للسفر في 11 سبتمبر مذاق آخر

mainThumb

17-09-2007 12:00 AM

لست من الذين يصابون بارهاب السفر ، ولا أنا ممن الذين يمضون أوقاتا طويلة في حزم أمتعتهم ، ففي نهاية المطاف يكفيني التأكد من وجود جواز السفر والتذكرة الالكترونية والنقود البلاستيكية ، حتى أصبح جاهزا للرحلة ، لكنني أعترف أن هذه المرة كانت مختلفة ، والسبب أن تاريخ الرحلة هو 11 سبتمبر. قلت لنفسي وأنا أحزم حقائبي: في مثل هذا اليوم (الثلاثاء أيضا) قبل ست سنوات كان الفتية الذين انتخبهم أسامة بن لادن يمتطون طائرات كتلك التي سأستقلها ، ويذهبون فيها إلى غير وجهتها ، وما الذي سيمنع الرجل عن تكليف أحدهم بفعل الشيء ذاته وفي التوقيت ذاته ، إمعانا في التحدي.
سمعت صوتا من داخلي يقول: ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ويأتيكم الموت وإن كنتم في بروج مشيّدة ، وكانت صورة الظهور الأخير لأسامة بن لادن تمر أمام ناظري. قلت معارضا الصوت الخافت: صحيح ، ولكن ما أبشع أن يموت المرء وهو معلق بين الأرض والسماء وفي توقيت ملتبس ، بين الشرق الأوسط وغرينيتش والساحل الشرقي للولايات المتحدة ، ورحت استكشف مشاعري والتعرف على ردّات فعلي المحتملة ، وأعترف بأنني أصبت بذعر شديد بعد أن أخفق الحوار المتخيّل مع الخاطفين في إقناعهم بإخلاء سبيلي ، رغم تسلحي بكل هويات العروبة والإسلام والكفاح المسلح ، مخفيا عنهم هويتي الماركسية بالطبع حتى لا أؤخذ بحد الردة.
ما أن دلفت قاعة الترانزيت حتى بدأت "العربية" تبث شريطا وثائقيا عن اليوم المشهود تتخلله صور الخاطفين الواحد تلو الآخر ، تفحصت وجوه الركاب في القاعة لكأنني بينهم أبحث عن قاتلي ، وكم كان يريحني وجود الأطفال والنساء وكبار السن والبيض وغير الملونين ، وكم أقلقني وجود شاب له سحنتي الشرق أوسطية ، لكن ما أثار الطمأنينة في نفس أنه كان وحيدا ومنفردا ، ومن الصعب على رجل واحد السيطرة على طائر عملاق بهذا الحجم ، قلت معزيا نفسي ومهونا عليها ، لكن ذلك لم يمنعني لاحقا ، من القلق والاستنفار كلما هم الرجل بالذهاب إلى "حمام" الطائرة. وفيما صور الخاطفين تتوالى تباعا على الشاشة ، مر بخاطري سؤال نقلني فجأة من وضعية "الضحية المحتملة" إلى وضعية "القاتل مع وقف التنفيذ" فأنا أيضا شرق أوسطي ، وهؤلاء يشبهونني تماما ، أنهم صورتي في المرآة ، والأرجح أن مجرد وجودي في هذا اليوم وفي هذا المكان ، قد أثار هلعا شديدا في نفوس الركاب ، فلماذا ينتابني الذعر ، وفجأة لاحظت أن "الضحايا المحتملين" يتفحصون وجهي وملامحي ، وأن قلقا أعمق ينتابهم مما ينتابني ، لم يبدده أو "يبرده" نسبيا ، سوى قبس من طمأنينة منشأه أنني لا أنتمي إلى الفئة العمرية التي ينتمي إليها عادة ، خاطفو الطائرات ومفجروها.
بقيت مخاوفي وهواجسي ساعات طويلة على هذا الحال ، إلى أن أعلن قائد الطائرة عن بدء الهبوط التدريجي صوب مطار دالاس في واشنطن ، عندها أيقنت أن "الجرة سلمت هذه المرة كذلك" ، ذهبت إلى الحمام بحثا عن الإنعاش والانتعاش ، وأخذت أستعد لإجراءات أمنية على الأرض ، لا مثيل لها كما توقعت ، لكن مفاجأتي الثانية كانت حين وجدت نفسي في الطريق إلى الفندق في غضون دقائق معدودات ، أقل من تلك التي استغرقتني لمغادرة مطار الخرطوم زمن انقلاب سوار الذهب ، يومها ضللت طريقي إلى "الأمن العام" فوجدت نفسي في الشارع ، وأخذت أسأل عن كيفية عودتي إلى داخل القاعة لختم جواز سفري والإعلان رسميا وشرعيا عن دخولي البلاد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد