السودان يتهدده التفكك والتفتت

mainThumb

02-06-2025 01:12 AM

بتاريخ 14 مايو/أيار 2025، وبالتعاون مع مؤسسة ثابو مبيكي، نشر مركز «فِكْرة للدراسات والتنمية» الورقة التي أعدها الباحثان الدكتور أليكس دي وال والدكتور عبدول محمد، عن الدروس المستخلصة من نشاط «الآلية الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بتنفيذ متطلبات السلام في السودان» والتي شُكلت من ثلاثة رؤساء أفارقة سابقين هم ثابو مبيكي (جنوب أفريقيا) رئيسًا، وعضوية عبد السلام أبو بكر (نيجيريا) وبيير بويويا (بوروندي) والتي امتد عملها خلال الفترة من العام 2009 إلى 2014. وفي المقالين السابقين ناقشنا بعضا من استنتاجات الورقة، في المقال الأول بعنوان «لماذا قادة السودان باستمرار يفتقرون إلى الرؤية؟» والثاني بعنوان «إستفزاز ودي وحميد للقوى المدنية السودانية» ونختتم مناقشتنا بمقال اليوم.
تقول الورقة، رغم أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد وجامعة الدول العربية تملك القدرة والشرعية للتنسيق بهدف وقف الحرب في السودان، لكن هذا وحده لا يكفي لنجاحها، وإنما يجعل الفشل قابلاً للتجنب. ومع ذلك، هناك ما يعيق أداء هذه المنظمات مثل تركيزها على الإجراءات وبطء حركتها، وترددها في تعريف المشكلة بطريقة قد تزعج أي دولة عضو، بما في ذلك الدول التي تدعم المتحاربين. والسؤال الوحيد الملح الآن ليس انتظار نضج عوامل الحل الشامل أو الجزئي، وإنما كيفية وصول الدعم الإنساني ووقف إطلاق النار والمحادثات السياسية بأفضل طريقة ممكنة. فانتظار «النضج» ليس خياراً إنسانياً في ظل استمرار العوامل التي تغذي الصراع، وبينما يرى شعب السودان مجتمعاته تُدمر، وسبل عيشه تُقوض، وأطفاله يجوعون، وآماله تُداس، ويقسم المتحاربون أنهم قادرون على القتال إلى ما لا نهاية.
ويستنتج الباحثان أن لدى السودانيين قدرات لا حدود لها، وفي أفضل حالاتهم، كانت قدرتهم على النقاش والاستقصاء هي ما أوجد دولتهم، بكل غموضها ونقائصها، بينما في أسوأ حالاتهم، كرس معظم قادتهم طاقاتهم لإيذاء بعضهم البعض وتدمير وطنهم.
أما مهمة صانع السلام، في أبسط صورها، فهي تشجيع الحوار وثني الناس عن القتال. فصانعو السلام لا يستطيعون أبداً تمكين السودانيين من الصعود إلى الجنة، لكنهم يستطيعون منعهم من النزول إلى الجحيم. واليوم تغيرت الأسئلة المباشرة، كما تغير المحاورون ومنصات الحوار. ولكي يتخذ السودانيون طريقهم إلى مستقبل سلمي، فإنهم في حاجة إلى مقاربات جديدة. فصراعات اليوم متجذرة في الماضي لكنها بشكلها الحاضر، ووسائل التواصل الاجتماعي تدمر روح الاحترام التي كانت تميز المجال العام سابقاً. كما أن أصحاب النفوذ يشملون الآن قوى نشطة في محيط البحر الأحمر، لم تعترف بعد بمسؤولياتها الكاملة في إنهاء الكارثة السودانية وإيجاد صيغة للسلام والاستقرار في وادي النيل والقرن الأفريقي. كما أن الكثير تغير في السياسة والاقتصاد العالميين منذ بناء الاتحاد الأفريقي وهيكله للسلام والأمن، وكذلك في القرن الأفريقي، بما في ذلك السودان وجنوب السودان. وللأسف، ضُيعت وعود السلام والديمقراطية أكثر مما استُغلت. ومع ذلك، فإن قواعد ومبادئ الاتحاد الأفريقي لا تزال قائمة. فقد وُلدت في أيام الحرب المظلمة والمجاعة والإبادة الجماعية والحكم العسكري في تسعينيات القرن الماضي، عندما قرر القادة الأفارقة أنهم في حاجة إلى حل مشاكلهم بأنفسهم لأن لا أحد سيفعل ذلك نيابة عنهم. لذلك، يجب على المؤسسات التي بُنيت قبل عقدين من الزمن أن تتكيف مع الظروف المتغيرة، مع التمسك بالقواعد والمبادئ الدائمة وفي الوقت نفسه تحويلها إلى ممارسات ذات صلة. فبعد كل النكسات، لا تزال تطلعات السودانيين للعيش معاً في سلام وروح من الاندماج قوية كما كانت.
ثم تقول الورقة إن السودان وُلد كدولة مستقلة محملة بتناقضات غير محلولة وقابلة للانفجار. فقبل سبعين عاماً، كانت الأسئلة الملحة هي: هل يجب أن يكون السودان دولة واحدة أم اثنتين؟ هل يجب أن يكون علمانياً أم إسلامياً؟ وما هو النظام الأفضل لمستقبله: برلماني أم ثوري أم سلطوي قومي؟ ولم يكن هناك إجابة واحدة على هذه الأسئلة. واستقلال جنوب السودان حل سؤالاً واحداً، لكنه لم يحل الأسئلة الأخرى. والتحدي الأساسي أمام السودانيين هو ما إذا كانت المعضلات الوطنية تُحل بالحوار أم بالقتال. من جانبي، وتعليقا على هذه النقطة أقول أن التحدي الرئيسي الذي واجهه السودانيون في فجر الاستقلال كان كيفية الإجابة على أسئلة بناء دولة ما بعد الاستقلال المتمثلة في:
ما هي طبيعة النظام السياسي وشكل الحكم الذي يضمن تقنين الاعتراف بالتعدد الإثني والديني والثقافي، والذي يرتكز على أسس النظام الديمقراطي التعددي المدني، بما يحقق اقتساما عادلا للسلطة بين مختلف مكونات السودان القومية والجهوية، ويحقق ممارسة سياسية وديمقراطية ملائمة لواقع البلاد؟
كيف نحقق التنمية المتوازنة التي تضمن التوزيع العادل للموارد والثروة بين كل مكونات البلاد؟
الهوية، وكيف تكون علاقة الدين بالدولة والسياسة في السودان؟ وللأسف ظلت هذه الأسئلة دون إجابات منذ فجر الإستقلال وحتى اليوم، ثم تفاقم الأمر وتعقد بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي الحكم طيلة الفترة الممتدة منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، والتي لم تركز إلا على مسألة بقائها وإستمرارها في السلطة.
ومن هنا استدامة الأزمة الوطنية العامة والتي طبعت كل أوجه الحياة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، في البلاد بميسمها، وتجلت مظاهرها في تفاقم واستدامة الحرب الأهلية، وسيطرة أنظمة الاستبداد والطغيان، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وانفصال جنوب السودان، واحتمال بروز دعوات بالإنفصال في مناطق أخرى. وما لم يتم التصدي لهذه الأسئلة الرئيسية لن يشهد السودان استقرارا، بل سيظل في الوحل ويتهدده التفكك والتفتت. أما التنسيق الذي تقترحه الورقة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد وجامعة الدول العربية، فلن يجدي فتيلا إذا لم يدفع بوقف إطلاق النار بدءا بمنع تدفق الأسلحة، تكثيف المساعدات الإنسانية، حماية المدنيين، ودعم القوى المدنية.

كاتب سوداني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد