اين المفر

mainThumb

17-08-2008 12:00 AM

حتى الموت لم يعد ممكناً..

** اعني الموت الهادئ/الوقور/ الذي يتيح للانسان بأن يحظى بميتة فيها جلال ورصانة واحتشام.

أعني ان يستلقي المرء, ذات شيخوخة محترمة, وضمن رعاية أسرية فائقة, يستلقي على فراش الموت, محاطاً بالأبناء والاحفاد, ثم يبتسم, ويغفو الى الأبد.

هذا الموت لم يعد ممكناً: حتى مراسم الدفن لم تعد ممكنة: صار من الصعب أن يجد الأنسان كفناً ناصع البياض, وطاولة خشبية من أجل الاستحمام الأخير, ونوبات من الصياح ناجمة عن احتدام الحزن في صدور المعارف والجيران, ونفراً من الشيوخ تقتصر مهمتهم على اضفاء مزيد من الوجاهة على مقر العزاء..

هذا الموت بات مستحيلاً, فالمستجدات تقتضي ان لا ينفرد الانسان بقبر مستقل:

ثمة بالضرورة نزلاء آخرون. والمستجدات تقتضي ان يكون نصيبنا موتاً غير منطقي:

هل يوجد موت منطقي? موت بشع? هل يوجد موت جميل? نعم, هناك موت بلا دم, وبلا اشلاء, وبلا جثمان منقوص. وهناك روح فاضت من دون ان ينفصل الرأس عن الجسد, ومن دون ان يحمل عمال النظافة في اليوم الذي يلي "قشر البطيخ" وأحشائي.

اين المفر? وكيف أضمن ان لا تتبعثر اظافري في حاوية قمامة? وكيف أضمن ان لا يختلط دمي بمياه المجاري? وكيف اضمن ان لا يذوب نثار لحمي في واحدة من الخلطات الاسفلتية? وكيف اضمن أن رأسي سيكون حاضراً عندما يتم تسبيل عيني? وان اصابعي ستكون حاضرة عندما يقترح الاتقياء اشهار السبابتين? وان خاصرتي ستكون حاضرة عندما يقول احدهم: "اقلبوه على جنبه الأيمن? اريد اشلائي كي انام بعمق.
/ العرب اليوم /


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد