الرابطُ بينَ الكوثر ، والشَّانِئ !

mainThumb

29-04-2015 10:31 AM

إن من عقائد أهل السنة الإيمان بالحوض الذي جاء ذِكْرُهُ في الأحاديث الصحيحة ، ومن هذه الأحاديث :

أخرج مسلم – رحمه الله – من رواية شقيق عن عبدالله قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

( أنا فَرطَكم على الحوض ، ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم ، فأقول : يارب أصحابي أصحابي . فيُقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) .

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

( أمامكم حوضي كما بين جرْباء وأذْرُح ) ، أخرجه الشيخان .

وجاء في شرح النووي لمسلم ( 5/ 185 ) في تفسير المسافة بين القريتين ( جرباء ، وأذرح ) :
 
( قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال ) .

وهاتان القريتان كانتا من أملاك الوحيدي الترباني العطوي قبل امتلاك الحويطات لها ، وذلك من رواية عايش بن فرج الضيوفي العطوي .

وقال ابن كثير - رحمه الله – في ( البداية والنهاية ) ( 2/29 ) :

( ما وردَ في الحوض النبوي المحمدي – سقانا الله منه يوم القيامة – من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة , وإنْ رغمت أُنوف كثير من المبتدعة المعاندة المكابرةِ , القائلين بجحوده , المنكرين لوجوده , وأخْلِقْ بهم أن يُحال بينهم وبين من وروده .كما قال بعض السلف :  مَنْ كذب بكرامةٍ لمْ ينالها  ) .

وقد وصف الرسول – صلى الله عليه وسلم – سَعَةَ حوضِهِ ، ولَوْنَ مائه ، حتى عددَ كِيْزانِهِ التي يُشْرَبُ بها ، كل ذلك حَضَّاً للمؤمنين من الاستزادة من الطاعات القائمة على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، وهذا الحوضُ جاء حديثٌ يُبَشِّرُ أنَّ من شَرِبَ منه لا يَظْمَأُ أبدا ، فهنيئا لمن كان من روَّادِه ووارديه يوم القيامة !
وهذا الحوضُ يُطْرَدُ عنه أقوامٌ من هذه الأمة عليهم آثارُ الوضوء والصلاة ، طَرْدَ الغريبة من الإبل عن الحوض ، وقد بَيَّن الرسول – صلى الله عليه وسلم – سببَ هذا الطرد لهؤلاء ، وهم بأمسِّ الحاجة لِجُرْعَةٍ منه تُطْفِئُ لاعِجَ عَطَشِهم وظمَئِهم ، وتُبْرِدُ عَكِيْكَ حَرِّ أجوافِهِم ، فما هو الذنبُ الذي اقترفوه حتى يُعاقَبوا هذا العقاب الشديد الذي يُؤيِّدُه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد معرفته بقوله : ( سُحْقا سُحْقا ) !

إنَّ هذا الذنبَ هو ( الاحداثُ ) في الدين ، والسيرُ على غير طريق النبي – صلى الله عليه وسلم – في العقائد والعبادات ... وهي البدعة المشؤومة التي حَذَّرَ منها النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياتِهِ أَشَدَّ التحذيرِ ، فقال : ( وَشَرُّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلُّ محدثةٍ بدعة ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ... ) فهي شرُّ الذنوب بعد الشرك ، تفوق الكبائرَ كما نضَّ غيرُ واحد من السلف على ذلك ، ( البدعةُ أحبُّ الى ابليس من المعصية ) ، لأنَّ صاحبَ المعصية يعلم أنه على خطأ ، فهو يُحَدِّثُ نفسَهُ بالتوبةِ بين الفينة والفينة ، أما صاحبُ البدعة فيراها صوابا ، ويراها هي الدينُ ، فأنَّى يُقْلِعُ عنها ؟!

من هنا عرفَ السلف أنها أخطرُ من المعصية ، والذي قادني لهذا الحديث عن الحوض الذي يؤمن به أهل السنة دون سواهم من أهل البدعة المقيتة ، حديثٌ جرى بيني وبين أحدِ طلبتي من الصفوف الدُّنيا في المدرسة ، حول نهر الكوثر الذي أعطاه اللهُ لنبيه – صلى الله عليه وسلم – في الجنة ، وقد جاء في الأثر الصحيح أن الكوثرَ يَمُدُّ الحوضَ بالماء بميزابين يضُخَّان في الحوض .

واللفتةُ التي أحببْتُ ابرازَها لإخوتي طلبة العلم ، الرابطُ بين الكوثر ، وطرد أقوام عن الحوض ، فإن الله ذكر نهر الكوثر ، وكذلك ذَكَرَ الشانِىءَ للرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وقد أبنَّا أن الحوض يمُدُّه نهرُ الكوثرُ بالماء ، وأنَّ المُحْدِثَ في دين الله هو مَنْ يُطْرَدُ عن السُّقْيا من الحوض ، فأهل البدع هم الشانئون للسنة المطهَّرة في الدنيا ، والمحاربون لها ولِأهلِها ، فكان العقابُ أن لا يَرِدُوا ذلك الحوض الذي ماؤه من الكوثر ، وجاء ذِكْرُ الكوثر ، مع ذكر الشانِىء في سورة ( الكوثر ) ، فمن أحبَّ السنة ، ودعا لها على الوجه الصحيح القائم على العلم ، فهو بإذن الله من واردي ذلك الحوض العظيم ، ومن أبغض السنة وعاداها ، فهو من المطرودين عن ذلك الحوض .

فيجب أن نحذرَ من الاحداث في الدين ، ويجب علينا الاتباع ، فقد كُفِيْنا في هذا الباب ؛ لأن الدينَ قد اكتملَ ، والبنيان قد تَمَّ ، فلا استحسان للعقول ؛ لأن الحُسَنَ كُلَّه في فهم الرعيل الأول الصحابة الكرام ، الذين زَكَّاهم اللهُ ورَضِيَ عن فَهْمِهِمْ للدين ، وجعلهم الله قُدْوَةً لِمَنْ بعدَهم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد