ذاكرة تصنع العنف والتطرف

mainThumb

17-04-2015 01:37 PM

العنف والتطرف والقيام بالأعمال الإرهابية التي تأخذ مجراها في مرحلة زمنية ما في مجتمع إنساني ما, ليست بالضرورة وليدة ظروف وأوضاع تحملها تلك المرحلة بالذات,ولو كانت هذه المرحلة محملة بالمتاعب والقلق والصعوبات المعيشية,وازدياد حالات التوتر والتململ.وما نحاول سوقه كأسباب لتبرير أعمال لعنف والإرهاب الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية منذ أكثر من عقد ونصف, إما مباشرة أو بضغوط غير مباشرة,ونسوق عليها الأمثلة مثل البطالة والفقر وغياب العدالة وسؤ تصرفات الأجهزة الحاكمة,هي في كثير من الحالات لا تمثل الأسباب المباشرة,دون أن ننكر أن ما نسوقه من هذه الأسباب قد تكون من الأسباب غير المباشرة,وإنها إنما  تمثل فرصة مواتية لتفجير مشاعر الحقد والغضب والحرمان وما تراكم في الذاكرة البشرية مما تعرض له المواطن في مرحلة الطفولة من دوافع لمارسة كل تلك الأفعال دون خوف أو وجل,وتغييب العقل والمنطق في تبرير مثل هذا السلوك.

يشكل السلوك العنيف للأفراد في مجتمعهم ظاهرة اجتماعية – تربوية ,وهي من الظواهر المقلقة لما يترتب على هذا السلوك من نتائج سلبية على السلام الاجتماعي وعلى العلاقات بين الناس في مجتمعهم .ونبرز هذه الظاهرة في حدها الأدنى,في ما  تمثله حالات التنمر عند الأطفال في مدارسهم وفي الحي الذي يقيمون فيه على سبيل المثال,والسلوك العدواني عند بعض الأطفال ضد أقرانهم  وأبناء جيلهم دون ضرورة وجود سبب استفزازي محدد, وما قد تقود إليه تلك الأعمال,من جهة ثانية, من ارتكاب الجرائم البشعة مثل جرائم الإيذاء,والقتل والسطو المسلح وأعمال النصب القسرية وافتعال الأحداث التي تخل بأمن المواطن الضحية.ومع أن البحوث والدراسات ومناهج علوم النفس والإرشاد النفسي وأساتذة الاجتماع,وعلوم التربية وأصول التنشئة التي يطالب العلماء والخبراء (علماء النفس وأساتذة التربية والاجتماع والتحليل السيكولوجي...) الآباء والمدرسين (والسياسيين ,لراعاة حدود المصداقية) على مراعاتها والتنبيه إلى أهمية التصرف بردود أفعال من شأنها تنشئة الأجيال على تعزيز القيم الفضلى في المجتمع ,وعلى قول الصدق واحترام الذات باحترام الآخر وعلى الحرص على حقوق الآخرين وعلى ملكياتهم, وعلى أصول التعامل مع الأخرين والمحافظة على أشيائهم,وهذه كلها تهدف إلى بناء شخصيات سوية,تتفهم معنى المسؤولية عن تصرفاتها وسولكها تحاه نفسها وتجاه الأخرين من أبناء وطنه.

ويرى بعض المختصين أن للطفل آباء ثلاثة تشمل الأم والأب والتلفزيون ,ويحذرون من كل سلوك أو تصرف تعنيفي للطفل,أو ترهيبهم أو تخويفهم بالعقاب والحرمان,كي لا تزرع في قلوبهم حالة عداء وتوجس من أقرب الناس إليه, ومراقبة ودية للحد من  مشاهدة افلام العنف ومسلسلات الجريمة حيث يقوم الطفل عادة بتقليد ما يشاهد دون حساب لنتائج العمل الذي يقوم به.ويحذرون من تعريض الأطفال للعنف النفسي والعنف الجسدي,والمحاباة التي تثير مشاعر الغيرة والحقد من عدم المساواة في التعامل معه في البيت أو المدرسةويؤكدون على ضرورة زرع مشاعر الحب والعطف والتسامح والتطوع لخدة ما يحتاج إلى خدمة, ومشاركة أصدقائه وأقاربه ومعارفه في المناسبات الاجتماعية التي تفتح أمامه آفاق تعزيز قيمة الإنسان ككائن اجتماعي في ذاته وفي مشاعره وفي تصرفاته.

للطفل ذاكرة قد تكون في ما تتركه مما يمر به أو عليه من أحداث ومعاملات من الآخرين على نفسه من تراكمات سلبية أو إيجابية أكبر تأثيرا منها على البالغين,والناضجين.ويكون لما تتركه حالات الإحباط التي يعاني منها الطفل في سني عمره الغضة تأثيرات مباشرة على موقفه من مجتمعه بشكل عام ويتولد عن مشاعر الحرمان العاطفي والمادي التي يعاني منها الفرد في طفولته إلى سكون مشاعر عدائية نحو الآخرين في نفسه قد يجد الفرصة لترجمتها بأعمال عنف في ظروف مواتية له,وتصرفات تظهر فيها قسوة ما يعاني منه من حقد وغضب ورغبة في الانتقام,وعدم الاكتراث بما يلحق بالغير من أذى وأضرار.ولا ننكر أن للصيغ الأبوية التي تسود العلاقة بين الأب وأبنائه لا تترك لشخصية الطفل خيارات التعبير عن نفسه وعن رغباته وعن هواياته بطريقة سوية فيلجا إلى التخفية لأعماله واضطراره للكذب خوفا من العقاب,فتعاني ملامح شخصيته من ازدواجية تنمو مظاهرها في كل فرد تبعا لظروف نشأته وعلاقات الناس بين بعضهم في بيئته.

المعاناة النفسية للكبار بشكل عام وللصغار والأطفال بشكل خاص التي تمر بها مجتمعات الحروب والاقتتال,شديدة الوطأة على صيرورة المجتمع المستقبلية,على أسس استقراره وتلاحم مكوناته في تخطي الأزمات النفسية,ومحاولة إعادة بناء المجتمع وتمكينه من التنمية والعودة إلى مسببات الحياة الطبيعية.وهذا يقودنا إلى  القول,أن انعكاس تاريخ الصراعات العربية العربية وحروبها الداخلية وخلافاتها المزمنة,إضافة إلى إهمال قيم الحاكمية الحميدة والعادلة,والارتماء في أحضان قوى خارجية أفقدت الآوطان استقلالها السياسي ولدت جيلا محملا بالغضب والحقد والنزوع إلى أعمال العنف والقسوة في أساليب التعبيرعن المطالب,ما أن وجد حافزا بالدعم بالسلاح والمال وحملة إعلامية تضليلية مضللة تغذي نوازع الشر في نفسه حتى استجاب إلى القيام بأعمال القتل والتدمير والتهجير,في ليبيا وفي سوريا وفي مصر دون مراعاة لأهداف نبيلة أو غايات عادلة ومشروعة,أو التفكر بمصير برؤية مسبقة واضحة المعالم.أو الاحتكام إلى قيم دينية أو إنسانية.

السياسات العربية,والعلاقات العربية العربية,والتعامل العربي مع الخلافات العربية العربية التي تكون أطرافها النظم الحاكمة,والآحزاب السياسية وجماعات تسييس الدين,والعشائر والقبائل,التي تشتد في مرحلة ما, يقع ضحيتها أبناء الأقطار العربية,تولد أجيالا تحمل معها بذور العنف والثأر,تملأ بصدورها الغل والحقد الذي يتفجر في مرحلة لاحقة من تاريخها.هذا من ناحية,من ناحية أخرى,فقد انعكست العلاقات العربية الرسمية,السلمية والودية مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين بقوة على المشاعر الوطنية وعلى ذاكرة التهجير والتقتيل النفي الذي مارسته قوى صهيونية – غربية على الشعب الفلسطيني طيلة أكثر من خمسين سنة,لتراكم في النفوس غضبا عارما ودائما,يحمله أبناء فلسطين,وأبناء الأمة العربية على مر الأجيال,وفقدان ثقة مطلق في الأنظمة السياسية التي تولت مواجهة العدو المحتل.

ونسأل عما يمكن أن نبرر به ما يحدث من عدوان على سوريا تقوده قوى أجنبية وتموله ثروات بترول عربية,وهو في سنته الخامسة للأطفال الذين ملأنا قلوبهم بالخوف والرعب والترويع,وللأيتام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأشقاءهم وأصدقاءهم,وللبيوت التي تم تدميرها فوق رؤوسهم والشتات الذي لم يحمهم من برد أو جوع أو ماوى؟وهل يقبلون حجة الحاكم الدكتاتور في سوريا كسبب لكل هذا التوحش واعدام الضمير,وهو يرى الدكتاتوريات وما هو أسوأ منها تحيط به من كل مكان؟وذلك عندما تحين لهم الفرصة في المستقبل لتفجير غضبهم الذي أتعبت ذاكرة الحرب البشعة منهم ضمائرهم.

وماذا عسانا أن نفسر ما فعلناه,نحن العرب,بأطفال اليمن عندما يستفسرون عن أسباب كل هذا الدمار الذي تقود تحالفه السعودية,وعن فقدهم أبائهم ومعيليهم ومربيهم,ونتحجج بأننا ندافع عن شرعية عبد ربه منصور, ونحن لا نعرف من منا يملك شرعية حقيقية؟؟؟ وكيف لنا أن نواجه ساعة يجدون فيها فرصتهم للثأر ليس لقتلاهم وشهداءهم  فقط وإنما لنوازع الانتقام التي وطناها في نفوسهم.

هل تبينا من هم أبناء الجيل الغاضب في العراق الذي لا يجد في عنف الكل ضد الكل معضلة أو مشكلة وطنية لآن معاناته والرعب والقسوة وانعدام الرحمة الذي تدفع سلوكه بعد أن راكمنا كل هذه العذابات في ضميره وفي وجدانه,الجيل الذي يحملنا إثم غزو العراق مع الطامعين الأجانب,والذي تفجرت فيه أحقاد سياسية وتاريخية ضد حضارة العراق وضد  الأطفال والشيوخ والنساء وضد الضعفاء وضد الجياع الذين عانوا من حصار خانق منع عنهم الدواء والغذاء والكساء, دون عطف أو رحمة !! لمدة زادت عن عشرة سنوات قاسية,بل شديدة القسوة!

نقول : لا تبحثوا عن الشيطان في داخل الإنسان العربي,فقد زرعه جيلنا بقلوب الجيل القادم,كما زرعه بنا من سبقونا!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد