الحرية الفردية بالمعنى الحرفي حرية مطلقة

mainThumb

18-03-2015 12:17 PM

الحرية كغيرها من المصطلحات الدينامية,كالديمقراطية,والكرامة,والحق,والعدالة,والمساواة.....,تمثل  تراثاً من الفكر العتيق (وليس الفكر القديم),أي الفكر الذي توصل الإنسان إليه منذ زمن بعيد وما زالت البشرية,بأقوامها المختلفة ومستوياتها الحضارية المتفاوتة,وتراثها الخاص بها وثقافاتها المتعددة المرجعيات تتداول هذا الفكر وتتبنى الأسس البنوية والمعاني المكتسبة لكل مصطلح منها إلى يومنا  الحالي, وتتوسد منطلقاته الأساسية براحة ضمير,كمرجعية ثقافية بلورت خلالها التجارب الإنسانية مضامين جديدة تتسع لاستيعاب كل متغيرات العصور التي تراكمت خلالها خبرات متعددة لعلاقة الناس بعضهم ببعض وعلاقاتهم بالنظم الحاكمة من الجهة المقابلة,والعلاقات الدولية بين أمم الأرض وأقوامها.وظلت تلك المصطلحات الركيزة الأساسية من ركائز العناوين الموجهة لسعي الإنسان للتحضر والارتقاء بأفعاله إلى مستويات تتماهى مع القيم الحضارية التي ينادي بها.

استقرت أدبيات الحرية وتراثها الأممي على أن الحرية حق من الحقوق الأساسية للإنسان,والبعض يصف تلك الحقوق بالحقوق الطبيعية,ولا يشكل هذا التوصيف أي تناقض في المعنى بين كون الحرية حق أساسي أو حق طبيعي للإنسان.ودرجت التصنيفات الوصفية للحرية في إطارها العام,على تحديد  المعنى الحرفي للحرية بالقول : : أن الحرية هي أن يفعل الفرد (ويشير البعض إلى أن الفرد هو الإنسان العاقل) ما يشاء وقت يشاء أين يشاء.ونلاحظ هنا أن هذا التوصيف للحرية يقترن بالإنسان الفرد أي أن الحرية   المقصودة هنا هي الحرية الفردية.ولهذا فإن الفرد يدرك بحسه الحر وفهمه الواعي لهذا الحق الطبيعي,   بأن هذا الحق حق لكل فرد في المجتمع الذي يعيش فيه وفي أي مجتمع آخر يذهب إليه,وليس حقاً له      دون غيره.وأن الحرية الفردية ليست حكراً على فرد من فئة دون فئة أخرى تحت أي ظرف, أو مسمى لوضع سياسي,أو مرتبة اجتماعية أوسعة مُلْكية أو فقرحال وإمكانية,ولذلك يحذْر الفرد المساس بحرية   فرد آخر,أوأفراد آخرين أو الاعتداء عليها أو الانتقاص من حدودها,ليس لأن هناك شروطاً وضعية أو   تصنيفية في معنى الحرية تمنعه من أي عمل عدائي لفرد آخر,وإنما بوعيه الذي رسخته الحرية في  إدراكه وعلمه بأن مثل هذا الحق على رد الاعتداء بمثله أو بما هو أشد منه أذية, هو أيضاً حق من حقوق الفرد الآخر,أي يتوقع الرد بالمثل على العدوانية أوعلى أي شكل من أشكال التدخل في شأن الآخر.

وهكذا فإن للحرية الفردية مناعة ذاتية في الحفاظ على صفتها المطلقة, وتمتلك قوة ذاتية رادعة  تشبه تماما قوة الردع النووي السائدة في علاقات الدول بعضها ببعض,حيث يعمل الرادع النووي على منع قيام حروب بين القوى النووية,حيث تملك كل قوة منهما حق استخدام هذه الأنواع من الأسلحة الفتاكة كرد   على البادئ باستعمالها.ومن المعلوم أن قوة الردع المادية والمعنوية في العلاقات البشرية والدولية  تشكل مانعا ذاتيا فعالا ًيحول دون قيام  طرف بالاعتداء على طرف آخر يملك نفس الحق في اللجوء إلى استعمالها في رده على العدوان,ويمكن أن يكون الرد بقنبلتين نوويتين أو أكثر مقابل واحدة فقط.ومما يستوجب التذكير أن تأثير مسببات الردع,يفوق كثيراً تأثير مسببات الخوف على اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تواجه بقرارات مقابلة حاسمة.فالردع يقف حائلاً دون الوقوع في مثل هذه المجازفات,أما الخوف فقد   يذهب بصاحبه إلى اتخاذ قرارات تفتقد إلى الحكمة والصواب.

ولا بد من التذكير بأن الحرية بمعناها الحرفي المطلق هي قيمة فردية, ومن هنا جاء التمييز الدقيق والحساس للفرق بين مصطلحي الحرية والتحرر,منعاً للتناقض الشكلي,أو التباس المعنى الذي قد يبدو من سياق العبارات المستخدمة في هذا المجال.أي إن الحرية تكون عادة متبوعة بـ ( لـ ِ):, والتحرر يكون   عادة متبوعاً بـ  (من) ,أي أن مصطلح التحرر يحمل الصفة الفردية وكذلك الصفة الجمعية: فنقول,على سبيل المثال الحرية لـلإنسان,ونطالب بالحرية لكل معنقل سياسي ....... , ومن جانب آخر  نقول تحررالشعوب من الاستعمار,تحرر الإرادات الشعبية, كما نقول: بتحرر الفرد مما يبدو له من قيود على حريته الشخصية مثل التحررمن القيود الاجتماعية القيود السياسية والحزبية والعقائدية والدينية, والعشائرية وقيود العادات والتقاليد, ........,وهذا يضيف إلى مصطلح التحرر صفة الانعتاق من التقيد في معناه  بالحريات الأساسية فحسب,وإنما يقصد معناه توسيع مساحات الحريات الفردية منها والجماعية .

والحرية الفردية تملك سمة الحرية المطلقة لأن لا أحد على الإطلاق ولا قوة ولا سلطة يمكن لها أنْ تمنع الفرد عن ممارستها كما يشاء أين يشاء حين يشاء.وهذا ما تؤكده طبيعة تلك الحريات ونوعها ومجالاتها.فالحريات الفردية التي تعارفت عليها الفلسفات والثقافات والأفكار بمختلف طروحاتها ومنطلقاتها,واعتبرتها حقوقاً أسياسية من حقوق الإنسان تتضمن الحريات الأساسية التالية :

     *- حرية الفكر والتفكير بشمولها كافة المبادئ والنظريات والطروحات والسياسات...
         *- حرية القول والتعبير وإبداءالرأي في مختلف الموضوعات والفعاليات,بأي طريقة
              يختارها الفرد,وأي وسيلة.ونضيف : وباللغة التي ينتقيها لهذا الغرض.
         *- حرية السفر والانتقال.
         *- حرية المعتقد والضمير.
        

ويمكن فهم ما نعنيه بأن الحرية الفردية حرية مطلقة,بالتساؤل عمن يمكنه من منع أحد من أن يتبنى      فكراً معيناً أو أنْ يفكر ويحلق في تفكيره كيفما شاء وقت يشاء, في أي فعلة أورغبة,أو قضية,أوأمنية      وأن يذهب في فكره وتفكيره إلى آفاق تتسع لخياله بقدر ما يتسع إليه خياله وأوسع.....؟؟! وهل كل موانع    القول وروادعه وكل تهديدات وتحذيرات القول به بالعقاب الصارم والحرمان القاسي من شأنها وقف    قوله همساً, أوفي أذن فرد آخر موثوق,أو التعبير عنه بالكتابة إلى صديق,أو بالرسم التمويهي أو بتغريدة غلى وسائل التحادث الاجتماعي.. ..., وما هي القوة التي تقوى على التفتيش في النوايا البشرية؟؟!! والضمائرالفردية !!!!؟؟؟.

تستوجب قيم الحرية الفردية إسهام الفرد الحر في تنزيه المفاهيم العامة منها والخاصة للحريات الفردية ,  وإزالة الالتباس والتناقض في تفسير معنى الحريةالحريات وأخذه مآخذ تذهب بقيمه السامية إلى حضيض مواقف الحقد والاستعباد والتعنصروالكراهية والرغبة في الانتقام. فليس هناك في قاموس القيم  الاعتداء على حياة الآخر أو ممتلكاته,أو كرامته,ولا وجود بأي حال شيء نسميه حرية السب والشتم ,أوحرية التحقير والتعالي أو حرية التعرض للآعراض والأمور الشخصية والاتهاماتغير الستندة إلى أدلة ...... وهذه كلها وغيرها مما يقع في حكمها,ليست مقصودة بأي شكل من الأشكال بأي معنى ضمني أو صريح من معاني الحرية وتوصيفاتها وكأن المساس بحرية الآخرين محكوم بتعريف الحرية,أو موصوف بمفرداتها, وليس بالقوانين والتشريعات التي تضعها المجتمعات المؤمنة بالحرية لمحاسبة الخروج على السلوك الاجتماعي المتوافق عليه وعلى اللجؤ  لحكم القانون في كل ما من شأنه أن يمثل مخالفة له.                               

 وليس في تعريف الحرية أو توصيفهاتشريعات القانونية التي تتخذ الدولة منها وسيلتها الناجعة لصيانة الأمن,والحفاظ على السلام الاجتماعي ومحاسبة المخطئ ومعاقبة المجرم والمعتدي, والتحرر من أسباب الخروج على القانون,وحماية الحريات الفردية من أي تغول عليها من السلطة الحاكمة أو من دعاة فكر متشدد استحواذي أو طروحات عنصرية  أو طائفية وتردع رغبة الفرد في ارتكاب المخالفات والوقوع ضحية  الفهم الخاطئ لمصطلحات دينامية مثل مصطلح الحرية نتيجة جهل أوتجهيل مقصود أومتعمد                                                                                                                  

وهكذا فإن إطلاق معاني الحريات الفردية (أي فهمها كمعان مطلقة) محسوم بتوصيف تلك الحريات,وتحديدها.فكما نعترف بمقولة يولد الإنسان حراً ونرددها ونتخذ منها عنواناً لأهمية الحرية ولحق الإنسان فيها فإن ذلك كله يحمل ضمنياً اعترافنا بمقولة الإنسان كائن حضاري  والإقرار بها,   لهذا تماهى مستوى الرقي والأمن في المجتمعات الإنسانية واستقرارها الاجتماعي مع مستوى إطلاق الحريات الفردية واحترامها,وهوحال نشهده بوضوح في عصرنا هذا كما شهده الإنسان في مختلف العصور السابقة.

تقاليد المجتمع ,أي مجتمع,ليست فائضا تراثيا تفرضه أجيال سابقة على أجيال لاحقة,وليست العادات الاجتماعية موروثا مقيدا لدور الفرد وولائه, ,فهذه وتلك دلائل على مسارات التكوين الحضاري للأمة .فكلما تطورت وسائل الانتاج,والاتصال,وتعددت خيارات الفرد في التعبيرعن نفسه, وفي تأمين احتياجاته ,وتصالحت الثقافات التعددية وتألفت وتآخت,واتسعت مواضيع المعرفة وميادين العلوم, كلما تعافت   التقاليد من الروتين والتكرار وطرق التعامل,وتجددت طبيعتها وتبدلت وسائلها بين الناس في المجتمع.وتختلف وتائرهذا التبدل باختلاف سرعة استجابة المجتمع لتغيرات وسائل الإنتاج وطرائقه وفكره,والتواصل باستخدام الوسائل المبتكرة دائمة التجدد والأنماط والأشكال,وتنعكس هذه الفروقات على الاستجابة بين مجتمع وآخر على أنواع الحرية المتاحة ومساقاتها الاجتماعية والتراثية وعلى مساحة كل منها وميادينها السوسيو– اجتماعية.

ولهذا نجد على سبيل المثال,مستوى حرية التعبير في بعض المجتمعات متاح على إطلاقه ,وفي بعضها تعترض مساحة حرية التعبير مضايقات و تضييقات تتفاوت بين المجتمعات تفاوتا واسعا بحجج مفاهيم الأخلاق والقيم والتراث السائدة ,وبحجة الأصالة مرة ونمط المعاصرة مرة أخرى ,وهي كلها حجج    تتآكل مصادرها على وقع كل عملية تطور يقبل العقل بها,ويزداد الوعي بمعارفها وتطوع لمخرجاتها  آليات التعامل العام.ومفاهيم القيم والتقاليد في المجتمعات التي تتبنى التنمية الجادة تنموبالتوسع أو التجدد   أو الذبول تبعا لما تحققه من منجزات تنموية جديدة في أي مجال حيوي من فعاليات المجتمع وأنشطته .

وكذلك الأمر فهناك مجتمعات تمنع مجموعة من الحريات وتحظرها وتعلل ذلك بتعارضها مع القيم العامة ومنافاتها أخلاق المجتمع, تبيحها مجتمعات أخرى,وتصونها  كحقوق لا يجوز المساس بها. كما نلمس توسع  مستويات الحرية في المجتمعات الأوسع تطبيقا لقيم الديمقراطية وأكثرالتزاماً بها.وأن الدول    الأكثر تقدماًً والأشد تأثيراًً على مجريات الأحداث العالمية,هي المجتمعات الأكثر تمسكاً بالحريات     الفردية والتوسع وحماية حق المجاهرة بها دون تحفظات,أو موانع أوقيود بما فيها حق النقد بكل أشكاله,والتعرض الجارح للشخصيات العامة.

ولا يجب أن يفوتنا التذكير بأن تقدم تقنيات الإنسان وإبداعاته في الابتكار والاختراع,والتجديد والتطويربشكل عام,وفي قطاعي الاتصالات والتواصل بشكل خاص, تسير كلها باتجاه دعم الحريات الفردية المطلقة وترسيخها وتقوية أدوات التعبيرالمباشر وغير المباشرعنها في أشد البيئات السياسية أو الاجتماعية قسوة ودكتاتورية وانغلاقاً وخطراً على أصحابها وقائليها ومردديها!.وإن التمعن في مسيرة الإنسان نحو التحضر والترقي واستجابته لسنة التغير والتغيير عبر مختلف الأزمان كانت على الدوام مؤثرة بفعالي

وفي ملاحظة أخيرة,أنبتتها التجارب العملية التي مرت بها البشرية,ولم ينقص حظنا نحن العرب من هذه التجارب,هي كثيرة وشهدناها في المرحلة الحالية,نعزو فيها أهم سبب لتعثر العمل الحزبي العقائدي منه بشكل محدد,بربطه بالحرية لنجد أن :

تعثر مسيرات الأحزاب ذات العقائد الشمولية التي تشترط الطاعة على أعضائها وتطلب إليهم التقيد بما تشرعه لهم القيادة,وتنفيذ ما تطلبه منهم,وفشلها التاريخي المتكرر بغض النظرعن مرجعياتها الفكرية وطروحاتها العقيدية وفلسفاتها النظرية وشعاراتها, في تحقيق أياً من أهدافها,ويعود في أحد أهم أسبابه إلى التعدي المباشر لنمط التسلسل التنظيمي وإدارته ,على الحريات الفردية لأعضاء الحزب وأنصاره ومؤيديه,والعودة بالفرد ودوره إلى مفهوم القطيع,وتمجيد الراعي والإعجاب بعصاه.!!.وفي التاريخ القديم منه والحديث تجارب نابضة بهذا المآل لنهج أساليب قيادية حزبية تتناقض مع طبيعة النفس البشرية وتتعارض مع رغباتها المشروعة في إثبات الفرد نفسه وتحديد دوره في الحياة العامة بحرية تامة.وقد فشلت دعاوى تلك الأحزاب والتيارات السياسية وادعاءاتها بالحرية,عندما أخذت بكل استخفاف بالعقل  الحر في تحديد الحرية,تقييد معانيها واشتراط التمتع بها,وتأطيرها بأطر شوهت صورتها أيما تشويه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد