فقدان التوازن في السياسات العربية

mainThumb

11-03-2015 10:11 AM

العظة المستخلصة من التجارب,إنْ أهملها الذي يمر بها ولم يختبرها,فإنه سيلجأ على الأغلب للخديعة في أنماط سلوكه وفي التعبير عن مواقفه وفي طرحه لآرائه والتضليل في مفرداته وإفراغها من معناها الأولي.ويظل لطغيان القوة المسلحة وما تجره على صاحبها من غطرسة واستعلاء واستهتار بما تحمله تلك العظة من مفاجآت تمثلها قدرة الأنسان على مواجهة الظلم بأساليب مختلفة من شأنها تحييد ميادين استخدام تلك القوة,والخرية منها وخداعها بكل سهولة.

في عصر ضخامة حجم المعلومات وكمها وتراكمها, وتداخل مصادرها المتاحة باستخدام التقنيات الحديثة التي كان من المفروض أن تعمق أهمية التغيير والتحديث في رؤانا وتطغى على طريقة تفكيرنا في مستقبلنا,وتطبق في حيواتنا اليومية وفي مبادئنا المعاشية,في هذا العصر,ما زالت السياسات الأميركية – الغربية وتوابعها على تماس مباشر مع وهم أن الجهل في المجتمعات العربية,وارتباط بعض نظمه المصيري بحمايتها يشكلان ميداناُ فسيحاً يتيح لها اللعب بالأفكار والمداورة في المواقف التي لا تتساوق في أي منها مع تقصده صياغاتها المبهمة وشعاراتها الخادعة,عملاً ربما بالمثل القائل الجاهل يرضيه حلو الكلام.

الضعف والوهن والمصائب التي تقع على أمة من الأمم فتفقدها التوازن في سياساتها تتلخص أسبابها الرئيسة في :

*- إهمال قدرة عامل الزمن على ضرورة معالجة ,في التوقيت المناسب,الاختلال في التوازن بين حاجات المجتمع العصرية ومبتكراتها من البنى والهياكل التحتية,والاستجابة الواعية لحقيقة تنوعها ودوام تجددها وبين استدامة تعاطيه بحاجاته التقليدية بتضخيم دور التراث في ثقافته ,المتوارثة لتلك الحاجات واحتياجاتها من عناصرها المتعددة العسكرية منها والاقتصادية والتنموية والتصنيعية وتطوير مناهج التعليم  وأساليب الإدارة ومحاكاة العصر بطبائعه ومهنية التعامل بأدواته وتطويع وسائله.

*- الركون إلى حالة السكون والاستكانة إلى ما تفرضه على المجتمع من خمول في طرق التفكيرالعقلية,وكسل في حركة الهمم النهضوية التي تمكنها من مجارات التحولات التي تشهدها الأمم الآخرى في ميادين العلوم والمبتكرات التقنية والمعرفة المعاصرة لضرورات الترقي واحتواء الصدمات التقنية التي تحمل معها تغيرات جذرية ليس في تصميمها الهندسي والهيكلي ,وإنما ما تفرضه على طبيعة مصالح الدول ونوعيتها,واستراتيجياتها.

*- تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس بما فيها وبمن عليها,فلا نشعر بدوران ما تحت أقدامنا لأن أقدامنا محمولة عليها,ولهذا لا يصعب الوصول إلى الصين أو غيرها من مواقع الكرة الأرضية!!!.غير أن صعوبة فهم عامل الجغرافيا في حياة الأمم والشعوب,وتعثر حقن تراثها بمحفزات القبول الطوعي بالتجديد,وأهمية الوعي لدور هذا العامل شديد الأهمية يؤثر تأثيراً سلبياً  في مجالات عديدة على مسارها المتوازي في مجال المشاركة الفاعلة في صنع الحضارة بالأطر الوطنية المتجاوبة مع مقتضيات التحضرالعالمية,يضعف دورها في التأثير على الأحداث العالمية ويضخم من التأثر بها دون مشيئة برؤية وطنية بناءة.

وفي جهل أو تجاهل بليد لواقع الربط بين عاملي الزمان والمكان,بعد أن أصبحت المسافات بين أطراف هذا العالم ومواقعه الجغرافية تقاس بالساعات,وبعد أن أصبح التواصل بين مكونات مجتمعاته ومختلف مؤسساته يُقاس بالثواني,في هذا التجاهل,تقع المعايير الوطنية في متاهة المصلحة الأنانية للفرد,وتفقده القدرة على تصنيف هوياته الانتمائية والمهنية والاجتماعية....بوضوح وتضيع بذلك ملامحه الوطنية ومهاراته المهنية معاً.

*- في السياسات الكونية,يكون محور التحالفات الطبيعي الهادف إلى الحفاظ على الاستقلال السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي الذي يصون الإرادات الشعبية ويحميها من المؤثرات الأجنبية ويحافظ على قيمها في المواطنة وفي صون الكرامة الإنسانية,يكون هذا التحالف بين الدول ذاتياً أولاً وقبل كل شيئ,ثم يلتفت إلى الجوار وبعدها ينتقل غلى الصيغ الأممية في التحالفات التي فرضتها أوضاع تقدم تقني وعسكري متفاوتة بين الأمم فجعلت من الجغرافيا مركزاً وأطرافاً,وغذتها مصالح متناقضة مختلفة.ولهذا نجد أن أوروبا تحافت دولها أوروبياً  فيما بينها دون اللجؤ إلى تكتلات مجزأة بين بعض دولها ثم انتقلت إلى التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية ومحاور فرعية وثانوية غيرها.بينما مثلت تحالفات بعض الدول العربية العربية  قفزة واسعة,كمن يهرب خائفاُ مرتعباً من موت محقق,فعقدت تحالفات غير متكافئة مع الدول الغربية ومع أميركا,أخذت طابع التبعية الكلية للغرب ولأميركا نتيجة عدم التكافؤ في أي مجال يمكن أن نجري عليه مقاربات أو مقارنات.وهذا في حد ذاته تجاواز لعلاقة الجغرافيا بالسياسة,وأقيمت التكتلات المتصارعة بين أقطارها إمعانا في ذلك التجاوز.

وهكذا فإن الفرق المادي النوعي بين التحضروالمعاصرة وبين التخلف والتأخر تظهر عوارضهما العامة في سياسات الدول ومواقفها وفيما تصنعه بتحالفاتها غير المتكافئة وغير المتوازنة وغير المتزنة,خاصة من القضايا الإقليمية والدولية.هذه ظاهرة نلحظها بوضوح عبر مراحل مختلفة من الزمن وما زلنا نلاحظها بكل وضوح في يومنا الحالي.

أما الفرق المعنوي النوعي في التفريق بين التحضر والمعاصرة وبين التخلف والتأخرفتيمثل في العجز الثقافي الذي يصيب عقول صناع القرار ووعيهم على وجه الخصوص,والناتج عن انعدام القدرة على التعلم من التجارب المحلية وغيرها في أرجاء عالم مرئي بوضوح في كل زاوية من زواياه,وعلى وهم الحفاظ على مكاسب خاصة تنحصر في دوائر النظام الحاكم ومنتفعيه.

ولهذا نجد أن رد الفعل على فعل  في السياسة ليس بالضرورة فعلاً معاكسا في الاتجاه,ويفتقد إلى المساواة أو التساوي في المقدار,وإنما على الغالب في محيط دولنا هو رد فعل مطيع  منصاع لرغبات الفعل وطلباته مستسلم لغدره السياسي وتهديداته ويسير في نفس الاتجاه.فحين تعزم قوى الامبريالية التقليدية على إقامة النظام العالمي الجديد في الشرق الأوسط,واعتبار دمشق مفتاح المعركة الرئيسية في دوامة الصراع من أجل إقامة مثل هذا النظام المستسلم لإرادة قوى طامعة وجشعها,ثم يتلقى قادة بعض العرب هذا الفعل بالطاعة والمزاودة في إعلان الحرب على سوريا ومدها بالمرتزقة وأموال مسروقة من تروات شعوبها,فإنه ليس من المسموح لهم إلا تبني التلاعب بمعان لمصطلحات سهلة,كالقول مثلاً (تسليح معارضة معتدلة,وإرسال قوات أجنبية لمؤازرتها!!!).

تعبرسياسات التحالف والتعاطف والتواطؤ التي تتسم بها المواقف الرسمية العربية,تعبيراً صارخا ً عن خلل ثقافي عاجز عن التعلم من التجارب,تبعه عجز عن إمكانية الدفاع عن النفس,وهدر لأبسط مبادئ الاستقلال الوطني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد