. . وإذا احتسبنا السنة 730 يوماً؟ - د . نسيم الخوري

mainThumb

03-01-2015 05:52 PM

من يقبض على الزمان؟ ومن قال إنّ العام هو 365 يوماً؟ في العهد القديم، كانوا يموتون في أعمار تتجاوز الألف سنة، وكانت الناس تبكي تحسّراً على شبابهم لا كهولتهم .
 
ترمي البشرية عامها الرابع عشر بعد ألفيتين وترقص فوق جثّته المثقلة بالمصائب لكنّها تزجّ عنقها في دائرة الرقم خمسة من العام الجديد، رقم الشؤم الذي يذكّر بأعين الشيطان، لكنّه يشير إلى الأصابع الخمسة والدول العظمى التي تؤلف اليد البشرية أو القبضة الدولية المشدودة الموحّدة والقوية والمتراخية . وفي مساحة الكف قراءات في الخطوط اللامتناهية الأشكال والمعاني والتفسيرات . لولا الأصابع المشابهة لنجمة الصبح المخمّسة الأطراف لبقيت الأرض كما في يومها الأوّل، ولما كانت حضارات فوق الأرض أو تغيير وتحويل لذا أرفع اليد إلى مرتبة العقل لأنّها آلته في حرث الدنيا، والرمز الذي به دمغت الأشكال الهندسية المعمارية الخمسة العالية (التوسكاني، الدورسكي، اليونيكي، الكورنيتاني، الكومبوزيت) . ويضعها المؤمنون الكفّ فوق مداخل البيوت طرداً للعيون الحاسدة، ووضعتها الجيوش فوق أكتاف القادة الذين ظفروا بحكم العالم في مجمله حتى الآن . الآن؟ يتجه العالم إلى الخروج من حكم القادة إلى حكم التجار والاقتصاديين .
 
يرعبنا الرقم خمسة نحن أبناء هزيمة الخامس من حزيران، وكأنّه الدائرة التاريخية البليدة التي يسجن فيها تاريخنا المعاصر وتنحصر داخلها صراعات الشرق والغرب ودائرية الأحمرالمتوسط الممطوطة بين أوروبا وآسيا وإفريقيا . كنا نتصوّر أننا عبرنا أهوال الألفية الثانية، لكن جروح آسيا وزلازلها وصناعة الجرائم وبيعها "قيماً" مجانية، وطغيان العنف والحروب المتنقلة بحثاً عن البترول والنفط و"الإرهاب" وأسلحة الدمار الشامل ومخاطر الأسلحة النووية تجعلنا نتصور وكأنّ البشر والأرض مجدداً في كفّة الميزان الدائرية، وأن مشهد ال 12 بليون نسمة يدّبون فوق سطح البسيطة ينتظرهم اليوم الأخير ونهاية الكون الذي عادت الأساطير الملفوفة بالتحاليل السياسية تقدّمه وكأننا في آخر الدنيا!
 
ليس جديداً، هذا التبشير المتكرر بالإنهيار الشامل، لأن الإنسان إذ يعتبر الدنيا فردوساً مفقوداً أضاعه نتيجة ذنوب اقترفها، كان يجهد فكره لا سلوكه للعودة عبر صور تملأ الكون عدلاً ورخاءً بعدما ملأته شروراً وأزمات . لقد تمكن الإنسان من العالم بكلّ أشيائه، لكنه تجبّر وتكبّر ونسي أنّه أسير الزمان الذي يفتت جسده ويتمكّن منه ولو أنّه تحايل عليه وراح يفتّته سنيناً وأياماً وساعات ودقائق ، لكنّ قوّة الزمن بقيت سحرية تشبع الفكر بالأساطير والبشر بالعدم والموت والنهايات .
 
قالت من قبل النظرية الرواقية بأن العالم ينتهي ب "نار تلتهمه"، يسمّيها الهنود "السنوات الكبرى" حيث يظهر" سيفا" ليطهر العالم من أدرانه، ومثلهم الباطنيون، أوتسمّى "المخلص" في إيران القديمة أو "ميترا"، منظم الكون ومنقذه الذي هو "الأفشتاش نفسها ستعود تضرم ناراً يلتهم الكون . وما بوذا "مخلص العالم" حيث يعم الجور، أو "الفيلسوف" رئيس المدينة الفاضلة في حكم افلاطون والفارابي وغيرهما، أو الاعتقاد بمجيء المسيح المخلص عند اليهود في التوراة، أو عودته في آخر الأزمنة لدى المسيحيين . . الخ إلاّ من ينابيع البحث والإيمان .
 
جاءت هذه الأفكار والمعتقدات لأنّ القفز من عامٍ لآخر يحمل معاني النهاية والخلاص .
 
منذ 2015 سنة سألوه: ما علامة مجيئك ونهاية العالم؟ فأجاب: "ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتحدث مجاعة وزلازل في أماكن كثيرة، وهذا كلّه بدء المخاض . . ستحدث عندئذ شدة عظيمة لم يحدث مثلها منذ بدء الخليقة إلى اليوم ولن يحدث . . وعلى أثر الشدة، تظلم الشمس والقمر لا يعود يرسل ضوءه، وتتساقط النجوم من السماء، وتتزعزع قوات السموات . . وينال الأمم كرب في الأرض وقلق من عجيج البحر وجيشانه، وتزهق نفوس الناس من الرعب" .
 
لكن متى وكيف يتم ذلك؟ أجاب: "ما من أحد يعلمها"!
 
"كونوا مستعدين . . احذروا واسهروا، لأنكم لا تعلمون متى يحين الوقت . . واحذروا أن يثقل قلوبكم السكر والقصوف وهموم الحياة الدنيا، فيباغتكم ذلك اليوم كأنّه الفخ لأنه يطبق على جميع من يسكنون وجه الأرض كلّها" .
 
نهاية العالم مذكورة في آيات كثيرة من القرآن، والمسلم هو المسلم أمره للّه والمؤمن باليوم الآخر الذي سيطبق على العالم كالطامة الكبرى . وتتزاحم الحوادث التي ستؤذن بهذا اليوم والظواهر الكونية الرهيبة التي ترافقه: فإذا نفخ في الصور . . تزعزع النظام الكوني وفزع من في السموات ومن في الأرض، ومارت السماء، وانشقت، وطمست النجوم، وانكدرت، وكورت الشمس، وانشق القمر وخسف، وجمعت الشمس والقمر، وطويت السماء ورجّت الأرض، وسيرت الجبال .
 
إننا وكأننا نعاين بعض ملامح اليوم الأخير في ما يعصف بنا اليوم من إشاعة العنف أو الفوضى والانهيار حيث تترنح القارة الإفريقية ومثلها أمريكا الجنوبية وآسيا حتى أنّ موسكو روسيا تخف الخطى نحو الفوضى، فوضى في العراق، وفي لبنان وسوريا وليبيا واليمن والأصابع الخمسة تستعمل للذبح لا للصلاة باسم الدين البراء .
 
ال 5 دائرة لا بداية لها ولا نهاية رآها فيتاغورس أجمل الخطوط المسطحة، بينما رآها أفلاطون حاملة في ذاتها كلّ الرسوم الكاملة الممكنة التي تستنسخ الأفلاك والنجوم وحركة الفضاء . إنّها الرحم الذي يخفي الأسرار لذا عرفت بالدوائر السحرية التي ترمز إلى الإنسان محصناً ضمن دائرته تقيه قوى الشر التي تحاول النيل منه . وقبل أن تخرج أثينا نحو روما بالمعنى الحضاري، كانت الأختام السحرية تتّخذ شكل الخمسة وقد عممت في الأرض لاكتشاف المعادن الثمينة والكنوز، أو لتحويل المعادن إلى ذهب .
 
لقد توشح المؤمنون باشارة العقاب الخمسية، وجروحهم المخمسة، والأفعال الخمسة قبل تناول القرابين تحقيقاً للأمل والرغبة والتواضع والمحبة والإيمان . كما ترسّخت القواعد الخمس في الإسلام والصلوات الخمس، وأوصى النبي محمد أصحابه بخمس: إن ظلمتم لا تظلموا، وإن مدحتم فلا تفرحوا، وإن ذممتم فلا تحزنوا، وإن كذبتم فلا تغضبوا، وإن خانوكم فلا تخونوا .
 
وما انفتحت الدوائر المقفلة لتصبح حلزونية إلاّ للبحث عن السلوك الداخلي للانسان تفتيشاً عن النور والحقائق الفعلية في نوايا البشر والدول، أو لرسم حياة الإنسان كما تتجلى في تراث الهنود الحمر في أمريكا الشمالية حيث تفرّعت الدوائر من هناك أختاماً تشرّع بحق القوة لا قوة الحق أسفل الكثير من الوثائق والرسائل والمهمات في تاريخ البشر المعاصر .
 
إننا عرب نتوق إلى الدوائر المنفتحة لا إلى السجون والدوائر المقفلة، فلنثقل قلوبنا بالإيمان والوحدة ونسأل: ماذا لو احتسبنا متفائلين العام الجديد 730 يوماً. – (الخليج الاماراتية)
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد