مقابلة الملك: حقائق للتذكر والتفكير

mainThumb

03-07-2008 12:00 AM

وصل نص الحديث الذي أدلى به جلالة الملك لوكالة الانباء الأردنية متأخراً مساء أول من امس، لهذه الصحيفة كما للصحف الاردنية الاخرى. كانت الساعة تقارب الحادية عشرة عندما بثت الوكالة المقابلة، وهو الموعد الذي" ُنبيّت" فيه الجريدة، كما نقول نحن اصحاب المهنة المحررين فيما بيننا.

التأخير في التحرير يؤدي الى التأخير في التوزيع، كما يعلم الجميع، وما من فائدة ترجى من صحيفة لا توزع حتى لو كان فيها حديث بأهمية ما قاله جلالة الملك، الا اذا كنّا نبحث طبعاً عن القيمة التاريخية للعدد فقط.

في عجالتنا لنشر المقابلة في ابهى صورها وادق مفرداتها بأهم عناوينها مع طباعة العدد في الوقت المناسب ليلة الخميس، فاتنا ابراز نقاط في غاية الاهمية ذكرها جلالته، وأحبّ ان امرّ على بعض منها واذكرها لمن فاتته قراءة المقابلة بأكملها.

انصح اولئك ان يعودوا لصحف امس ويقرأوا الحديث كاملاً لانه يحكي قصة ما نمر به، وما مررنا به، خلال الخمسة أشهر الماضية، بأسلوب جميل وبدقة وحتى بتشويق كبير، واكثر من ذلك لانه يقال وينشر لاول مرة.

وكذلك انصح القراء المخضرمين أو النهمين والمهتمين بالشأن الاعلامي ان ينتبهوا لما لم تستطع الصحف ابرازه في العناوين ليس فقط لان المقابلة وصلت متأخرة وكان على المحررين السرعة في وضع عناوينهم الرئيسية والفرعية، ولكن ايضاً لأن في المقابلة من المواضيع والنقاط المهمة ما يكفي لملء صفحات كثيرة، لا تستطيع الصفحات الاولى والثانية والثالثة او حتى السابعة والثامنة استيعابه.

لا اريد ان اتحدث عن كل الصحف اليومية، التي تنوعت، في رسمها لصورة المقابلة او اخراجها، لكي تحكي القصة / الرسالة التي اراد جلالته ايصالها للشعب الاردني بأكملها. لكن دعوني اركز على "الغد" التي حاولت من خلال تغطيتها ان تكون الأكثر دقة وموضوعية ومهنية في نقل الصورة / الرسالة.

هذا بعض ما فات قراءنا، اولئك الذين ركزوا اما على العناوين او الاقتباسات فقط، او الذين لم يتسن?Z لهم قراءة الحديث بأكمله، أورده من غير تعليق او إطلاق أحكام.

في كل الاحوال كلام الملوك يتحدث عن نفسه، وما قاله صاحب الجلالة امس واضح المعاني صريح العبارات ودلالاته لا تخفى على احد.

في البداية، تحدث الملك عن رغبة دول الخليج العربي القوية في مساعدة الاردن. وكشف جلالته النقاب عن قدرتهم زيادة المساعدات اضعافاً مضاعفة من خلال الاستثمار في المملكة، طالبا من كل اردني ان يتفهم حجم هذه الفرصة وضخامتها، خصوصاً في الظرف الحالي الذي تشهد فيه دول الخليج طفرة اقتصادية قد لا تتكررّ.

لكنه استدرك بمرارة: "ما اجده محزنا... هو ان بعض المنظرين مستعدون لاعطاء محاضرات مطولة حول العمل العربي المشترك... وعندما قدم المستثمرون العرب واخيراً الى الاردن، يعاملونهم وكأنهم جاءوا من المريخ لغزو بلدنا".

كذلك أكد جلالته ان الاستثمار يجب ان لا يكون على حساب الشفافية وبأن بإمكان المملكة الحصول على الاثنين معاً.

وفي معرض تفسيره لتكاثر الاشاعات، قال الملك ان هناك سببين رئيسيين لذلك. الاول ان الارتفاع في الاسعار سبب كثيراً من عدم الرضى لدى الناس، ما شكل ارضية خصبة لتصدير الاكاذيب والاشاعات، والثاني ان الناس يبدأون بصورة أوتوماتيكية بالتحدث عن الفساد عندما يبدأ الحديث عن استثمارات كبيرة لم يكونوا معتادين عليها تاريخياً.

جلالته بيّن لبعضهم خطأ تصوّر "بيع الحكومة لما لديها من اصول على انه قرار وسيناريو مشؤوم لا رجعة فيهما، بينما في الواقع ان الحكومة لديها خيارات عديدة في الحاضر وفي المستقبل، وهذه الخيارات تتبناها الحكومات في العالم يوميا"، وقال في المقابلة التي مرت بمراحل طويلة وكانت محل نقاش معمّق على ما يبدو قبل اتخاذ القرار بنشرها: "اشار البعض الى ما يحدث على انه خارج عن المألوف ولا يحدث في الاردن، بينما في الحقيقة ان جميع الحكومات تقوم بمثل هذه النشاطات. وآخرون ربطوا بينه وبين وجود مؤامرة اميركية- صهيونية لتفكيك الدولة الاردنية، بينما أدعى فريق ثالث بوجود صفقات فساد هائلة، بينما رأى فريق رابع ان هناك مجموعة من الليبراليين تعمل على تفكيك إرث والدي الملك حسين رحمه الله، وكثير غير ذلك. حتى ان بعض هذه الاشاعات طالتني شخصيا".

كذلك كشف الملك النقاب عن ان رئيس هيئة الاركان المشتركة ومدير الخدمات الطبية طلبا من الحكومة قبل اشهر توفير مبلغ يتجاوز 150 مليون دينار من اجل تطوير البنية التحتية في المدينة الطبية.. كما قامت الحكومة بدراسة امكانية اقتراض المبالغ اللازمة للقيام بعمليات التطوير والتحديث...

الملك أعلن أن هذا لم يكن مجديا في ضوء ضرورة خفض المديونية.. وكان احد الخيارات دراسة جدوى بيع بعض الاراضي التابعة للمدينة واستثمار عوائد البيع لبناء مجمع طبي جديد متكامل على قطعة ارض اخرى من اراضي الحكومة. كانت الخطة استعمال العائدات لتحديث ورفع سوية جميع المستشفيات العسكرية.. لكن هذا لم يحدث وانطلقت الاشاعات بعد ثلاثة واربعة اسابيع وكما هو متوقع لم يكن لدى الحكومة المعلومات الكافية للاجابة عن سيل الاسئلة المنهمرة من وسائل الاعلام ومن الجمهور، ولا شك انه كانت هناك اخطاء ارتكبت في استراتيجية الاعلام والاتصال وفي تفسير ما حدث".

الملك قال إنه يتفهم القيمة المعنوية الغالية لهذه المؤسسة الوطنية، الا انه طلب الا يزاودنّ عليه احد في هذا المجال، اذ إنه بالنسبة له شخصيا "مدينة الحسين الطبية هي المكان الذي شاهدت فيه والدي رحمه الله حيا لآخر مرة في حياتي. وهي المكان الذي ولد فيه جميع ابنائي حسين وإيمان وسلمى وهاشم، وهي المكان الذي عولجت فيه طوال حياتي...".

الملك جوبه بسؤال مباشر حول من يعلنون ولاءهم لجلالته، ولكنهم يدعون انه محاط بمجموعة من الليبراليين الذين يقومون على اختطاف البلد ووضع السياسة العامة، ويحاولون تفكيك ارث الملك الحسين طيب الله ثراه فأجاب وبكل صراحة: "لنبتعد عن التلاعب بالكلام، فالسؤال يعني إما أن أكون جزءا من هذه المؤامرة، أو أن أكون بعيداً منعزلا ولا أدري ما الذي يجري في بلدي. وكلا هذين الافتراءين مسيء، والحقيقة هي أن هذين السيناريوهين هما أبعد ما يكونان عن الحقيقة. وفي الواقع فان العديد من اولئك الذين حولي نشأوا وترعرعوا في ظل والدي، رحمه الله، وخلفياتهم واضحة ومعروفة للجميع.. فنادر الذهبي رئيس الوزراء الحالي، خدم قبل عهدي بصورة مميزة في سلاح الجو ومديراً للخطوط الجوية الملكية الاردنية، وانا فخور جداً بانجازاته وسعيد بادائه الحالي، ورئيس الديوان الملكي باسم عوض الله تلقى تعليمه الجامعي بمنحة دراسية من المرحوم والدي، وقد خدم بتميز مرموق في اربع من الحكومات التي شكلت في عهد والدي رحمه الله، ومنحه وسامين لعطائه وتميزه وخدمته، ولا احد يستطيع ان يشكك في خلفية رجال الحسين من العسكريين في قواتنا المسلحة من رئيس هيئة الاركان المشتركة الى الجندي العادي في الميدان، والاجهزة الامنية ومنها دائرة المخابرات العامة التي يرأسها محمد الذهبي "وهو احد الذين خدموا هذا الجهاز على مدى سنوات ومن رئيس مجلس الاعيان الى رئيس مجلس النواب فهم جميعا رجال والدي رحمه الله وانا فخور بهم وبانجازاتهم".

وفي هذا الإطار، لم يفت جلالته أن يوجه رسالة الى حكومة الذهبي يقول فيها إن امامها تحديات لم تتم مواجهتها من قبل الحكومات السابقة، وامامها في الوقت ذاته فرص لم تتح من قبل، طالباً اليها الاستماع إلى ما يقوله المهنيون والخبراء، وتجاهل الاشاعات والثرثرة. والتواصل بوضوح وشفافية مع المواطنين في انحاء المملكة كافة.

الملك فسر دخوله في كل هذه التفاصيل بقوله "ليس من عادتي ان اناقش تفاصيل القضايا على هذا المستوى، ولا انوي ان اجعل هذا نمطا متبعا في المستقبل!! وبالتأكيد فان تركيزي دائماً هو على القضايا الاكبر والاشمل. ومع ذلك شعرت بان الجو السائد في هذا الوقت يتطلب مني ان اقوم بشيء استثنائي وقد شعرت انه من الضروري ان اصحح المفاهيم والاقوال حول قضايا معينة وان اوضح هذه القضايا بعيداً عن المعلومات الخاطئة التي يتم تبادلها ونشرها باستهتار وانعدام مسؤولية.. وسواء قام اولئك الذين ينخرطون في هذه الاعمال الجاهلة بما يقومون به بقصد او بدون قصد، فانهم في النتيجة يمكن ان يسببوا أذى جسيما لبلدنا وسمعته".

بحكم مهنتي كمراقب للاحداث ووظيفتي كرئيس تحرير لهذه الصحيفة، احاول متابعة كل ما يكتب وينشر ويذاع وحتى ما يقال في الشارع.

وللأمانة، فان ما أوردته على لسان جلالته اعلاه هو عبارة عن جمل وتعابير وحقائق لم اكن في صورتها من قبل، ولم أقرأها او أسمع عنها في أي مكان آخر حتى مساء أول من أمس، واضافة الى هذا كله اقول إننا، زملائي وأنا، لم نتمكن من استعمالها كعناوين اضافية مع مقابلة جلالته، ليس لضيق المساحة وتأخر بث موعد الحديث الملكي فقط، وإنما لوفرة المادة الاخبارية والتحليلية فيها وثراء محتواها.

حاولنا أن نغطي المقابلة من كل جوانبها، ولا نعرف اذا كنا اعطيناها كل حقها، ففي كل مرة أعيد قراءتها أجد فيها المزيد مما يستحق قراءته والتعمق في مضامينه.

george@alghad.jo // الغد //



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد