بين الحقيقة والتضليل .. الصحراء المغربية ترد بالمنجزات لا بالشعارات

mainThumb

26-06-2025 11:48 PM

لم أكن يومًا ممن تُغريهم المغامرات الصحراوية، ولا ممن يحملون شغفًا مفرطًا نحو الجغرافيا القصيّة والنائية. لذلك، حين تلقيت دعوة كريمة من المجلس الوطني للصحافة بالمغرب لحضور لقاء دولي حول "الصحافة الجيدة ومكافحة التضليل الإعلامي" في مدينة الداخلة – جوهرة الجنوب المغربي – اعتراني تردد عميق، بل وتسللت إلى خاطري نية الاعتذار.
فما الذي يمكن أن تضيفه لي صحراء موصوفة – في بعض الأذهان – بالقفر والجفاف؟ أليس الأمر أقرب إلى مغامرة قاسية في أرض "لا طير فيها ولا بشر"، حيث الرمال المتناثرة وبيوت الشعر والرعاة الرحّل؟ كنت أتصور مشهدًا أقرب إلى لوحة جامدة من تاريخ مضى، بلا نبض، بلا حياة، بلا أفق.
لكن، وكأي صحفي يؤمن أن الحقيقة لا تُعرف إلا بالاقتراب، غلبني فضولي المهني، وقررت أن أخوض التجربة، لا لأحكم على ما قيل، بل لأرى بعيني، وأكتب بقلمي، وأنقل للقارئ مشاهداتي المجردة، الصادقة.
ما إن حطت قدماي في مدينة الداخلة حتى شعرت أنني أمام مشهد غير متوقع، بل وغير منصف لكل ما اختزنته ذاكرتي من تصورات مسبقة. فهذه ليست صحراء موحشة، بل مدينة تنبض بالحياة، تتلألأ على شاطئ المحيط وكأنها درّة موضوعة بعناية في تاج الجنوب المغربي.
الداخلة ليست مجرد مدينة، بل مشروع حضاري متكامل. بنى تحتية متقدمة، مطارات وموانئ حديثة تضاهي نظيراتها في كبريات العواصم الإفريقية، بل وتتفوق عليها في بعض الجوانب. شوارع عريضة، وأسواق منظمة، ومنشآت سياحية فاخرة تستقبل زوارًا من شتى أنحاء العالم العربي وأوروبا، في مشهد يؤكد أن الداخلة اليوم هي وجهة دولية، وليست مجرد محطة محلية.
لكن ما شدّني أكثر من كل مظاهر العمران، هو الإنسان. وجدت في أهل الداخلة كرمًا أصيلاً، ونبلًا مغربيًا عريقًا، ومزاجًا صحراويًا دافئًا يفيض بالمحبة والكرم. ليسوا مجرد ساكني صحراء، بل صنّاع حياة في بيئة لطالما نظر إليها الآخرون بعين النقص والريبة.
تحدثت إليهم، جلست معهم، وتعلمت منهم أن الاستقرار لا يُقاس فقط بحدود الجغرافيا، بل بإرادة الإنسان في أن يصنع من الرمال واحة، ومن التحديات مستقبلًا.
الداخلة اليوم هي عنوان صارخ لـ"التنمية المستدامة"، ومثال حي على نجاح السياسات المغربية في تثبيت معالم التوازن بين العمق الصحراوي والانفتاح الدولي. إنها تجسيد ملموس لاستراتيجية قائمة على تعزيز الاندماج الوطني، وخلق روافع اقتصادية وسياحية تجعل من الجنوب المغربي منصة للإشعاع الإقليمي.
وعلى سبيل المثال، يُعد ميناء الداخلة الأطلسي من أكبر مشاريع التنمية في الصحراء المغربية، حيث قُدّرت كلفة تنفيذه حتى الآن بحوالي 12 مليارًا و60 مليون درهم مغربي، وتبلغ طول الحواجز البحرية فيه 7 كيلومترات، وبعمق استراتيجي يصل إلى 17 مترًا تحت سطح مياه المحيط الأطلسي. إن حجم هذا الإنفاق الهائل على مشروع واحد فقط، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك الجدية والإرادة الصادقة لدى حكومة جلالة الملك محمد السادس نصره الله في تعزيز النهضة والبناء وترسيخ الاستقرار في الصحراء المغربية.
ولعل المؤتمر الدولي حول الصحافة الجيدة ومكافحة التضليل الإعلامي لم يكن مجرد فعالية أكاديمية، بل كان منصة لكشف وتفكيك الصور النمطية التي يُراد فرضها على الأقاليم الصحراوية. فالداخلة ليست فقط مدينة عمرانية، بل رسالة إعلامية صادقة تقول للعالم: "نحن هنا، نبني، نعيش، نحلم، ونقاوم التضليل بالحقيقة".
ولا يسعني في ختام هذه الرحلة الغنية بالدروس والانطباعات إلا أن أتوجه ببالغ الشكر والتقدير لجهود المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز ملكه، وحكومته الرشيدة، على ما يبذلونه من رؤى وجهود استراتيجية في تعزيز مسيرة التنمية، وترسيخ الاستقرار، وبناء نموذج تنموي واعد في الأقاليم الجنوبية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد