إبن النخبة وابن عامل النظافة ؟!

mainThumb

21-05-2015 04:12 PM

من أبسط معالم الكلام الصادم أن الصدمة تقع بمجرد سماعه دون حاجة إلى التفكير بما يتضمنه من مفاهيم أو إيماءات,وهو كلام مؤلم في وقعه على الأذن بما يحمله في معانيه وفي مضامينه وحتى في مراميه إنْ بلغ حد القول لهذا الكلام أو به الحدود المحرمة على أبسط معاني العدل في التعامل بين أبناء المجتمع فيما بينهم وبينهم وبين الناس كل الناس في كل مكان. يصيب في غرابته وبما يسسببه من دهشة لا تخلو من تعمدها جرح مشاعر المعنيين بالكلام أو الخطاب أو الرأي أو القول كيفما جاءت صياغته و أو مناسبته.

في حديث متلفز لوزير العدل المصري المستشار محفوظ صابر حول الفئة التي تحتضن من يمكن له أن يتبوأ مركزاً في سلك القضاء,واستبعاده إمكانية,وعدم جواز أن يشغل منصباُ قضائياُ أياً من أبناء عمال النظافة ,ونحن الأردنيين نسميهم عمال وطن وهي تسمية مستحقة وموضوعية ومهنية.والعمل الذي يؤدونه عمال الوطن عند تقويم أهميته من الناحية الاجتماعية – البيئية – الصحية – الإنسانية, نجد أن أهميته تبلغ من الضرورة مراتب تفوق بكثير أهمية عدد كبير من الوظائف الإخرى وغيرها من الأعمال المهنية,وهذا لا يعني إننا نتحيز ضد عمل بعينه وإنما المقصد منه التمايز بالأعمال بعناصر أهميتها القصوى وضرورتها الشديدة ونتائجها السلبية منها والإيجابية,وهو موضوع خارجة تفاصيله عن سياق هذا المقال.

كان وزير العدل يتحدث في موضوع يعنيه مباشرة من حيث الاختصاص حول البيئة الاجتماعية المؤهل أبناؤها ليصبحوا قضاة بقوله : إن ابن عامل النظافة لن يصبح قاضياً لأن القاضي يجب أنْ يكون قد نشأ في وسط مناسب لهذا العمل. ونلاحظ في هذه الآونة درجت إلى حد بعيد موضة التقاء وزراء حاليين وسابقين في برامج حوارية متلفزة تتعرض لموضوعات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وعسكرية وغيرها دون ارتباط موضوع الحديث بتخصص المتحدث وخبرته العملية,عدا عن حمل لقب الوزير في أحيان ليست قليلة.وكأن الذهنية التراثية الإعلامية ذات الطابع الأبوي للسلطة ما زالت تفعل فعلها في التراث الفكري الحديث,وفي المنهج الإعلامي العربي (ربما باستثناء لبنان) وقد بلغ دوره في التأثير في اتجاهات الرأي العام مبلغه,ويعدها البعد سلطة في أهميتها كالسُلط القضائية والتنفيذية والتشريعية..

وهذا التركيز على  الاختيار الانتقائي لشخوص حملت ألقاباً وظيفية حكومية من الإعلام يثير من الفوضى المعرفية,ومن الخلط الثقافي,ومن التسطيح الفكري,ما يخلق حالة من التذمر والإحباط بين فئات المجتمع كبديل للتوعية والترقي المفاهيمي للفكر,وتطورمصادر الثقافة ومعارفها وتعددهما,ويقزم عوامل التحفيز للأجيال الناهضة ويتصدى بفجاجة لأحلام الطفولة الواعية والمتأملة من رعاية مجتمعها لتطلعاتها وأحلامها.ولا ننسى أن عصر النهضة العربية الحديثة التي شهدتها خمسينيات القرن الماضي رفع رايتها وجدد نشاطها غالبية من جيل كان اباؤهم بسطاء وموظفين وعمال سعداء.

