الشَّبَهُ بين الخوارج والكلاب

mainThumb

21-06-2015 04:22 PM

 لقد ذَمَّ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الخوارجَ أشدَّ الذَّمِّ ، ونقلَ هذا القدحَ فيهم الصحابةُ الكرام مُبَلِّغينَهُ لمن بعدهم حتى يومِنا هذا ، وهذا من حرصِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على تعريَتِهِم وفضحهم حتى لا يلتَبِسَ أمرُهم على العامَّةِ .

 
فالحمدُ لله على هذا الوضوح وهذا البيان في أخطرِ فرقةٍ ذَرَّ قرنُها مُنذْ العصرِ الأول ، وكان حصادُها المُرُّ قتلَ عثمانَ وعليٍّ – رضي الله عنهما – وهم جادُّون في طريقهم ، ساعون بكلِّ قوَّةٍ لِتَحقيقِ أهدافِهم الوهميَّةِ الشيطانية في إراقة الدَّمِ الحرام ، وتخريبِ الوطنِ والديار ، والأعداءُ منهم سالمون آمنون !
 
ومن هذا الوضوحِ والبيان الذي جاء عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – في حَقِّ هؤلاء الخوارج أنْ وَصَفَهُمْ بالكلاب ، وَلِنَتَفَقَّه في هذا الربط العجيب بين فئة الخوارج وهذا الحيوان الذي يُدْعى بالكلب .
 
نعلم أن الكلابَ أمَّةٌ من الأُمَمِ هَمَّ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – بقتلها جمعاء ، جاء في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن مُغَفل – رضي الله عنه – قال : أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقتل الكلاب ثم قال : ( ما بالُهم وبالُ الكلاب ) ثُمَّ رَخَّصَ في كلب الصيد .
 
وفي سنن الترمذي وأبي داود عن عبدالله بن معقل قال : قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم - : 
 
( لولا أن الكلابَ أُمَّةٌ من الأُمَمِ ؛ لأَمرتُ بقتلها ، فاقتلوا منها الأسودَ البهيم ) .
 
فقد كان في بداية الأمر قتلُ الكلاب كلها ثم جاء التخصيص للأسود والعقور منها .
 
والأحاديث التي جاءت في ذكر الكلاب أكثرُ من غيرها فيما يخُصُّ الحيوانات ! فلذلك ألَّفَ بعض العلماء فيها رسائلَ جمعتْ شتيتَها وأحكامها ، من هذه الرسائل : ( الإغتراب في أحكام الكلاب ) للعلامة يوسف بن أحمد بن حسن بن عبدالهادي الصالحي ، فمن خلال معرفتنا بخصائص الكلاب نستطيع أن نتعرفَ على الرابط بين الخوارج والكلاب كما جاء الأثرُ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 
 
وكلنا نعلم أن العربَ ضربتْ الوفاء بالكلب ، فقالتْ : ( أوفى من كلب ) ، بل ذَكَرَ من كَتَبَ عن هذا الحيوان أن كلَّ الحيوانات تُقَدِّمُ أوطانَها على أصحابِها الا الكلبَ فإنَّه يقدِّمُ صاحبَهُ على وطنِهِ !
 
وأَلَّفَ محمد بن خلف المرزباني رسالةً في فضل الكلاب : ( فضلُ الكلابِ على كثيرٍ ممن لبس الثياب ) .
 
فالذي يتبَيَّنُ لي أنه يجب استحضارُ حديثٍ آخرَ ؛ حتى نتعرَّفَ مغزى تشبيه الخوراج بالكلاب ، لأن الكلبَ ضُرِبَ به الوفاءُ لِصاحِبِه ، فإذا استحضرنا الحديث الآخرَ عرفنا أن الخوارج يشبهون الكلاب في حالة خاصةٍ تطرَأُ على هذا الصنف الحيواني ، وهذه الحالة هي حالةُ إصابتِهِ بمرض الكَلَبِ ( السُّعار ) .
 
أخرج الامام أجمد من حديث معاوية – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : 
 
( إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، فَلا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلا دَخَلَهُ ) .
 
ففي هذا الحديث نَصٌّ واضحٌ على أنَّ داءَ الكَلَبِ هو ما يُصيبُ الخوارج .
 
وداءُ ( الكَلَبِ ) ،  داءٌ يُصيبُ الكلابَ ؛ فتخرجُ عن طبيعتِها إلى طبيعةٍ خبيثة مُرْدِيَةٍ .
 
قال ابنُ الأثير : ( داء يَعْرِض للإنسان من عَضِّ الكَلْب الْكَلِبِ فيُصِيبُه شِبْه الجُنون فلا يَعَضُّ أحداً إلاّ كَلِب، وتَعْرِض له أعْراضٌ رَدِيئة، ويَمْتَنِع من شُرْب الماء حتى يموت عَطَشاً ) .
 
قال صديق حسن خان في ( الدين الخالص ) ( 3 / 45 ) :
 
( الكَلَبُ – بفتح اللام – داءٌ يعرضُ للآدَميِّ من عضِّ الكَلْبِ ؛ فيصيرُ مجنوناً ، ويستولي عليه ، ويسري فيه ولا يستطيع أن ينظرَ إلى الماءِ ، وإنْ نظرَ يصيحُ ، وربما يموتُ من العطشِ ولا يتمكنُ من شربِ الماء ، وهو شبيهُ المانيخوليا ... ) .
 
فالخوارج جرى تشبيهُهُم بالكلاب المُصابةِ بهذا الداء ، لأنَّ الكلابَ في هذه الحالةِ تسيطرُ عليها الأعراضُ الرَّديئة التي تخرجُها عن حالتِها الطَّبيعية التي فيها نفْعٌ للانسان أحياناً كالحراسةِ ، والصيدِ ، ... 
والكَلْبُ المُصابُ بهذا ( السُّعار ) تسيطرُ عليه الأعراضُ التالية :
 
قال الدميري في ( حياة الحيوان الكبرى ) ( 2 / 378 – 379  ) :
 
( وتعرضُ له أمراضٌ سوداوية في زمن مخصوص ، ويعرضُ له الكَلَبُ – بفتح اللام – وهو داءٌ يشبه الجنونَ ، وعلامةُ ذلك أن تَحْمَرَّ عيناه ، وتعلوهما غشاوةٌ ، وتسترخي أُذُناه ، ويندلعُ لسانُهُ ، ويكثرُ لُعابُهُ ، وسيلانُ أنْفِهِ ، ويُطَأطِئُ رأسَهُ ، وينحدبُ ظهرُهُ ، ويتعوَّجُ صُلْبُهُ إلى جانبٍ ، ولا يزالُ يُدْخِلُ ذنبَهُ بين رجليه ، ويمشي خائفاً مغموماً كأنَّهُ سكران ، ويجوعُ فلا يأكُلُ ، ويعطشُ فلا يشربُ ، وربما رأى الماءَ ؛ فيفزَعُ منه ! وربما يموتُ منه خوفاً ، وإذا لاح له شبحٌ حَمَلَ عليه من غيرِ نَبْحٍ ، والكلابُ تهربُ منه ، فإنْ دنا منها غفلةً ؛ بصبصتْ له وخضعتْ ، وخشعتْ بين يديه ، فإذا عقرَ هذا الكلبُ إنساناً عرضَ له أمراضٌ رديئةٌ ؛ منها : أنْ يمتنعَ من شرب الماءِ حتى يهلكَ عطشاً ، ولا يزالُ يستقي حتى إذا سُقِيَ الماءَ لم يشرَبْهُ ، فإذا استحكمتْ هذه العلةُ به ، فقعدَ للبولِ خرجَ منه شيءٌ على هيئةِ الكلاب الصغار !! ) .
 
فالخوارجُ هم الكلابُ المُصابةُ بهذا الداء الفتَّاك ، لأنَّ الكلبَ في هذه الحالةِ لا خيرَ فيه سواءً لنفسِهِ أو لِصاحبِهِ بل يُشَكِّلُ خطراً ماحقاً على نفسِهِ وعلى من حولَهُ ، والكلبُ إذا أُصيبَ بهذا الداءِ يُخَيَّلُ إليه أنَّ ذنبَهُ عدُوٌّ ؛ فيقومُ بِعَضْعَضَتِهِ حتى يتركَهُ مُجَذَّماً أبترا .
 
وهذا مصداقُ قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حديث آخرَ عنهم : ( يقتلونَ أهلَ الإسلامِ ، ويدعون أهل الأوثانِ ) كحال الكلْبِ المكلوبِ  الذي فتكَ بذيله وجسدِهِ !
 
والكلبُ المُصابُ بهذا الداء يُصيبُهُ عطشٌ شديدٌ وهو بِأمسِّ الحاجة للماء الذي يُطْفِئُ سُعارَ جوفِهِ ، ولكن إنْ رأى الماءَ أصابَه الرعبُ والخوفُ الشديد ؛ فيهربُ في فيافي الصحراء كي لا يرى ماءً ، وهذا حالُ الخوارج مع السنة التي هي ماءُ الحياة ، وفيها نجاتُهم إلا أنهم يفرُّون منها حتى يموتوا في بِيْدِ الجهل والبدعة .
 
وهذا العطشُ الشديد الذي يسكنُ أحشاءَهم ويتوَلَّدُ عنه حرارةٌ فائقة على أهل السنة ، حرارة الأحقاد والبغي والظلم ...
 
ومن المعتقدات الجاهلية التي كانت تمارسُها العرب فيمن أصابَهُ داءُ الكَلَبِ ، أن المصاب به إذا شرب دمَ ملكٍ أو شريف يُشْفى ويبرأُ !
 
قال عوف بن الأحوص :
 
أبو العنقاءِ ثعلبةُ بن عمروٍ 
..... دِماءُ القومِ للكلبى شِفاءُ .
 
أي أنهم ملوك ، ودماؤهم يُسْتَشْفى بها من داء الكَلَبِ .
وقال آخرُ :
 
بُناةُ مكارمٍ ، وأُساةُ جَرْحٍ 
...... دِماؤهم من الكَلَبِ الشفاءُ . 
 
وقال آخر :
 
أحلامُكم لِسقامِ الجهلِ شافيةٌ 
.....كما دماؤكم تشفي من الكَلَبِ .
 
وهذه الزَّبَّاء تقتلُ جذيمة الأبرش أحد ملوك العرب ؛ وتدَّخِرُ دَمَهُ لِعِلاج الخَبَل :
 
( وقالتْ له : يا جَذيمُ ؛ لا يَضِيْعَنَّ من دَمِكَ شيءٌ ؛ فإنِّي أريدُهُ للخبلِ ) .
 
وقال المتلمِّسُ يمدحُ بني دارم من تميم :
 
من الدارميين الذين دماؤهم 
...... شِفاءٌ من الدَّاء المَجَنَّةِ والخبلِ .
 
 
وهذا يقودنا الى أنَّ داءَهم لا يشفيه الا إراقةُ الدم والولوغُ فيه ، فهذا حالُهم ، فملوك الناس وأشرافُ الناس هم أهل السنة ، ولا مطلوبَ للخوارج إلا دماءُ أهل السنة .
 
وقد جاء ذكرُ الكلاب في معرض الفتن ، أخرج الامام أحمد :
 
( لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا ؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ:  كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ؟  ) .
 
فهي نَبَّاحةٌ على أُمِّ المؤمنين الطاهرة المطهرَّة عائشة - رضي الله عنه - وكذلك الخوارج نَبَّاحون على السنَّةِ وحملتها كما هو في كل مكان وزمان .
 
وأخرج ابن حبان عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - :
 
( مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها ) .
 
ومما يُفْرِحُ أهلَ السُّنَّةِ أن هذا الداءَ إذا أصاب الكلْبَ ، فهو زوالُهُ وهلاكُهُ ، فلا يعيشُ طويلا بل هي أيامٌ أو شهور ثم الموتُ الحتمي لِقلَّةِ الطعام وعدم الشرب !
 
 وكذلك الخوارجُ هلاكُهم في أفكارِهم الشيطانية المخالفة للسنة وهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  فمهما بلغوا ، فلن تطولَ صولتُهم ، وهذا مُسْتَقرَأٌ عبر التاريخ ، فلا استقرار لهم ، بل مشرَّدون في أصقاع الأرض ، خائفون من كُلِّ عينٍ ، وهذا ما وصف الدميري به الكلب المصاب بهذا الداء حيث قال :
 
( ويمشي خائفاً مغموماً كأنَّهُ سكران ) .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد