المادة 34 من مشروع قانون الجامعات .. الفوضى الخلاّقة / د. محمد تركي بني سلامة

mainThumb

05-07-2009 12:00 AM

استوقفتني المادة 34 من مشروع قانون الجامعات الأردنية المتوقع عرضه على مجلس النواب في الدورة الاستثنائية المنعقدة حالياً حيث من المتوقع والمتأمل أن يجري المجلس مناقشة مستفيضة لمشروع القانون الذي سيحدد مسار ومستقبل التعليم العالي في بلادنا، وبالتالي إجراء التعديلات المناسبة على مشروع القانون المذكور ليحقق الغايات المرجوة منه من استقلالية للجامعات وتفعيل لدور مجالس الأمناء فيها بحيث تتولى هذه المجالس رسم السياسات العامة للجامعة. اللقاء الذي جمع رؤساء الجامعات الرسمية بأعضاء لجنة التربية والثقافة والشباب في مجلس النواب للتذاكر في هموم وشؤون التعليم العالي بشكل عام ومشاريع قوانين الجامعات والتعليم العالي والبحث العلمي بشكل خاص خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح وبادرة تسجل للجنة التربية التي يرأسها الأكاديمي البارز الدكتور محمد الشرعة الذي يتميز أداؤه في المجلس بالديناميكية والمثابرة.
فالحكومة تقدمت إلى مجلس النواب بمشروع قانون جديد للجامعات يهدف في مظهره الخارجي إلى تحقيق استقلالية الجامعات ولكن في جوهره تنعدم الاستقلالية وتعود الأمور إلى المربع الأول حيث هيمنة مجلس التعليم العالي على رؤساء الجامعات ومن هنا فإنه تثور الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام على الدوافع الحقيقية لطرح مشروع القانون بصيغته الحالية إذ أنه من الصعب فهم إصرار الوزارة على طرح مشروع قانون يهدف إلى تحقيق الاستقلالية للجامعات وبنفس الوقت وبموجب مشروع القانون ذاته ثم التعامل مع رؤساء الجامعات كأحجار على رقعة شطرنج دون أدنى احترام للمواقع التي يشغلونها كرؤساء للجامعات.
الأمر الآخر اللافت للنظر أن وزارة العليم العالي قدمت مشروع القانون دون أدنى التفات إلى رأي وموقف الأكاديميين المعنيين بهذا القانون أولاً وأخيراً وعلى رأسهم رؤساء الجامعات وهم أصحاب خبرة وقادة فكر ويتحملون مسؤولية كبيرة في هذا المجال ولا ندري من هو أجدر أو أعرف منهم برسم صورة واقع ومستقبل التعليم العالي وآفاقه في بلادنا ولا سيما أن الأردن حقق مكانة متميزة على مستوى الشرق الأوسط في مجال التعليم العالي وأصبح الحفاظ عليها أمراً بالغ الصعوبة في ظل التحديات التي تواجهها الجامعات المنتشرة في أرجاء الوطن، والقرارات الارتجالية التي تتخذ في مجال التعليم العالي في بلادنا والتي أوصلت التعليم العالي إلى غرفة الإنعاش أحياناً.
إن اليد الواحدة لا تصفق ومناقشة أمور وقوانين تخص الجامعات بمعزل عن أصحاب القرار فيها منطق إقصائي غريب تنعدم فيه قيم الحوار والمشاركة ويكشف عن عقلية جامدة وله انعكاسات وتداعيات خطيرة وعلى مجلس النواب أن يدرك هذه الحقائق ويضع الأمور في نصابها ذلك أن إدارة الجامعات من أعقد المهام وأصعبها، وبخلاف ذلك فإن مسيرة التعليم العالي في بلادنا ستقف على مفترق طرق وقد تفقد البوصلة وتسير الأمور إلى الأسوأ وهو ما نخشاه ومن هنا فإننا نتأمل أن يكون الحوار والمشاركة بداية مرحلة جديدة تمهد لاتخاذ القرارات المناسبة التي ستحدد مسار ومستقبل التعليم العالي في بلادنا، فالحوار السليم والمناقشة المنفتحة هي التي تؤدي في النهاية إلى النتائج العلمية المتجردة البعيدة عن الأجندة الخفية والدوافع الشخصية والمادة 34 تأتي في مقدمة المواد التي تحتاج إلى مراجعة وتعديل، فالمادة المكونة من فقرتين تشير في الفقرة (أ) إلى استقالة مجالس أمناء الجامعات عند نفاذ أحكام القانون خلال مدة لا تتجاوز شهرين، وهذا المطلب معقول في ضوء الرؤية الجديدة لدور ومهام وصلاحيات مجلس الأمناء ولا سيما أن تشكيلة مجالس الأمناء وفق الرؤية الجديدة ستضم أعضاء أكاديميين من ذوي الخبرة في الإدارة الجامعية العليا من خارج الجامعة إضافة إلى أعضاء من قطاع رجال الأعمال والصناعة والمجتمع المحلي، وبالتالي لا بد من استقالة مجالس الأمناء القائمة حالياً والتي شكلت بطرق تقليدية وكانت شكلية ولم تتمتع في يوم من الأيام بأية صلاحيات وبالتالي كانت تجتمع بمعدل مرة في العام في اجتماع بروتوكولي شكلي.
أما الفقرة (ب) من المادة 34 وهي مربط الفرس في هذا المقام فقد نصت على استقالة كافة رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء خلال مدة لا تتجاوز شهرين من تاريخ تشكيل مجلس الأمناء الجديد لكل جامعة، وهذا يعني استقالة عدد ضخم من كبار مسؤولي الجامعات يزيد عن 500 شخص ما بين رئيس جامعة ونوابه والعمداء ليصار إلى تعيين بدلاء لهم بواسطة مجالس الأمناء، إن تفعيل أو نفاذ أحكام هذه المادة في حال عدم تعديلها أو إلغائها سوف يترتب عليها حالة من الفراغ الوظيفي الذي ستشهده الجامعات حتى يتم إشغال الوظائف الشاغرة، وقد تجعل الجامعات تشهد حالة من الإرباك والفوضى وغياب البوصلة وما يترتب على ذلك من عرقلة لمسيرة الجامعات، هذه الفوضى التي ستحدثها المادة السابقة أقرب إلى مبدأ أو حالة الفوضى الخلاّقة التي تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط والتي فشلت على الأرض سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين أو الصومال أو غيرها، ولا ندري ما الحكمة من هذه المادة التي سيترتب عليها نتائج خطيرة، وإذا كان الهدف من هذه المادة هو تمكين مجالس الأمناء الجديدة من مباشرة مهامها وصلاحياتها في تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء فإن الفترة الزمنية لإنجاز هذه المهمة غير مناسبة في الوقت الحالي ولا سيما أن بعض رؤساء الجامعات قد جرى تعيينهم حديثاً ولا شك أن لكل رئيس برنامجه ورؤيته في العمل ويرغب باختيار فريقه الذي سينفذ هذه الرؤية وبلغة أخرى فإن بعض المواقع الإدارية في الجامعة سواء نواب الرئيس أو العمداء عرضة للتغيير لأسباب متعددة منها على سبيل المثال انتهاء مدة عملهم وقد يرغب رؤساء الجامعات بتعيين بدلاء لهم، وهذا يعني أن بعض هذه المواقع سوف يحدث عليها تغيير، سواء الآن أو على أبعد حد بداية الفصل الدراسي الأول وإذا افترضنا أن المادة السابقة بقيت سارية المفعول فإن ذلك يعني أن التغييرات التي يرغب رؤساء الجامعات بإجرائها لن تستقر ولا سيما أن الجميع سوف يقدم استقالته لاحقاً، وهذا يعني عملياً تعيين نواب لرؤساء الجامعات وعمداء للكليات لفترة قصيرة جداً، وهذا يتنافى مع الأعراف الجامعية وأبسط مبادئ العمل المؤسسي المتميز بالاستقرار أو الاستمرارية.
أما إذا كان هدف المشرّع من المادة السابقة هو تغيير بعض رؤساء الجامعات وتعيين بدلاء لهم لأي سبب كان، فإن المادة السابقة قد ساوت بين الجميع، بين من تميز وأبدع في عمله ومن لم يحالفه النجاح والتوفيق، وهذا يعني أن المادة قد خلطت الحابل بالنابل وأدخلت رؤساء الجامعات في حيص وبيص وسببت لهم قلق واستياء.
وبالتالي نستطيع القول أن المشرع قد جانبه الصواب في الاجتهاد وفي وضع نص المادة السابقة، ومن هنا فإنه لا بد من إعادة النظر فيها بإلغائها كلياً أو على الأقل تعديلها لتصبح نافذة بعد عام أو عامين، والتراجع عن الخطأ فضيلة وخيرمن التمادي في الباطل والكرة الآن في مرمى مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان.
أخيراً نخلص إلى القول أن مشروع قانون الجامعات الجديد بالرغم من ما لنا من تحفظات على عدد غير قليل من مواده نأمل أن تتوقف عندها لاحقاً، إلا أنه بشكل عام وبصيغته الحالية الهادفة إلى تحقيق استقلالية للجامعات هو مشروع قانون عصري يؤمل أن يكون له تأثير إيجابي على واقع ومستقبل الجامعات، والجامعات لدى مختلف قادة وشعوب العالم لها مكانتها واحترامها وينظر إليها بتقديس وتقدير فعندما خاطب الرئيس الأمريكي أوباما العالم الإسلامي فقد اختار جامعة القاهرة كمنصة للحديث وذلك لما تمثله هذه الجامعة للمجتمع والدولة كمنبر حر للحوار وطرح الأفكار، وكذلك اختار مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي جامعة طهران لمخاطبة الشعب الإيراني للحديث عن أزمة الانتخابات التي شهدتها البلاد مؤخراً، وحتى بنجامين نتنياهو طرح مشروعه للسلام في المنطقة من جامعة بار إيلان وقبل هؤلاء جميعاً فقد تحدث صاحبي الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين والملكة رانيا العبد الله من رحاب الجامعات الأردنية في كثير من المناسبات الهامة فمن جامعة اليرموك أعلن الملك عبد الله الثاني أن لا قيود على ممارسة الطلبة للعمل السياسي ومن ذات الجامعة أعلنت الملكة رانيا العبد الله أسماء المرشحين الثلاثين لمبادرة أهل الهمة.
وهذا كله يعني ضرورة إعادة النظر بمشروع قانون الجامعات الأردنية الجديد ولا سيما المادة (34)، وبدور ومكانة الجامعة والقائمين عليها ابتداءً من رئيس الجامعة حتى أصغر موظف فيها، فلا يعقل والحال هذه أن تستمر الجامعات تعاني من ما تعاني منه من عدم استقرار وارتجالية في القرار ومديونية وتدني رواتب العاملين فيها من إداريين وأعضاء هيئة تدريس فقد طال الحديث عن زيادات مجزية للعاملين في الجامعات ولكن على أرض الواقع لم يتحقق شيء حتى الآن!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد