حقوق العمال المهضومة في غياب التمثيل النقابي

mainThumb

08-08-2009 12:00 AM

أعرف أن أكثر الذين يعنيهم هذا الكلام بشكل مباشر لا يقرأون الصحف ، ولا يتابعون الإنترنت ، وبالتالي ، فإن قلة منهم ستقرأ هذه السطور ، ولا يحدث ذلك بسبب الأمية كما يمكن أن يتبادر للذهن (قلة في بلادنا لا يعرفون القراءة والكتابة) ، وإنما يحدث لأنهم لا يجدون ما يكفي من المال والوقت لكي يفعلوا حتى لو توفرت لديهم الرغبة.

قابلت وأقابل يوميا الكثير من العمال في الورش والكراجات والمحلات العادية والمطاعم ممن لا يشتركون في الضمان الاجتماعي ، ولم أعد أستغرب أن قطاعا كبيرا منهم لا يعرفون مثلا أن راتب شهر عن كل سنة عمل ، بحسب آخر راتب تقاضوه هو حق لا جدال فيه من حقوقهم يمكنهم أخذه عن طريق المحاكم إذا تلكأ صاحب العمل في دفعه.

تذكرنا ذلك كله وربما تذكره كثيرون في ضوء ما جرى لعمال الموانىء في العقبة ، والذين يمكن القول إنهم كانوا محظوظين قياسا بسواهم ، أعني من حيث حجم التعاطف والتأييد الذي حصلوا عليه.

لا خلاف على أن منطق السوق هو الذي يحكم حراك العمالة والعمال ، لكن الإقرار بذلك لا يتناقض مع حقيقة أن حقوقا يجري سلبها بسبب غياب التمثيل النقابي ، وقبل ذلك غياب المعرفة لدى العمال بحقوقهم ، إلى جانب ضعف القوانين والأنظمة الخاصة بحماية تلك الحقوق.

يحدث أن يصاب عامل في ورشة إصابة بليغة ، فلا يتكلف صاحب العمل في كثير من الأحيان غير أجرة المستشفى (قد يدفع جزءا منها أو لا يدفع) ، ومن ثم زيارة أو زيارتين للرجل في البيت مع صندوق فاكهة ثم تنتهي القصة ، وفي أحسن الأحوال يدفع له راتب أسبوع أو شهر ثم يتم الاستغناء عنه في حال كانت إصابته من النوع الذي لا ينسجم مع طبيعة عمله.

ثم يأتيك من يسأل لماذا يفضل الكثيرون الأعمال المكتبية والوظائف الحكومية ، مع أن السبب واضح ومعروف عنوانه محدودية دخل المهن والحرف مقابل تعبها الكثير قياسا بالأولى ، لا سيما حين تؤخذ الحقوق الأخرى (الإجازات ، الضمان ، التأمين الصحي) في الاعتبار.

في الدول التي تحترم عمالها يحدث أن يكون دخل أصحاب الحرف موازيا لدخل أساتذة الجامعات وأكثر من دخل كثير من الموظفين الحكوميين ، لكن الوضع هنا مختلف إلى حد كبير ، ولو توفرت للعمال وأصحاب الحرف حقوق واضحة لها من يدافع عنها لارتفعت قيمة ساعة العمل بالنسبة إليهم ، ولما وجد الناس أن صرف "ميكانيكي" ساعة كاملة من وقته في تصليح سيارة لا يستحق خمسة دنانير على سبيل المثال.

مرة أخرى نقول إننا نؤمن بنظرية العرض والطلب ، لكن القوانين والأنظمة لها مساهمتها أيضا في رفع سوية هذه القطاع أو ذاك عبر ما ترتبه لأعضائه من حقوق ، وعندما يكون العمال بلا حقوق ، فإن من الطبيعي أن يظلوا قابعين في السلم الأدنى من الحياة رغم ما يبذلونه من جهد.

نعم ، السبب الأساسي في هذا الوضع يتمثل في القوانين والأنظمة ، والأهم متابعتها من قبل الجهات المعنية ، لكن الأهم من ذلك كله من دون شك هو عدم وجود نقابات تدافع عن العمال وحقوقهم في شتى المجالات.

هي معضلة لا بد لها من قرار سياسي يعيد للعمال حقهم في التجمع والتمثيل ، ولكي يعرف كل عامل أن له نقابته التي تثقفه بحقوقه ، وتدافع عنه إذا تعرض للظلم ، الأمر الذي سيؤثر بالتدريج على واقع العمل والعمال وسوية عملهم إنجازهم أيضا (نعم سوية عملهم وإنجازهم ، لأن النقابات تنظم المهن أيضا) ، وسيؤثر بالتالي على منظومة المجتمع برمته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد