الوعي بالفساد ومواجهته

mainThumb

16-07-2008 12:00 AM

تقع أزمة المواجهة المجتمعية مع الفساد في نقطتين مركزيتين، أولهما، غياب الوعي المنهجي لإدراك الفساد وتمييزه عن غيره وغياب المعلومات الدقيقة والكافية عن ممارسات الفساد، وبخاصة أن الفساد لا يكون في الأغلب مثل عمليات السطو والسرقة المباشرة، ولكنه يتم ملتبسا بعمليات وإجراءات إصلاحية وقانونية صحيحة وغالبا ما يكون مغطى بحماية قانونية ومؤسسية، والثانية وهي الأخطر أن الفساد ممتد أيضا إلى المجتمع وليس مقتصرا على مسؤولين في القطاع الحكومي والخاص والمجتمعي، ولكنه يكاد يتحول إلى حالة مستشرية أقرب إلى الثقافة التي تبرر الفساد وتجعله متقبلا ومألوفا أيضا، صحيح أن الفساد المجتمعي صغير من الناحية المالية والإدارية ولا يكاد يشكل عبئا ماليا على الدولة والمجتمع والمؤسسات، من قبيل تسخير المرافق العامة للمصلحة الشخصية، والمحسوبيات والواسطات التي تعوق عدالة التنافس على الفرص، ولكنها ثقافة وممارسات على محدودية أثرها المباشر تؤشر على استعداد شامل لعدد كبير من الأفراد ليكونوا مشروعا لفساد كبير ومحسوبيات خطرة عندما تتاح لهم الفرصة، فهذا الفساد الصغير المنتشر والممتد والذي لا يؤبه له إنما هو صغير ومحدود لأنه لم يتح لأصحابه سوى استخدام سيارة أو أموال قليلة لجمعية أو سلفة أو تعيينات ووظائف وهمية أو منح للأقارب والأصدقاء، ولكنه فساد لا يختلف في دوافعه وثقافته المحركة عن فساد المسؤولين في القطاع العام والشركات عندما يطبق على العطاءات والمنح والتوظيف والفرص والرحلات والاسفار والمياومات وتوزيع الإنفاق وتوجيهه، وهذا يدفع إلى القول برغم ما في هذه المقولة من شعور بالخزي أن الفساد القائم والمستشري إنما يرد جزء كبير منه إلى ثقافة عميقة وراسخة في اللاشعور والأعماق الدفينة لدى فئة واسعة في المجتمع، وهذا يجعل عمليات المساءلة والمحاسبة القانونية والمالية والإدارية وإجراءات الرقابة عملية يائسة لأنها في أحسن الأحوال وإذا افترضنا النزاهة والكفاءة لدى مؤسسات المساءلة والمراقبة ستكون عملية مواجهة غير متكافئة بين مؤسسات محدودة في إمكانياتها وعدد موظفيها وخبراتهم وبين جموع هائلة ومدربة ومتوحشة وذات خبرة واسعة واستعداد قاس لا يرحم للنهب والاستغلال والإساءة.

قد يبدو هذا التعبير إساءة إلى الذات وجلدا لها، وتجاهلا للأغلبية الكبيرة من المواطنين الشرفاء والمتواجدين في كل قطاعات الدولة والمجتمع والقطاع الخاص والذين يبذلون جهدا كبيرا في الحرص على "اللقمة الحلال" و"مخافة الله" والذين يرفضون أي دخل غير مشروع برغم "الخصاصة" والحاجة الماسة، ولكن يجب أن نقول إن ثمة أقلية كبيرة يصعب مواجهتها إلا بتغيير الثقافة السائدة وأنها على قدر من التمكن والانتشار يجعل من الصعب على الأغلبية مواجهتها وإصلاحها.

تتطلب مكافحة الفساد جهودا إعلامية وثقافية ومجتمعية لتجريم الأنشطة

والسلوك الفاسد أو المحرض أو المشجع على الفساد أيا كان مصدره، وتقديم الحماية القانونية والمجتمعية والشعبية اللازمة للأفراد المتعاونين مع أجهزة مكافحة الفساد، وإجراء مراقبة شعبية وإعلامية وفردية واسعة على العطاءات والمناقصات والعقود والوظائف، والحصول على المعلومات الصحيحة الدقيقة، والتواصل الواسع مع الجمهور والقطاعات المجتمعية المختلفة للمواجهة والإعلام والنشر والرصد (مع الأخذ بالاعتبار الخوف من التشهير والإساءة).

وثمة حاجة للقراءة والاطلاع العام لدى كل المثقفين والنشطاء لامتلاك المعلومات والخبرة الكافية في مجال الفساد، وثمة دراسات وتقارير كثيرة جدا تعدها المنظمات الدولية ومراكز الدراسات وتطرح في الأسواق، ولكنها للأسف الشديد ماتزال محدودة التداول.

ويمكن على سبيل المثال الإشارة إلى مجموعة من المعاهدات الدولية التي تقدم أفكارا وأدوات قانونية لمكافحة الفساد، مثل: معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومعاهدات القانون المدني والجنائي لمجلس أوروبا حول الفساد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد