إن سعر الفائدة في البنوك هو عبارة عن ربح مضمون للوحدة المالية من خلال ايداعها لمدة زمنية معينة، وهذا الربح هو بمثابة استثمار للمال في تلك البنوك. هذا الاستثمار المالي يعود بما يعادل نسبة الفائدة من هذا المال المستثمر. فيزداد المال بنسبة الفائدة هذه كلما مرت عليه الفترة الزمنية المحدده للربح. الا ان هذا المال فعليا يزداد بنسبة الفائدة دون ان يكون هنالك عملية انتاج حقيقية او سلعة متبادلة. فالاقتصاد الحقيقي انتاج يقابله مال، اي ثروة مقابل زيادة في الانتاج. فتكون الزيادة في المال في حالة استثمارها في البنوك ثروة اقتصادية وهمية. اي ان المال يزداد دون وجود سلعة منتجة في الواقع.
في المقابل فإن خارج تلك البنوك توجد الاستثمارات الحيوية، مثل المصانع والمعامل وشركات التجارة والمناجم والزراعة وغيرها من الاستثمارات الحيوية. هذه الاستثمارات حقيقية لا يمكن ان تزداد الثروة فيها الا بانتاج فكل ازدياد للثروة يقابله ازدياد في الانتاج.
هنا يلعب سعر الفائدة (الربا) دور رمانة الميزان، حيث ان حجم الاستثمارات الحيوية وحجم الاستثمارات المالية في البنوك تحكمها معادلة، تقتضي انه كلما ازدادت نسبة الفائدة، تزداد تلك الاستثمارات الوهمية في البنوك (الودائع) على حساب الاستثمارات الحيوية الحقيقية (الانتاج) جراء ارتفاع قيمة العائد من هذه الاستثمارات. وكلما انخفضت نسبة الفائدة تتجه الاموال الى خارج البنوك للاستثمارات الحيوية، جراء انخفاض العائد الآتي من اقراض الاموال للبنك.
وهكذا يضبط الساسة الاقتصاديون في الانظمة الرأسمالية حركة الاموال من والى البنوك، ويؤثرون في التضخم صعودا عبر زيادة الاستثمار في المال مقابل الاستثمار في الانتاج، وهبوطا بزيادة الاستثمار في الانتاج مقابل الاستثمار في المال. يمكننا ان تتذكر ازمة العقار التي تسببت بالازمة الاقتصادية عام 2008 وما تلاها من كساد. فقد قامت البنوك المركزية في العالم بتخفيض نسب الفائدة للخروج من حالة الركود الاقتصادي والدفع بعجلة الاقتصاد للدوران من جديد. ايضا تحقيق مكسب اخر وهو تسهيل عملية سداد الديون على المقترضين والذين يشكلون السبب الاول في انطلاق ازمة العقارات. حتى وصلت الفائدة في بعض الاحيان في اميريكا واليابان مثلا الى صفر او ما يقارب الصفر، لتحفيز الاستثمارات باتجاه مشاريع واستثمارات حيوية (التي تشكل الاقتصاد الحقيقي)، فالازمة حقيقية وهي بحاجة الى حلول حقيقية.
يبرز مما سبق ان النظام الاقتصادي الرأسمالي يعتمد اعتمادا كبيرا على الربا في التحكم بحركة الاموال، فهذه المنظومة الرأسمالية المطبقة في بلادنا تتخذ من الربا (نسبة الفائدة) اداة للتحكم بالاقتصاد، في الوقت الذي يحرم الدين الاسلامي الربا في القرآن بآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة، فهو من المعلوم من الدين بالضرورة. هذا ويملك المسلمون في المخزون التشريعي الاسلامي الضخم منظومة اقتصادية رفيعة وفريدة، مستغنية عن النظريات الظنية التي بني عليها النظام الرأسمالي ومستغنية عن المعالجات والحلول الرأسمالية، بأحكام اقتصادية مبنية على اسس قطعية منطبقة على واقعها.
هل في الربا مصلحة ام شقاء؟
إن المال الذي يودع وتؤخذ عليه الفائدة يتم استثماره من قبل الطبقة الغنية باقتراضه من البنك حين يتجمع مبالغ ضخمة، وتقام فيه مشاريع ضخمة واستثمارات صناعية وتجارية وغيرها. هذه الاستثمارات تكون بمثابة الحوت الكبير امام الاسماك الصغيرة من شركات صغرى ومصانع ومعامل ومصالح، تقوم الاولى بالتهامها او اخراجها من السوق لعدم امكانية هذه المصالح الصغيرة منافسة الشركات الكبرى، وبالتالي عدم قدرتها على البقاء والاستمرار.
إن النظام الرأسمالي يدفع بالناس إلى إيداع أموالهم فى البنوك من أجل تحصيل فائدة مضمونة، وبالتالى حين يدخل هذا المال إلى البنك فإنه يخرج من دائرة التداول أي دائرة رأس المال، وهو ما أطلق عليه القرآن الكريم لفظ الكنز، ويحدث بذلك ثغرة تؤثر سلباً على الاقتصاد، فتمنع المال من ان يكمل دورته في المجتمع.
إن المعادلة بين الادخار والإقراض ليست مضمونة، فحين تزداد نسبة الفائدة يقبل الكثير من الناس على الادخار، بينما تقل رغبة الإقتراض بسبب الفوائد المرتفعة، وبالتالى يحدث الخلل الاقتصادى، والعكس صحيح حين تقل نسبة الفائدة يزداد الإقبال على الإقتراض وتقل الرغبة فى الادخار، ولهذا تقوم الدول بالتدخل دائما من أجل تحديد اسعار الفائدة الربوية.
أن مشكلة سوء التوزيع التى تعتبر العقدة الكبرى فى النظام الرأسمالى تزداد سوءا. ويحدث هذا كالأتى: حين تقوم شركة بالإقتراض من أحد البنوك فهى تدفع فوائد على هذا القرض، ولأنها تقترض من أجل الربح وليس من أجل الخسارة فهى تقوم بإدخال كل النفقات الجديدة ومنها الفوائد وفوائد الفوائد فى سعر المنتج الذى تقدمه، والسؤال الآن: من يدفع هذه الزيادة التى تم إدخالها على المنتج الذى قدمته الشركة المستثمرة؟ الإجابة باختصار هو المستهلك، وهذا يعنى أن الزيادة سوف يتحملها الإنسان البسيط قليل الدخل تحت مسمى الفوائد الربوية، لأن دخله يناظر استهلاكه، فى حين أن الأغنياء لايتأثرون بهذه الزيادة لأن أموالهم التى يضعونها فى البنوك كبيرة، وبالتالى الزيادة التى يدفعونها على احتياجاتهم من السلع والخدمات لاتقارن بالزيادة الكبيرة لرؤوس أموالهم والفوائد المضاعفة التى يأخذونها، وبكلمات أخرى فإن الفقير يعاني ويزداد فقراً بينما يزداد الغني غنى.
قال تعالى في سورة البقرة الآية 275 (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).