ثنائية الحامل و المحمول

mainThumb

10-01-2015 10:04 PM

لقد خلق الله الخلق و جعلهم قسمين ؛ ضعفاء و أقوياء . أما الحيوانات فلا يبقى منها إلا القوي ، و أما الإنسان ؛ فجعل الله على قويه أن يحمل ضعيفه ، و أوجب عليه ذلك في شرائعه ، و رغب فيه ، كما ركز غريزة الرحمة في فطرته ليعطف بها القوي على الضعيف ؛ فيحمله و لا يدعه للضياع .
 
و إن للقوة أشكالا و صورا ، و إن لها ما يقابلها من أشكال الضعف و صوره . فمن الناس من هو قوي البدن و منهم من هو ضعيفه - و هذه أبسط صور ثنائية القوة و الضعف ؛ فعلى قوي البدن حمل الضعيف و القيام بقضاء حوائجه ليحيى كريما ، و مثل ذلك قوي العقل و ضعيفه ؛ فواجب الأول مداراة الثاني و تحمله بالصبر و الحيلة الكريمة ليردعه عن ارتكاب المهلكات و ما يشبهها أو حتى يعقل ، و واجب الغني أن يواسي الفقير حتى لا تطيش بصوابه ويلات الفقر و لا تحرقه رمضاء الحاجة ، و الواجد من أنواع الخير و النعمة مما ليس بمال واجبه أن يواسي من هو محروم من ذلك الخير الذي عنده , و هكذا كل قوي يجب أن يحمل كل ضعيف .
 
  و لئلا تتقطع السبل بأصناف الضعفاء ممن قصر بهم ذووهم و من حولهم فرض الله تعالى فروض الكفاية على المجتمع المسلم ؛ فجعل المجتمع كله آثما إن لم تسد حوائج الضعغاء و المحرومين من مساكين و فقراء و أيامى و أيتام و ممن شاكل هذه الفئات الضعيغة .
 
   كما جعل الله عز و جل من أهم وظائف السلطة الحاكمة رعاية تلكم الأصناف و القيام على حقها الذي احتجنه أصناف الأقوياء و منعوا أهله عنه بأشكال الحجج و الدعاوى .
 
   و إن نظرة فاحصة تجاه حال المجتمع لكفيلة بالقطع أن قوينا ما حمل ضعيفنا ، و لا غنينا حمل فقيرنا ، و لا واجدنا حمل محرومنا ،و لا عاقلنا حمل أحمقنا ، ولا عالمنا حمل جاهلنا.
 
   و الحال أن ارتفاع نسب الجريمة و التسول و العنوسة و الطلاق و التفكك الأسري و الجهل ، و تنامي مظاهر الفساد الأخلاقي بصورة عامة ؛ الحال أن كل ذلكم علامات على فساد الأحوال .
 
   و ما تفسد الأحوال إلا إذا امتتع القوي عن حمل الضعيف .
 
و إن هذا الحمل و هذه المواساة تكون على قدر الوسع و بحسب الطاقة ؛ فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
 
 
كما لا يعني الوسع و الطاقة التصدق بفتات المال و بفتات الصبر و بفتات العلم و بفتات المواساة ، فما أوصل المجتمعات إلى ما هي عليه من خطر عظيم و ألم جسيم لفئات الضعفاء إلا الدفع بالفتات . و إن الفتات لا يرفع الإثم و لا يرتقي بالمرء من البشرية إلى الإنسانية .
 
  قال تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) . و تأكيدا على المعنى الأول جاء في الحديث الصحيح : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من عنده فضل ظهر - أي راحلة - فليعد به على من لا ظهر له ، و من عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) ، يقول قائل الصحابة : حتى ظننا أنه لا حق لنا في الفضل .
 
  إلى سوى ذلكما من الآيات و الأحاديث الكثيرة الدالة على المعنى الذي سقناهما من أجله .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد