عسكر ورهبان

mainThumb

30-09-2007 12:00 AM

من ثيابهم البرتقالية المتقشفة ، اكتسبت الانتفاضة في بورما لونها واسمها ، فالرهبان البوذيون قرروا أن يتصدوا بأجسادهم العارية لرصاص العسكر وهراوات البوليس ، جالبين معهم إلى ساحات المواجهة مع الديكتاتورية ، عشرات ألوف المواطنين الذي ملّوا بساطير "الجندرما" وقبضاتها الفولاذية ، واكتووا بنار الفساد المسبب للفقر والجوع والتخلف الاقتصادي في بلد كان ذات يوم ، من أغنى دول المنطقة وأكثرها تقدما. والمشهد كما يبدو من رانغون العاصمة يغري على طرح بعض التساؤلات وإجراء بعض المقارنات ، نبدؤها بسؤال عن الذي جعل عشرات ألوف الرهبان يخرجون من المعابد إلى الشوارع ، ومن الاعتكاف إلى المشاركة ، ومن التحليق في فضاءات "النيرفانا" العالية ، إلى الانخراط في أوحال المواجهة مع "الدرك" ، أنه السيل حين يبلغ الزبى ، وينال المواطنون والرهبان من عنته "ما كفى" ، الأمر الذي يدفعنا للسؤال عمّا إذا كنا سنشهد قريبا ولادة "البوذية السياسية" على غرار "الإسلام السياسي" الذي نشأ بدوره من رحم الفشل والقمع اللذين ميّزا عمل كثير من الأنظمة والسلطات العربية.
وتنفتح شهيتنا أكثر للمقارنة حين نقرأ تصريحا للبريغادير جنرال تورا مينت ماونج وزير الشؤون الدينية البورمية ، حث فيه الرهبان البرتقاليين على الالتزام بقواعد البوذية التي تحرّم على رجال الدين التدخل في الشؤون السياسية ، وهو التصريح الذي يذكرنا بتصريحات مماثلة للمسؤولين العرب ، التي تحظر على رجال الدين العمل في السياسة ، أللهم إلا إن هم قرروا ولُوج?Zها من بوابة "الحاشية" وتحت سقف "الموالاة" ، حينها تغدق عليهم الأوسمة والأموال والألقاب ، ويصبح "عملهم السياسي" ضربا من العبادة و"تكليفا شرعيا" ، أما ان دخلوا السياسة من بوابة المعارضة ، فقد حلّ عليهم الغضب والعقاب ، واستحالوا أهدافا مشتهاة للحرب على الإرهاب.
وتأخذنا المقارنة إلى رجال الدين عندنا أيضا ، فهؤلاء - كثيرون منهم - توزعوا بين الكهوف وبلاط السلاطين ، بين خطاب الحروب الأهلية المتنقلة وخطاب "المقامات السلطانية" ، وقلة منهم اندمجت في كفاح سياسي ـ مدني ـ ديمقراطي ـ تنموي ، يفهم لغة العصر ومفرداته ، ويساعد في تقدم البلاد والعباد ، ويؤسس لشراكة مع المجتمع والناس ، على طريق الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والتنمية الشاملة. ونجدها فرصة - ربما - لقليل من الدموع نذرفها على أطلال الحركات الشعبية والمجتمعية العربية ، فالشعوب في مختلف أصقاع المعمورة ارتدت البرتقالي أو هي بصدد حياكة رايات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، بخيوط وحروف مشتقة من هذا اللون ، فيما موجات الديمقراطية المتعاقبة "تحيد" عن الشرق الأوسط والعالم العربي قبل أن تصطدم بصخوره وشطآنه ، وهي وإن ضربت بعض شواطئنا بحياء في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر ، إلا أن "جزرها" سرعان ما أخذ بما جاء به "مدّها" ، لتعود مجتمعاتنا إلى ممارسة طقوسها اليومية عل وقع صرخة "الجندرما": إلى "الخلف در"؟،.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد