السوسنة - وسط تجاهل حكومي لما قد يسببه، سوء استخدام مصابيح توفير الطاقة، وتأثيراته المضرة بالبيئة والإنسان، فإن الأسواق الأردنية أصبحت تعج بأنواع من هذه المصابيح رخيصة الثمن، ذات الكفاءة المتدنية، والتي يدخل اغلبها للمملكة بطرق "غير شرعية".
وتعتبر مادة الزئبق التي تحتوي عليها هذه المصابيح من المواد الخطرة على الصحة والبيئة، لكن الخطورة لم تعد في احتواء هذه المصابيح المقلدة، أو ما يطلق عليه بعض التجار "نخب ثان"، على الزئبق حسب، بل فإن التعرض لضوئها فترة طويلة، وعلى مسافة أقل من 30 سم، يتسبب بأضرار في شبكية العين والجلد، مع احتمالية الاصابة بالسرطان.
ما يزيد "الطين بلة" حسب خبراء في الشأنين البيئي والطاقة، ان جهات رسمية ما تزال تتبادل الاتهامات بـ"التقصير" في هذا الجانب، لتجاهلها التوعية بآلية استخدام هذه المصابيح، والتوعية بما تحتويه من مواد سامة (الزئبق) والذي يشكل تهديداً للأجنة في الأرحام.
وامتد التقصير الحكومي، وفق ما اشار له خبراء الى "عدم وضع قوانين وتشريعات خاصة، توضح كيفية استخدام هذه المصابيح واتلافها بطرق آمنة". معتبرين ان الاردن "اخترق اتفاقية التخلص من الزئبق التي وقع عليها العام الماضي في اليابان".
وأكد رئيس مركز الأرض والإنسان لدعم البيئة المهندس الدكتور زياد علاونة، على خطورة استخدام هذه المصابيح لما تحتويه من زئبق، بغض النظر عما اذا كانت مقلدة أو أصلية، برغم ان مادة الزئبق مهمة في حياتنا وتدخل في صناعة كثير من الاجهزة الكهربائية.
ويعتبر الزئبق مادة خطرة جدا، والأصل أن يمنع استخدامه في هذه المصابيح، وان توضع معايير حازمة عند استيرادها، لا سيما وان الاردن وقع على اتفاقية التخلص من الزئبق، ما يتطلب أن يكون ملتزما ببنودها الرامية للتخلص من هذه المادة حيثما وجدت، وفق العلاونة.
وبين العلاونة انه عند تعرض المصباح للكسر، فيجب التخلص من بقاياه عن طريق تجميعها بحذر وارتداء كمامة، لاحتوائها على اغبرة الزئبق، وإخراج الأطفال والأفراد والحيوانات من الغرفة التي حدث فيها التحطم، وتهويتها وإغلاق مكيفات الهواء والتدفئة، ووضع مخلفاتها في أماكن مكبات المواد الخطرة.
ويجد العلاونة، أن استخدام هذه المصابيح بما تحتويه من زئبق، اختراق للاتفاقية الدولية، ما يضع الأردن في موقف صعب وأمام مسؤولية كبيرة في هذه المسألة.
فعلى الرغم من دورها بتخفيض فاتورة الكهرباء أكان في المنزل أو في المحلات التجارية والمصانع، فإنها تسهم بتخفيض كمية الوقود في محطات التوليد وإطلاق الغازات الدفينة مثل ثاني أكسيد الكربون.
المجتمع البيئي الأممي، انتهى من مفاوضات صك التخلص من الزئبق العام الماضي في اليابان، وجاءت هذه الاتفاقية لمساعدة الدول في تسليط الضوء على مخاطر المصابيح الموفرة للطاقة، وكيفية التعامل معها بيئيا والبحث عن بدائل للزئبق.
ولحين توفير البدائل، ترتفع مخاوف الخبراء البيئيين والصحيين، بان يمضي وقت طويل حتى تتخذ الحكومة، اجراءات للتخلص من الزئبق.
الى ذلك، خلصت دراسة علمية حديثة، إلى أن هذه المصابيح، تطلق غازات كيميائية على شكل بخار تسبب السرطان، فقد نقلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن الدراسة قولها إن هذه المصابيح "تطلق غازات سامة تتسبب بالسرطان عند تشغيلها".
وبينت الدراسة أن إبقاءها منارة لفترة طويلة وفوق رأس الإنسان، يتسبب بإطلاق غازات سامة، مثل غاز الفينول والنفثالين والستايرين، فالمواد المستخدمة بتصنيع هذه المصابيح لها آثار جانبية ضارة.
وقال الباحث أندرس كريشنر في الدراسة نفسها، إن "الضباب الدخاني المنتشر حول المصابيح، يحتوي على غازات عالية السمية، لذا يجب استعمالها بعيدا عن الرأس وفي أماكن مفتوحة"، لافتا إلى القيام بدراسات إضافية لئلا يتسبب ذلك بذعر عام.
كما تكمن الخطورة أنه في حال انتهاء هذه المصابيح والتي تعد من النفايات الخطرة، ستذهب الى "الزبالة"، من ثم إلى مكبات النفايات، وهنا يكمن الخطر الأكبر في أنه قد تتسرب الى مصدر مائي، في حال انجرفت بفعل الأمطار، وتصل للمياه الجوفية أو السطحية.
وعليه، وضعت منظمة الصحة العالمية منشورا عبر موقعها الالكتروني الرسمي، يحتوي على مجموعة تدابير وقائية تمنع إطلاق الزئبق في البيئة، وتعريض البشر له.
كما دعت نشرتها للتخلص من إنتاج الزئبق، والتشجيع على استخدام مصادر طاقة نظيفة، وتنفيذ طرق آمنة في التعامل مع منتجاته ونفاياته.
وفي الوقت الذي أكد فيه مدير إدارة المواد الخطرة والنفايات بوزارة البيئة الدكتور محمد الخشاشنة في تصريح صحافي سابق على أن هذه المصابيح مضرة، أكانت غالية الثمن أم رخيصة، لفت إلى أن وقوع أعباء كبيرة جراء استخدامها على الصحة والبيئة لاحتوائها على الزئبق.
وبين الخشاشنة أن المشكلة ليست باستخدام المصابيح، بل عند انتهاء صلاحيتها في حال لم تتلف بطرق سليمة، مطالبا بوجود بروشورات مرفقة مع المصابيح، تحذر من مخاطرها، وتعرف الناس بكيفية استخدامها، لا سيما وأن هناك ثلاثة أنواع منها تحتوي على كميات كبيرة من الزئبق.
ولفت الى أن هناك مواد موفرة للطاقة، خالية من الزئبق يمكن استخدامها، لكن سعرها مرتفع، ما يرهق جيب المواطن.
وطالب الخشاشنة الحكومة بالتعامل مع تلك المصابيح، كنفاية خطرة والاتصال بأمانة عمان الكبرى أو البلدية لإتلافها وفق الطرق الصحيحة.
وشدد على ضرورة وضع معايير حازمة، تطبق عند استيرادها، وأن يكون هناك توازن في كمية الزئبق فيها، وكتابة تحذير حول كيفية استخدامها في حال انتهاء صلاحيتها أو كسرها.
بيد أن شركة الكهرباء، ألقت باللوم على وزارة البيئة وفق رئيس قسم ترشيد استهلاك الطاقة محيي الدين طوالبة، الذي أشار إلى تقصيرها في وضع قوانين وتشريعات بخصوص كيفية استخدام هذه اللمبات وإتلافها بالطرق السليمة.
"لم تأتنا تصريحات واضحة من وزارة البيئة بهذا الخصوص" حسب طوالبة لـ"الغد"، والذي اكد على ضرورة أن يكون هناك نشرات واضحة من "البيئة"، لتوعية الناس بمخاطر هذه المصابيح إذا لم تتلف على نحو سليم.
كما يقترح ان تضع الوزارة وبالتعاون مع مؤسسة المواصفات والمقاييس، قوانين وتشريعات ملزمة عند استيراد المصابيح الموفرة للطاقة من جهة، وبروشورات تعرف الناس بكيفية استخدامها من جهة أخرى، على الرغم من أنه لم يجر أي حوار فني بين وزارتي الطاقة والبيئة قبل استيرادها.
"إن كان هم الحكومة على صحة مواطنيها، فالأولى أن تشير بمصداقية وشفافية للمخاطر التي ستفتك بحياتهم على المدى البعيد، في حال تسرب الزئبق للمياه الجوفية والسطحية والهواء"، وفق الخشاشنة.
يشار الى ان مسؤول برنامج البيئة في برنامج الام المتحدة الانمائي بالاردن محمد العتوم، اعلن العام الماضي ان البرنامج الاممي رصد 200 الف دولار في المرحلة الاولى لمشروع دراسة تقييمية لتجنب الزئبق، في المصابيح الموفرة للطاقة، ووضع مواصفة اردنية لها وفقا لما تحويه من الزئبق، بالإضافة الى أن دراسة النواحي التشريعية والقانونية لها، والتنسيق مع الجهات المعنية كمؤسسة المواصفات وامانة عمان الكبرى ووزارة الشؤون البلدية.
مدير مؤسسة المواصفات الدكتور حيدر الزبن أكد حرص المؤسسة على سلامة المواطن، وذلك عبر برنامج "مسح الأسواق" الذي تسعى المؤسسة في لتنظيف الأسواق من المصابيح غير المطابقة للقواعد الفنية وللمواصفات والمقاييس، وتهرب للاسواق، لا سيما وأن المؤسسة لم تسمح بدخول اي مصباح غير مطابق للمقاييس منذ مطلع العام الحالي.
وشرعت المؤسسة وفق الزبن، بتطبيق برنامج eco design، بحيث يتعامل هذا البرنامج مع المصابيح من حيث تاريخ الانتاج ومدة الصلاحية، وكيفية التعامل معها بعد التلف أو انتهاء صلاحيتها.
وتعهد الزبن بأن ينظف الأسواق من هذه المصابيح غير المطابقة للمواصفات والمقاييس مع بداية العام المقبل، لا سيما وأن المؤسسة، باشرت العمل في مختبرها منذ مستهل أيار (مايو) للعام الحالي، لفحص المستورد منها، من حيث احتوائه على مواد مشعة وضارة.
وتشترط المؤسسة إرفاق نشرة مع المصابيح، تبين نسبة المواد المشعة فيها وكمية ما توفره من طاقة، وتصنف المصابيح حسب كمية الطاقة التي توفرها إلى A.B.C، وان تكون أسعارها معقولة.
وأكد الزبن على أن هذا النوع من المصابيح، لن تدخل للأردن إلا بعد مرورها من المختبر واجتياز فحوصاته بنجاح، رافضا قبول أي تقارير فحص من خارج المؤسسة، إذ ستفحص جميع العينات فقط في مختبر المؤسسة.
فبعد ارتفاع فواتير الكهرباء وفق التعرفة الحكومية الجديدة مع بداية العام الحالي، زاد اقبال المستهلك على شراء هذه المصابيح لأنها رخيصة الثمن، بصرف النظر عن فاعليتها ومأمونيتها، حسب ملاحظة صاحب محل إنارة هو محمد المصري.
وأشار المصري إلى أن الأكثر مبيعا للمصابيح هي رخيصة الثمن، إذ يتراوح ثمنها من دينار إلى دينار وخمسة وسبعين قرشا، مبررا أن بيعه لها على الرغم من قلة كفاءتها، يعود إلى أنه "من حق المواطن الحصول على سلع رخيصة الثمن".
أصحاب محلات تجارية وبسطات في مناطق شعبية، يستغلون حاجة المواطن وانخفاض دخله المالي، فيبيعونه تلك المصابيح المقلدة وغير الخاضعة للمواصفات والمقاييس، بصرف النظر عن آثارها السلبية على صحتهم، وعدم معرفتهم بأساليب التخلص منها بطرق آمنة.
وفي هذا النطاق رصدت "الغد" التاجر محمد علي وهو يتجول في باصه الصغير عبر الأحياء السكنية، مرددا عبر سماعاته "نبيع مصابيح توفير طاقة رخيصة الثمن".
علي وكأي تاجر يرغب ببيع بضاعته، يسعى جاهدا لإقناع أكبر عدد ممكن من الأسر البسيطة، بمدى فاعلية هذه المصابيح، وقدرتها على توفير الطاقة وبسعر مغر، على حد تعبيره.
"هذه المصابيح ما بتختلف عن الغالية بإشي"، يقول علي لـ"الغد " اثناء مقابلتها له في جولتها الميدانية بمناطق عمانية مختلفة، مؤكدا أن السعر المرتفع للمصابيح الأخرى، يعتمد على خلو إيجار المحلات او المنطقة التي يوجد فيها المحل.
ورفض علي التشكيك في المصابيح التي يبيعها قائلا بغضب "سبحان الله.. كل شي رخيص ويخدم المواطن بيتشكك فيه".
الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها نسبة كبيرة من المواطنين والارتفاع المستمر للأسعار والضرائب الحكومية، ما بات يقسم ظهر المواطن ويجعل حصوله على اللقمة صعبا جدا، دفعت بالعديدين لاقتناء واستخدام سلع رخيصة الثمن، دون التفات لرداءة المنتج أو حتى آثاره السلبية على صحتهم، حسب خبراء في الشأن البيئي.
الثلاثيني مراد موردي، والذي يعمل في محل تجاري، استبدل مصابيحه القديمة بمصابيح توفير الطاقة لترشيد استهلاك الكهرباء، محاولة منه لتوفير النفقات، لا سيما وأن فاتورة الكهرباء باتت حملا لا يقوى عليه، وقد نجحت خطته فبلغ قيمة الوفر لديه 30 % عما كان عليه سابقا.
ومن واقع تجربته الشخصية، فان موردي وجد ان المصابيح مرتفعة الثمن ذات جودة عالية، لكن يصعب استبدال مصابيح منزله بها، غير أنه اضطر لاستخدام مصابيح ذات اسعار وجودة متوسطة، وحسب قوله "تفي بالغرض".
بيد أن الخمسيني خلدون الحياري الذي استبدل جميع مصابيح البيت بأخرى موفرة للطاقة رخيصة الثمن ومقلدة وتلفها سريع جدا، يشير الى ان التوفير الكبير الذي حققه بعد استخدام المصابيح الأصلية المكفولة، كان جيدا، إذ انخفضت قيمة الفواتير للنصف.
واتفق أصحاب محلات متخصصة ببيع مصابيح التوفير على أن هناك إقبالا كبيرا على شرائها بمختلف أنواعها وأشكالها.
وقال صاحب محل لبيع المصابيح الموفرة وهو خالد سليم، إنه يبيع في اليوم نحو 10 مصابيح، مؤكدا على وجود فرق كبير في فاتورة الكهرباء بعد استخدام المشتري للمصابيح.
ويرى سليم أن سعر هذه المصابيح معقول وفي متناول اليد، مقارنة بالتوفير الكبير الذي يحدثه لفاتورة الكهرباء، مؤكدا على عدم وجود أي أضرار من استخدامها فـ"حالها كحال أي مصابيح".
في حين يعزو صاحب بسطة لبيع المصابيح المقلدة، الأربعيني مهند تميم الى ان تهافت الناس على شراء هذه المصابيح، رغم تأكدهم من قلة جودتها وكفاءتها، سببه الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشونها، ما يدفعهم للبحث عن بضائع رخيصة دون النظر لجودتها أو أضرارها السلبية.
"الجودة مفهوم نسيناه من زمان، والمواطن يبحث عن الرخص"، حسب قول مهند، لافتا إلى أن الأولى بالحكومة توفير مصابيح موفرة للطاقة بأسعار معقولة، بدلا من حث المواطن على "عدم شراء المقلد". الغد