هناك أكثر من مدخل عقلاني  لضحد الفكرة النخبوية في جوهرها (أنظر كتابنا : التعددية والتنوع محركا التقدم والتطور),فقد عملت النخبوية على تصنيفات ظلمت نفسها وميزت ذواتها دون وجه حق ودون أسس تخص منتسبيها.ويدخل كلام وزير العدل المصري المستقيل بسبب رأيه النخبوي الذي لا يحتمل التبرئة من مجافاة طبيعة التطور الذي تشهده المجتمعات الإنسانية عبرسعيها لنقل مجتمعاتها نقلات نوعية في عالم يشهد وتائر تغير حاسمة ودائمة.وإذا كان المال والمُلْكية يورثان فإن المهارات والتأهل المهني والتراكم المعرفي الذي أصبح متاحاً لجميع فئات المجتمع في جامعات ومعاهد ومراكز علمية وتدريبية وخبراتية ظلت ميزة فردية,كما هو حال الجهد الذي يترافق مع الطموح الفردي لتحقيق الذات.وإذا كان ابن الطبيب يكون طبيباً,وابن القضي قاضياً وابن العسكري عسكرياً وابن عامل الوطن عامل وطن,فإن المجتمع هذا الافتراضي سيكون مكوناً من فئات مهنية نمطية متكررة,وهي حالة اجتماعية مستحيلة الحدوث ووهمية.

يُفترض حسب المفاهيم النخبوية ومفرداتها أن ابن العالم سيكون عالماً وهذا ما تدحضه كل النظريات العلم – فردية (البيولوجية والسيكولوجية والبيئية) في البشر.وثمة سؤال يطرح نفسه على هكذا مجتمع (غير معقول ) وهو المتعلق بأبناء عامل وطن فهل عليهم كلهم أن يكونوا عمال وطن ؟ وكذا أبناء المعلم وأبناء الرياضي....؟.ومن زاوية أخرى فإن مهنة القضاء معنية بتطبيق القوانين والتشريعات السارية,كما يستوعبها فهم القاضي وقدرته العقلية على ربط عناصر القضية بعناصر التشريع مع تفعيل الخبرة والدراية والتقديرالعادل,وهذه كلها أمور لا تتعلق بنسب عرقي أو عائلي وظيفي في المجتمع أي لا يعكس تربيته المنزلية ونسبه العائلي على القضية التي يحكم فيها؟!

لقد علقت الآراء النخبوية ودعاتها  ومنتسبو النخبوية مناهج التنمية بعلائق معيقة لكثير من مجالاتها وذلك بما تحمله النخبوية من إقامة بوابات دخول إلى المهام المجتمعية عبرها لمن يحمل بطاقة النخبة وعضويته فيها,وذلك على الرغم من أن أبواب التنمية,كي تحقق أهدافها وتضع مجتمعها على خط السباق المضني في التنافسية مع دول العالم, يجب أن تكون مشرعة دون أي عوائق افتراضية أو جبرية أو تمييزية من أي جهة كانت.وكما سبق وأن أشرت في مقالة سابقة في السوسنة فإن حاجة التنمية المستدامه إلى كل من حامل لقب الدكتوراه وبين حامل الفأس بلقب عامل متكاملة متضامنة ومتوازنة.

وإذا كان القاضي الذي يحكم في قضايا الناس وعلى مصائرهم يضع العدل ما استطاع إلى ذلك سبيلا,فكيف إذا جاءت منه مواقف تتنافى وأبسط مبادئ العدل الاجتماعي,وتتعارض مع الحقوق الفردية التي تحميها دساتير الدول تعارضاً صارخاً,ودون أن يدرك الفرق بين من يلوث البيئة الاجتماعية وبين من يقوم بحمايتها كي ينعم الناس بالنظافة في البيئة التي يعيشون فيها.فكما تُعنى أمهاتنا بنظافة بيوتنا يُعنى عمال الوطن بنظافة وطننا لتبقى عقولنا نظيفة الفكر والتدبير.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد