمون بأن منصور الذي يحسن معاملة أمه، ويكرمها، ويصبر على عتهها، هو الذي غرس نصل خنجره الحاد، في صدر الطاهر، وسلبه روحه، والشرطة التي وجدت أن اخضاع منصور أمراً شاقاً، اكتفت بتقييد القضية ضد مجهول، بعد أن شهد نفر من الناس، بأن منصور كان بمعيتهم، وقت وقوع الحادث.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد