قرية بيوضة .. مثال يحتذى

mainThumb

17-12-2015 01:41 PM

ليست ككل القرى البائسة التي يهرب حتى البؤس من بؤسها ،  فهي ‏ضاحية  راقية برقي أهلها ، رغم الإهمال الحكومي لها  ، وأهلها ليسوا ‏ككل القرويين  ، فهم متعلمون مثقفون متنورون منفتحون ، تتلمذوا على ‏يد أبيهم الروحي الحاج المرحوم علي الفرحان  الذي هرب إلى القدس ‏عام 1917  ليلة دخلته لرفضه الزواج التقليدي ، وعاد بعد عام وبنى ‏أول بيت في القرية عام 1918 وكان إسمه بيت الخبز ، لتقديمه الخبز ‏الطازج للحراثين والحصادين والرعاة، وتحول بعد ذلك لمركز لرياض ‏الأطفال  ، ومن ثم أصبح مؤخرا مركزا للشباب ، يغرس فيهم قيم التنور ‏والإنفتاح والإنتماء والولاء للأرض .‏
 
أتحدث عن قرية بيوضة التي  أسسها أهلها بأنفسهم ، وأصروا على ‏الخروج بها من نمطية  القرية البائسة ، والدخول في عالم  التنمية الذاتية  ‏للوصول إلى الإكتفاء الذاتي  ، وعدم إنتظار الإهتمام الرسمي غير ‏الموجود أصلا ، ولهذا  ترى هذه القرية وكأنها ضاحية  من ضواحي ‏باريس الراقية النظيفة  المرتبة وذات النسق  العالي من حيث طبيعة ‏البناء ،  ونظافة الشوارع  والإعتناء بالأرض ، وصنع الطعام البيئي ‏الخالي من الإضافات الكيميائية  ، وكذلك التركيز على الزراعة البيئية  ‏لتعميق الإنتماء للأرض أمنا جميعا ، والتي سيكون مآلنا إليها  جميعا قبل ‏أن يرث الله الأرض ومن عليها .‏
 
صباح الأربعاء قادتني الأقدار للقاء شابة عربية أصيلة  ، تتسم يقوة ‏شخصية  لا حدود لها يغلفا إنفتاح وتنور محمودان ،  هي الناشطة البيئية ‏وصاحبة مبادرة إزرع أكثر إلهام العبادي  ، التي كرمتها  المنظمة ‏العربية لحماية الطبيعة  التي تقودها الفارسة النبيلة م .رزان  زعيتر ، ‏قبل أيام ممثلة لقرية بيوضة النموذجية المثالية التي تركز على البيئة ‏والزراعة العضوية .‏
 
عندما  دخلت القرية  إنتابني إحساس مفرح بأنني في حضرة  النور ‏والبهاء والتنور والإنتماء ، وما أن إستقبلتنا  النشمية  إلهام  حتى أدركت ‏السر ، وكنا  قبلها قد سألنا  إحدى السيدات عن عنوان البيت  ، فأصرت ‏على دعوتنا لبيتهم لتناول طعام الإفطار لكننا  إعتذرنا بأدب لإرتباطي ‏بموعد مع النشمية إلهام العبادي.‏
 
إسقبلتنا  النشمية إلهام  بالشاي الأخضر والفطور البلدي  ،  وكم كان ‏رائعا أن نعود إلى أيام زمان  ونبدأ على الأقل بالحفاظ على بيئتنا ‏وغذائنا بعد ان فشلنا في الحفاظ على أرضنا ومقدساتنا  ،  وحتى كرامتنا ‏المدنسة  لحظيا من قبل يهود بحر الخزر المتصهينين.‏
 
ذهلت كثيرا لأنني وجدت نفسي ليس في حضرة  ناشطة بيئية قروية ‏‏"فلاحة"، بل أمام  بروفيسور تتلمذ على حكيم قبل أن يدخل المدرسة ‏وينتقل إلى الجامعة ، ولكن ذهولي بدأ يخفت عندما تعرفت على والدها   ‏، وعرفت انها حفيدة الحاج علي الفرحان الذي تتلمذ على أيدي مشايخ ‏الأقصى عام 1917   ، وإكتسب منهم  الفكر التنويري القائم على ‏الإنفتاح الملتزم .‏
 
بعد الإنتهاء من الحوار ، رافقتنا النشمية إلهام إلى أرجاء  المنطقة ،  ‏وإطلعنا على واقع الحال  في تلك المنطقة المحرومة من التنمية  ‏والإهتمام الحكومي ،  ورأينا حالة سيل الزرقاء الذي تحول لمجرى  ‏للمياه العادمة  ، رغم أنها جنة الله في أرضه  ، شأنها شأن العديد من ‏المناطق الريفية في الأردن، والتي لو نالت إهتماما حكوميا ، وعرف ‏طريقها المستثمرون الجادون  لتحولت إلى  مناطق إنتاج تغنينا عن ذل ‏السؤال وإستيراد غذائنا مسموما من مستدمرة إسرائيل .  .‏
 
تمتاز قرية بيوضة بتربتها الخصبة الحمراء ، وما زادها بركة على ‏بركتها هو إهتمام اهلها بأراضيهم حيث الحراثة  وبناء السناسل الحجرية ‏المكحلة بالإسمنت ، ما زادها جمالا فوق جمالها ، وكذلك نظافة شوارعها ‏،  وخلوها من القمامة   ومن علب المشروبات الغازية الفارغة ، وأكياس ‏البلاستيك  ، لتحولهم إلى الأكياس الورقية وتركيزهم على البيئة ، الأمر ‏الذي يعكس  نقاءهم  الروحي  .‏
 
‏ أهل قرية بيوضة  لديهم طموحات إستراتيجية  ،  ينفذونها بدون دعم ‏حكومي ، ليس تعففا بطبيعة الحال ، بل لأن هذا الدعم لم يعرف طريقه ‏إليهم ، فهم  أصحاب مبادرة إزرع اكثر ،  ويطبقون  مقولة  شيخ ‏العروبة المهاجر جبران  خليل جبران  ، الذي حذر الأمة التي تأكل مما ‏لا تزرع وتلبس مما لا تصنع ،  فهم يتناولون الطعام البيئي  المنتج من ‏أرضهم ،  ويحاربون  المشروبات الغازية ، ويشربون  من مياه الحصاد ‏البيئي  ، ويخططون  لإحياء الينابيع الجافة من خلال  السدود الصغيرة  ‏، التي ستقوم على  الحصاد الملائي في الأودية والممرات المائية.‏
 
نشامى ونشميات بيوضة عاقدون العزم على  النهوض بقريتهم   ، ‏وتنميتها وتطويرها بعلمهم وتنورهم وإنفتاحهم ،  رغم  إنقطاع الدعم ‏الحكومي عنهم ، وهم في طريقهم للإعلان عن قريتهم  منطقة هامة  بيئيا ‏،  لتتمكن من إتباع  إستراتيجية نهوض زراعي ، والمطلوب  وعلى ‏وجه السرعة   ، إلتفاتة حكومية متواضعة لقرية بيوضة وبقية القرى ‏الأردنية البائسة ، فالشعب الأردني يستحق أكثر من ذلك   ، والصرف ‏الحكومي  يذهب في معظمه لغير أهله المستحقين.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد