ازمة «الكذب» في مجتمعاتنا العربية،

mainThumb

15-06-2009 12:00 AM

حسين الرواشدة

هل تشعر بانك اصبحت في حاجة لان «تكذب» اكثر من اي وقت مضى؟ وهل تعتقد ان عدد الذين يمارسون الكذب في المحيط الذي تعرفه على الاقل قد ازداد ، وما الذي يدفع هؤلاء الى «الكذب»: فقدان الوازع الديني ام البحث عن المصالح الشخصية ام انعدام الاخلاق والثقة بالآخرين.. ام التجمل فقط؟

في دراسة طازجة اجراها احد الاساتذة المتخصصين (اسمه الدكتور احمد عبدالله زايد من جامعة القاهرة) باشراف وزارة التنمية الادارية (لاحظ ان الحكومات بدأت تكلف المعنيين باجراء دراسات لحسابها حول بعض التحولات الاجتماعية؟) ، اعترف نحو %76 من المواطنين الذين شملتهم الدراسة ان «الكذب» قد زاد في السنوات الخمس الماضية ، وان نحو %89 من المصريين يعانون من التناقض بين القول والعمل ، وان رجال السياسة اعلى الفئات التي لا تلتزم بما تقول ، يليها رجال الدين وتساءلت الدراسة: اذا كان التدين والايمان من اكثر الفضائل التي حثّ الافراد من عينة البحث على ضرورة توافرها في المجتمع المصري فكيف نفهم تصنيف نحو %43 من المبحوثين لرجال الدين بأنهم «يقولون ما لا يفعلون».. هل يعزى ذلك الى ان المواطن ما زال في مرحلة البحث عن تدين نقي ومثالي.. لم يجده بعد؟،

للمفارقة - فقط - انتهى استطلاع اجراه معهد جالوب الامريكي هذا العام وشمل 143 بلداً حول العالم الى ان المصريين اكثر شعوب الارض تديناً ، حيث اجاب %100 من المصريين المشاركين بـ «نعم» على السؤال الوحيد الذي طرح وهو: «هل يمثل الدين جزءاً هاماً في حياتك اليومية؟، حيث بلغ المتوسط العالمي للتدين حسب الاستطلاع %82 ، والسؤال: لماذا لا ينعكس اثر «التدين» على ممارسات الناس في حياتهم.. وهل ثمة فجوة بين علمائنا وبين جمهورهم أفقدتهم القدرة على التأثير فيهم ، وانعكس ذلك بالتالي على فهمهم للدين وممارستهم لقيمه ومفاهيمه.

لا يمكن - بالطبع - اختزال «الكذب» في مشكلة «التدين المغشوش» فقط ، فمن اسف ان عالمنا العربي يعاني اليوم من ازمة اخلاقية معقدة ومتشابكة ، تبدو واضحة في سلوك السياسي والحزبي والمواطن العادي ، ومن اسف ايضاً ان مجتمعاتنا اصبحت تعاني من ثقافة عامة تقوم على «الكذب والنفاق والاستبداد الطوعي والقسري» ، واذا كان اخواننا المصريون قد أشهروا في هذه الدراسة احوالهم ، وأجابوا بصراحة على سؤال: ماذا يحدث للمصريين كما سبق لاحد المفكرين المصريين ان ألف كتاباً تحت هذا العنوان ، فان احوال غيرهم في بلادنا العربية لا تختلف كثيراً عما انتهوا اليه ، وانا أتمنى - هنا - ان تكون دراسة «قيم واتجاهات الشباب» التي قام بها الدكتور شتيوي بطلب من الحكومة خطوة اولى للانطلاق نحو دراسات اخرى كاشفة «لسلوك المواطن» في بلدنا.. لنعرف ما طرأ على مجتمعنا من تغيرات وما أصاب قيمنا من تحولات واهتزازات.

لا اريد ان استعرض «ادبيات» الكذب في ثقافتنا ، ولا ما تروج له امثالنا الشعبية على هذا الصعيد ، ولكنني أتساءل فقط عن علاقة الكذب بالخوف ، وعلاقته ايضاً بالتكسب وعلاقته بالضعف العام الذي نعاني منه ، امة وافراداً ، وبغياب الحريات وشيوع القمع ، ومن الغريب - هنا - ان يوم الاول من نيسان اصبح بالنسبة للكثيرين منا «عيداً» حقيقياً للكذب.. فيما اصبح الكذب باقي ايام السنة ضرورة من ضرورات الحياة.. والبقاء ايضاً؟،

ثمة من يرى انه «لا يكذب ولكنه يتجمل» ، وثمة من يرى «انه لا يكذب ولكنه يتكسب ويترزق».. لكن الصحيح ان الكذب - وما يتبعه من استحقاقات وما يحتاجه من اكسسوارات قد اصبح «سمة العصر» ، وضريبة الثقافة السائدة ، والباب الوحيد المفتوح للهروب من الواقع البائس.. والتحايل عليه بالكذب حتى لو كانت حباله قصيرة،،الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد