تَحْقيقُ قولِ ميسون الكلبية : ( لَبَيْتٌ تَخْفقُ الأرواحُ فيه .. )

mainThumb

16-05-2015 11:41 AM

لقد سمعتُ مَنْ يَقْرَأُ بيتَ ميسون بنت بحدل الكلبية زوجِ معاوية – رضي الله عنه - :

لَبَيْتٌ تَخْفقُ الأَرْوَاحُ فيه
..... أَحَبُّ إليّ من قَصْرٍ مُنِيْفِ .

ويجعل مكان ( الأَرْوَاح ) ( الأَرَيْاح ) ، وهذا من الخطأ في اللغة ، فإن الأَرْوَاحَ هو الجمع الصحيح للريح ، لأن أصل الياء واوٌ ، ولكن كُتِبَتْ ياءً في المفرد لكسر ما قبلها وهو حرف الراء .

وجاء في لسان العرب : ( وأنكر أبو حاتم على عمارة بن عقيل جمعه الريح على أرياح ، قال : فقلت له فيه : إنما هو أرواح ، فقال : قد قال الله تبارك وتعالى :  وأرسلنا الرياح  وإنما الأرواح جمع روح ، قال : فعلمت بذلك أنه ليس ممن يؤخذ عنه ) .

فكما ترى كيف أنكر هذا اللغوي العلامة أبو حاتم على عمارة جَمْعَهُ الريِّح على أَرْيَاح ، وعَلِمَ أنه ليس ممن يؤخذُ عنهم العلم .

وقد جاءت في أشعار الفُصَحاء ( أَرْوَاح ) ، ولم تَأْتِ أَرْيَاح ، قال غيلان بن عقبة ( ذو الرُّمَّة ) :

ألَا حَيّ رَبْعَ الدارِ قَفراً جُنوبُها
..... بِحَيثُ اِنحَنى مِن قِنْعِ حَوْضَىْ كَثيبُها

دِيارٌ لِمَيٍّ أَصبَحَ اليَومَ أَهلُها
.....عَلى طِيَّةٍ زَورآءَ شَتّى شُعوبُها

وَهَبَّت بِها  الأَرواحُ  حَتّى تَنَكَّرَت
..... عَلى العَينِ نَكباواتُها وَجَنوبُها

ثم في نفس القصيدة قال – أيضا -

أَلَا لَاْ أَرى الهِجرانَ يَشفي مِنَ الهَوى
..... ولَا وَاشياً عِندي بِمَيٍّ يَعيبُها

إِذا هَبَّتِ  الأَرواحُ  مِن نَحوِ جانِب
..... بِهِ أَهلُ مَيٍّ هاجَ شَوقي هُبوبُها

وقال الشاعرُ الأُبَيْردُ :

فَدَعْ عَنْكَ هذا الحَلْيَ ، إِنْ كُنْتَ لائِمي
..... فَإنِّيْ امرِؤٌ لا تَزْدَهيني صَلَاصِلُهْ

إذا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِهِ شَدَنِيَّةٌ
..... بِمُطَّرِدِ  الأَرْوَاحِ  نَاءٍ مَنَاهِلُهْ .

وأيضا قال الأبيردُ في رثاء أخيه بريدٍ :

فَحَيَّاكَ عَنِّيْ الليلُ والصُّبْحُ إذْ بَدَا
..... وَهُوْجٌ من  الأَرْوَاحِ  غُدْوَتُها شَهْرُ

سَقَى جَدَثاً لو استطيعُ سَقَيْتُهُ
..... بِأَوْدٍ ؛ فَرَوَّاهُ الرَّوَافِدُ ، والقَطْرُ .

وهي من جيِّدِ ومختار المراثي .

وكان للشاعر مطيع بن إياس بستان بالكرخ اسمُه ( بستان صَبَّاح ) ، قال مطيع :

كَمْ لَيْلَةٍ بالكرخِ قد بِتُّها
..... جَذْلانَ في بُسْتَانِ صَبَّاحِ

في مَجْلِسٍ تَنْفَحُ أرواحُهُ
..... يا طِيْبَها مِنْ ريحِ  أرواح ِ

وقال القَتَّالُ الكُلابي :

إذا هَبَّتْ  الأرواحُ  كان أَحَبُّهَا
..... إليَّ التي من نَحْوِ نَجْدٍ هُبُوْبُهَا

وإنِّي لَيَدْعُوْنِي إلى طاعةِ الهوى
..... كواعبُ أَتْرابٍ مِرَاضٍ قُلُوْبُهَا

كأنَّ الشِّفَاهَ الحُوَّ مِنْهُنَّ حُمِّلَتْ
.....ذُرَىْ بَرَدٍ يَنْهَلُّ عنها غَرُوْبُهَا

بِهِنَّ مِنَ الدَّاءِ الذي أنا عارفٌ
..... وما يَعْرِفُ الأَدْوَاءَ إلَّا طَبِيْبُهَا .

قال أبُو حَيَّان : ( وفي محفوطي قديماً؛ أنَّ « الأَرْيَاح » جاء في شعر بعض فُصَحَاءِ العَرَب المستَشْهَد بكلامهم ) .

فنحنُ نتمسَّكُ بما ورد عن العرب الى أن نَطَّلِعَ على محفوظ ابي حيَّان – رحمه الله –

وجاء في الأثر الصحيح عن النعمان بن مقرن المزني :

( كَانَ النُّعْمَانُ رَجُلًا بَكَّاءً فَقَالَ: قَدْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يُشْهِدُكَ أَمْثَالَهَا فَلَا يُخْزيك وَلَا يُعْرِي مَوْقِفَكَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُناجِزَهم إِلَّا لِشَيْءٍ شَهِدْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غَزَا فَلَمْ يُقاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يَعْجَلْ حَتَّى تحضُرَ الصَّلَوَاتُ، وتَهُبَّ  الْأَرْوَاحُ ، ويُطيبُ الْقِتَالُ ) .

فهذا كلام الصحابي الجليل النعمان بن مقرن المزني من قبيلة مزينة الكريمة ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد