(2011 – 2015) حراكات خارج منطق التاريخ – 4

mainThumb

07-02-2015 07:03 PM

إذا أخذنا بالاعتبارترسخ الوعي الذي اتسمت به مكونات قطاعات واسعة من مكونات الشعب التونسي نفهم بكل يسر السبب الكامن وراء نجاح الثورة التونسية في التمسك بالأسس الضرورية لمرحلة  التحول إلى النظام الديمقراطي المتكامل الأركان. تلك المكونات الديمقراطية منها والليبرالية والعلمانية والوسطية والمتنورة الملتزمة بالقيم الدينية وأخلاقها الإنسانية,ويقظة الضمير الوطني لدى الشعب التونسي لطبيعة العلاقات البينية بين المواطنين فيما بينهم بما يتعلق بقضايا الوطن وشؤونه وشجونه,وبينهم وبين إخوانهم في الأقطار العربية وبينهم وبين مواطني الدول الأوروبية حيث نسجت تونس السوسيو - اجتماعية علاقات متميزة مع جوارها الأوروبي عادت عليها بمنافع اقتصادية ثقافية ومعرفية عديدة ساهمت بدورها مساهمة ندية في مضامين تلاقي الثقافات العربية والأوروبية ولعبت دوراً تنويرياً في حوار الحضارات,واستلهمت العديد من القوى التونسية السياسية ( وهنا لا بد من التذكير بالدور الأساسي الذي لعبه الرئيس الحبيب بورقيبة  في نهج سياسات الانفتاح على التحضر والترقي, وهو أول رئيس لتونس بعد الاستقلال) والثقافية وتياراتها المتنورة من أحزاب وجمعيات مدنية أن إحرازالتقدم الذي يضع الدولة في مسار فاعل في عصر تعصف به رياح التغيير في كافة الخلفيات المعلوماتية والمعرفية والعلمية لفعاليات الإنسان الفرد وأنشطته وفي كيانات المجتمعات الثقافية والعلمية والتربوية والنفسية والتراثية,حيث تبرأت هذه التغييرات من كونها مسألة تمنيات مبهجة أو أدعية صادقة ورغبات جدية أو ادعاءات متناقضة الصياغة والمعاني أو أغان بألحان تشجي سامعيها وأهازيج حماسية.

أدركت القوى والتيارات التونسية أن التغيير إنما تبدأ منجزاته بأن تضع الدولة قدمها عند نقطة بداية المسيرة المستجيبة بتهيئة ذهنية ومادية للتفاعل مع مقتضيات التغيرات التي تأتي بها العلوم والدراسات والبحوث التطبيقية في الميادين المختلفة, والمعلوات والمعارف والأفكار والتقنيات المتبدلة والمتنامية بتسارع مبهر.لهذا لا يبدو مستغرباً,أو مفاجئاً أن تأخذ تونس مبادرتها السياسية الثورية في مقاومة سلطة الفساد,وأن تنتقل من مرحلة الاعتراض على ممارسات النظام إلى مرحلة الحشد الشعبي للمطابة بإسقاط النظام هاتفة بشعار الشعب يريد إسقاط النظام ونداء مدوياً للدكتاتور بمقولة ارحل  ارحل.إلى أن تم رحيل الحاكم الظالم وتهريبه إلى المملكة العربية السعودية.

البداية لمرحلة التحول الديمقراطي كانت في تونس,وهي بداية تتوالى فيها أحداثها لإنها أحداث معبرة بتلقائة وعفوية عن إرادة مكونات شعب مدرك لحقيقة التطور وأحقيته في محاكاة أساليب الحكم المعاصرة,مستوعب لأساليب الحياة المتحضرة,وضرورتها في الانتقال إلى معايشة الحداثة والمشاركة في رفد العصرنة بمتطلباتها بكفاءة.

 تونس الدولة التي طالما اتسمت بالوداعة في علاقاتها الداخلية والدولية والاستقرارالنسبي الملحوظ بوضوح في مسيرتها,مقارنة مع محيطها العربي في المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا,ومحيطها العربي أيضاً,وتونس تتباهى بجمال الطبيعة وحميمية الترحيب بالعرب وغيرهم من  ضيوفها وزوارها.ومع ذلك بدأت من تونس شرارة  ثورة شعبية عارمة غاضبة تنامت زخماً و حجماً وتأييداً جماهيرياً وإصراراً حتى تم إسقاط النظام التسلطي الفاسد القائم فيها بقيادة بن علي مدير استخباراتها قبل استيلائه الهادئ على السلطة.ولعل التوقع بأن شرارة ثورية تجتاح الوطن العربي,يمكن أن تبدأ من تونس,ما كان ليتنبأ أحد بها.أما وقد حصلت بالفعل,فإنه يمكننا القول أن المعنى الثوري الذي تمخض عن الثورة التونسية أضاف بعداً جديداً للعمل الثوري الحقيقي,إذ أن التغيير في نظم المجتمع ومؤسساته,ليست منوطة بقوة السلاح والتمرد الحربي والانقلاب العسكري,وهذه يمكن للسلطة مواجهتها وربما التغلب عليها,ولكن عندما يجد النظام أن المكونات الشعبية الوطنية التقت عند إرادة التغيير,والانتقال بحال البلاد من أوضاع تخلفها والتخلص من عناصر الفساد فيها,لا يجد النظام مفراً من الرحيل والاندثار.

ومما تتصف به الثورة الشعبية في تونس إنها بعد أن ساهمت مساهمة جدية في إزالة الخوف من قلب المواطن ومن ظنونه بضعفه أمام مواجهة سلطة قاسية العقاب, فلم تقف عن حدود هزيمة الطاغية والتخلص منه,وإنما تخطت ذلك إلى مرحلتها الجوهرية وهي :- إنها ثورة  كانت في جوهرها ثورة على التخلف وعلى الخروج في الممارسات اليومية من النمطية المملة إلى قواعد العصرنة,وعلى إغناء فكر التغيير والتحضر.وكللت معنى التحضر بقيمه الحقيقة التي تتمثل في تحرير إرادة الإنسان,وتحصين حرياته الشخصية,وضمان حقوقه الكاملة المتعارف عليها في مجلدات حضارة الإنسان منذ زمن بعيد.وإتاحة المجال,دون قيود أمامه للمشاركة الفعلية في كل الفعاليات الوطنية التي يتصدى المجتمع لها. ومواجهة والتصدي لفكر الركود والتحجر الذي يقف حائلاً بين المجتمع وبين النهوض الحضاري,وتحرير المواطن من تسلط القوى الأبوية الاستحواذية,الاستعلائية,وإعادة صيغ المواطنة للإنسان المواطن في وطنه.وقد صاغت الثورة الشعبية في تونس أيقونة ثورية حاسمة المعنى وهي أنها رسخت دور الإرادات الشعبية في المُستَوعَب من الثورة,الذي مؤداه أن الثورة ملك لكل مكونات المجتمع دون وصايةأواحتكارلأي كان من أي تيار استيقظ!!.

لم تقع الثورة التونسية الرائدة في مطبات مظلمة من شأنها تفتيت العلاقات السيوسيو – اجتماعية بين قواها السياسية والحزبية ,فهي لم تُوقِع آخرين في ظلم الاستبعاد أو الحرمان,أو غباوة قرار الاجتثاث الشوفيني لأحزاب أو تيارات فيها,لأن أياً من هذه الإجراءات يقتفد إلى أبسط معايير الحكم على مصير قوى كانت هي نفسها ضحية الدكتاتور,ولم يكن صمتها يعبر بالضرورة عن رضا عن الأوضاع السائدة.وهكذا فإن مثل تلك القرارات,تحمل في ثناياها ظلماً ,كأي ظلم يحمله حكم بعقاب جماعي وانتقام حاقد سياسي يفتقر إلى الحنكة القورية وتنقصه الكثير من أسس العدالة ومنطقها,ويعيد إلى الأذهان الممارسات الاستعمارية التي برعت بها على وجه الخصوص فرنسا في استعمارها للجزائر وللعديد من الدول الإفريقية,وممارسات النازية الحاقدة.
 
وكانت مناداة مواطن تونسي يتجول في شارع خال من المارة ومن الإضاءة وهو بقول : يا شعبنا يا باهي, يا شعبنا يا عظيم يجري صداها في وجدان المواطنين وتثير فيهم الحماس.كما أن عبارة هرمنا التي صدح بها رجل تونسي وقد غزا الشيب رأسه,ترددت أصداؤها في كثير من المجتمعات العربية,تعبيراً عن طول فترات الظلم ومجافات الحكام لاعتبارات الزمن وما تحمله  كل مرحلة من مراحله من تداخلات تطال صميم الأساليب المتبعة في إدارة الشأن العام,وتنفرد كل مرحلة منها بمفردات تحديثية في السياسة ومصطلحات إبداعية في الاقتصاد وفي الإدارة وتوصيات اشتراطية في أهمية بلورة دور المواطن في فعاليات مجتمعه وقضاياه وشؤونه,وفي تسريع التحول إلى النظم الديمقراطية وضبط إيقاعهابتوثيق الروابط بين المؤسسات المدنية والحكوميةونسج مهامها بعلائق حميمية من التعاون والتفاهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد