سوق للنفط وسوق للحرب

mainThumb

23-04-2015 10:39 AM

كل النظريات الاقتصادية التي وضعتها المدارس الاقتصادية بمختلف منطلقاتها الفكرية ورؤاها التنموية وطروحاتها العلمية والعملية حول الاقتصاد وأشكاله وفروعه  تدعى وجود علاقة طردية مباشرة في  الربط الوثيق بين الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي وبين الوضع الاقتصادي القائم في مجتمع بشري.

أي أن الاستقرار الاجتماعي - السياسي مرهون بالحالة الاقتصادية لكافة فئات المواطنين وفعالياتهم,حيث أن مجتمع الرفاه الاقتصادي وتمتع المواطنين بمستويات معيشة تحقق للفرد كفايته بالحد الأدنى من غذاء ودواء وكساء وفترات سياحة وتنزه وممارسة هوايات شخصية معناه أن الدول التي تتمتع بقوة اقتصادية وموارد كبيرة وثروات غنية ووفرة مالية يتحقق للمواطن من خلالها حالة الرفاه وتلبية حاجاته المالية والمادية,وتوفير الخدمات الأساسية التي تتمثل في الخدمات الطبية والصحية,وإقامة البنى التحتية الكافية والملاءمة من مياه وكهرباء وطرق ممهدة بمخططات حديثة,وأماكن التنزه والترفيه ,وتوفير المؤسسات التعليمية الأكاديمية والمهنية من مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز البحث والدراسات إما مجانا أو بكلف قليلة مع تخصيص وسائل الدعم المالي للطلبة المتفوقين والمحتاجين ... فإننا نتوقع أن ذلك كله  ينطبق كذلك على المجتمعات العربية الثرية والغنية,وهي الدول النفطية على وجه الخصوص.

وعن ارتباط السياسة بالاقتصاد,وعلاقاتهما التبادلية والتأثيرية والتأثرية ,فإن كل المؤشرات التي يتم تقييمها بالدراسة والتحليل القياسي التي تتميز بها الدولة بنوع النظام الحاكم ووسائل الحاكمية فيها وأدواتها وطبيعة التشريعات الاقتصادية والحريات الاستثمارية والتجارية التي تتمخض عن السياسات الاقتصادية وعن العلاقات السياسة للدولة مع محيطها المباشر ومع غيرها من الدول في عالم تغلب عليه صيغ العولمة في كل الفعاليات الإنسانية من ثقافية وتجارية ومعلوماتية ومعرفية..فإن هذا الارتباط أصبح من المسلمات,وأن العلاقات بين الاقتصاد وبين السياسة علاقة وثيقة وحميمة لا انفكاك من تأثير كل منها على الآخر.

ومن أبرز معالم العلاقة بين الأداء الاقتصادي ونديده الأداء السياسي لنظام الحكم,أن يترافق العمل الجاد والنظيف من الفساد والغش على تأمين الاحتياجات الأساسية للإنسان للمواطن,كما أشرنا إليها في أعلاه,بتأمين الاحتياجات السيادية للإنسان للمواطن التي تتجلى صيغها بمستويات الحريات الفردية والشخصية,وحفظ حقوق المواطن وصون كرامته,وعدم التجاوز على دور المؤسسات المدنية وفعاليات القطاع الخاص,والتغول على نشاط نقاباته في جهود الترقية المهنية والحفاظ على المكاسب لأعضائها,والتدخل في قرارات جمعياته الفكرية والعلمية والأدبية والفنية.

ترافق تأمين االاحتياجات الأساسية والاجتياجات السيادية للمواطن بالصيغ التي تتوافق عليها مكونات المجتمع وفعالياته السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية – الفنية,يصعد من بناء مشاعر الولاء,ويعمق مشاعر انتماء الفرد إلى وطنه وإلى دولته وإلى النظام النظم الذي تدور في أفقه صناعة القرارات في محتلف أوجه النشاطات المحلية والدولية,وهذا ما يصنف الدولة بأنها دولة غنية أو ثرية بالمعنى الشمولي لآي من المصطلحين,لأنها تصنع تنميتها الاقتصادية والبشرية المستدامة بتسخير مواردها بكفاءة.

أثرى وجود النفط بشكل خاص العديد من المجتمعات في عالم اليوم لتعدد الحاجة إلى استعمالاته في تحقيق النهضة الصناعية والزراعية وفي إدارة عجلة الانتقال في السباق الحضاري وفي التنقل  والارتحال والسف وكمادة خام في العديد من المنتجات ذات الضرورة القصوى لارتقاء الإنسان إلى مستويات متجددة من النمو والتحضر,واتقاء مضار البرد والطقس البارد....

ومن ضمن الدول الترية بهذه المصادر دول عربية عديدة في مقدمتها دول الخليج العربي.التي تعتبر من الدول المؤثرة على سعر النفظ بالعالم وتأثير ذلك على موارد الدول المصدرة وعلى كلف إنتاج وتشغيل المؤسسات في الدول المستوردة له,وأن حرب الأسعار في قيمة البترول في السوق العالمي من الحروب السياسية المؤثرة على اقتصادت الدول المنتجة له والمستوردة على السواء,في هذه الدول ( أو معظمها) لا يشتكي المواطن من نقص في حاجاته الأساسية,بل أصبح الركض على مراكمة المال علامة من علائم الجهود الاقتصادية بالاستعانة بخبرات خارجية في الموارد وفي التنفيذ وفي أعمال الصيانة والإدامة ....عملا بالقاعدة العامة الخاملة في المفردات الاقتصادية أن المال يشتري كل شيء, ويذهب البعض إلى ترديد عبارة فجة غرائزية من مثل القول (يمكنك بالمال أن تفعل ما تريد) وأن الوفرة المالية تغني عن صنع الأشياء أو عمل الأشياء أو التشجيع على صنعها أو عملها,وبهذا يكون النشاط الاقتصادي من الأنشطة الأفقية وباتجاه واحد روتيني وتقليدي لا يمكن ممارسته إلا بالمال وحده,أي تفقد تلك الأنشطة الكثير بل الأهم من عناصر الاقتصاد التنموي وشعائره وميادينه ومجالاته.


أما عن دور هكذا اقتصاد محدود المرونة والاتجاه ,في السياسة في الدول العربية, فليس لدينا ما نشير إليه,أو نمثل عليه عملياً وواقعياً من أفعال ذات آثار ظاهرة وغالبة في المشهد العام, ما يتعدى ما يمكن وصفه بالخواء السياسي المضني سوى قدرة المال ذاك على زرع الخصومات بين سياسات النظم العربية ومواقفها إزاء أي قضية محلية أو دولية فيما بينها,وتغذية الخلافات بين أحزابها وحراكاتها المطالبة بالإصلاح وجماعاتها,وتفجير أحقاد اجتماعية,وتشكيل جماعات تحمل السلاح في وجه الدولة فتجد في التفنن بالأعمال الإرهابية طريقها الأفضل لتفريغ غضب أو غريزة حيوانية بطريقة حيوانية ,وجني المال من أعمال الخطف والنهب والقرصنة والسطو,وأكثر من ذلك ذهب هذا التوجه مدفوع الأجر بمال البترول وموجه ومراقب من دول أجنبية تحمل العداء للوجود العربي والتاريخ العربي, إلى تفكيك المجتمعات العربية في أكثر من دولة وإيقاد نيران الحروب المحلية البشعة,وإثارة العصبيات المذهبية تارة,والعرقية تارة أخرى, والطائفية بين مكونات المجتمعات المبتلاة بها,مع ما يرافق ذلك من دمار لا يستثنى مقاماً أو هيكلاً أو بناء من صفيح أو قصراً من رخام,وما ينتج عنه من مآس بشرية بالقتل والتيتيم والتشريد والتهجير.

لقد جعل بعض العرب من أوضاع الوطن العربي حالة مضحكة  مبكية عندما حولوا حاضرنا إلى نشاط يمكن أن نصفه بكل بساطة بحالة  التنمر فيسوق للنفط وسوق للحرب خدمة للأجنبي على حساب العربي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد