قصة معلمة

mainThumb

23-09-2007 12:00 AM

تعاني وزارة التربية والتعليم أزمة نقص معلمين. مسؤولوها يردون ذلك إلى شح في بعض التخصصات وإلى تعقيدات بيروقراطية مرتبطة بآليات التعيين. لكن هنالك أيضاً أزمة إدارة. أسرد المثال التالي، الذي يحكي حالة فردية رغم أنها ليست من دون إيحاءات عميقة، لتبيان بعض تفاصيل هذه الأزمة.

تعين الوزارة فتاةً من قرية الأزرق معلمة في منطقة البادية الوسطى، التي تمتد لمئات الكيلومترات. ويقرر موظف، لا يبدو أنه يعرف خريطة المملكة، إلحاق معلمة اللغة الإنجليزية الجديدة في منطقة الموقر.

لا يلتفت هذا الموظف إلى أنه لا توجد مواصلات مباشرة بين الأزرق والموقر. وهذا يعني أنه حتى تستطيع المعلمة الجديدة الذهاب إلى مدرستها، عليها أن تستقل حافلة تأخذها إلى عمان حيث تستقل حافلة أخرى، إن توفرت في الوقت المناسب، لتنتقل إلى الموقر. وبحسبة بسيطة، ستضطر هذه المعلمة إلى أن تمضي أكثر من ثلاث ساعات على الطرقات يومياً لتصل إلى دوامها، هذا إن استطاعت أن تصله لأن المواصلات بين الأزرق وعمان وبين عمان والموقر غير منتظمة.

اتصل بي والد المعلمة شارحاً الوضع. قال إنه يبحث عن حل لمشكلة ابنته، التي صارت مشكلة العائلة بأسرها. ابنته تحتاج الوظيفة. لكنها لا تستطيع أن تباشر عملها لأن وصولها إلى مركز عملها بشكل منتظم أمر شبه مستحيل.

تعجّب الرجل من المنطق الذي قرر مسؤول في وزارة التربية على أساسه تعيين ابنته في الموقر، من دون أي اكتراث لصعوبة التنقل. وسأل إن كان باستطاعة "الغد" مساعدته.

كل ما طلبه هو أن يتم نقل ابنته إلى الأزرق. أو إلى أي قرية توجد بينها وبين الأزرق مواصلات مباشرة. والأزرق، لمن لا يعرف، ليست حياً مرفها في عمان. هي قرية صغيرة تقبع في وسط الصحراء. يعاني أهلها الفقر وغياب فرص العمل بعد أن قتل الضخ الجائر واحة القرية وأوقف عدم اكتراث الحكومة وقرار متسرع بإنشاء مصنع ملح في البحر الميت، أغلق بعد سنوات لفشله، مصنع ملحها! هي منطقة نائية لا حافز لغير أهلها للعمل فيها.

اتصلت بوزير التربية والتعليم ووضعته في صورة الوضع. تفهم الوزير الحالة وطلب أن تراجع المعلمة المعنية مدير شؤون الموظفين في الوزارة لدراسة حالتها.

درس مدير شؤون الموظفين الحالة. وقرر إبقاء الوضع كما هو! ثمة مسألة في القانون، حسب ما نقل عنه، تحول دون حل أزمة الشابة الطامحة إلى العمل بعد أن أنهت دراستها الجامعية!

القانون وضع لتسهيل حياة الناس لا لتعقيدها. التذرع به للعجز عن حل معاناة مواطن هروب من مواجهة المسؤولية. لكن هذا ما حصل. والنتيجة أن الفتاة الشابة أحبطت. ستضطر إلى الاستنكاف عن قبول الوظيفة. ليس لأنها لا تريدها. فهي وأسرتها في أمس الحاجة لها. بل لأنها لا تستطيع الوصول إلى مركز عملها. وبدلاً من أن تصبح هذه الشابة شخصاً منتجاً في المجتمع، ستنضم إلى آلاف الشباب العاطلين عن العمل المحبطين من عقم قطاع إداري لا يستوعب أن الجغرافيا حقيقة لا تُمكِّن فتاة من الأزرق من العمل معلمة في الموقر.

لكن يبدو أن أحداً لا يأبه بذلك. ليعاني الناس طالما هنالك ثغرة قانونية تغطي عدم الاكتراث بحاجاتهم والتسبب بمشاكلهم.

صحيح أن هنالك أزمة نقص معلمين في وزارة التربية قد يكون من الصعب حلها. لكن حل أزمة الإدارة، التي تحرم مواطنة حقها في العمل، في يد الوزارة ومسؤوليها. وربما تكون بداية الحل في إعطاء من يتحكمون بمصائر الناس دروساً في جغرافيّة المملكة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد