الربا رمانة الميزان في النظام الرأسمالي

 الربا رمانة الميزان في النظام الرأسمالي

28-01-2016 10:13 PM

إن سعر الفائدة في البنوك هو عبارة عن ربح مضمون للوحدة المالية من خلال ايداعها لمدة زمنية معينة، وهذا الربح هو ‏بمثابة استثمار للمال في تلك البنوك. هذا الاستثمار المالي يعود بما يعادل نسبة الفائدة من هذا المال المستثمر. فيزداد المال ‏بنسبة الفائدة هذه كلما مرت عليه الفترة الزمنية المحدده للربح. الا ان هذا المال فعليا يزداد بنسبة الفائدة دون ان يكون هنالك ‏عملية انتاج حقيقية او سلعة متبادلة. فالاقتصاد الحقيقي انتاج يقابله مال، اي ثروة مقابل زيادة في الانتاج. فتكون الزيادة في ‏المال في حالة استثمارها في البنوك ثروة اقتصادية وهمية. اي ان المال يزداد دون وجود سلعة منتجة في الواقع.‏
 
في المقابل فإن خارج تلك البنوك توجد الاستثمارات الحيوية، مثل المصانع والمعامل وشركات التجارة والمناجم والزراعة ‏وغيرها من الاستثمارات الحيوية. هذه الاستثمارات حقيقية لا يمكن ان تزداد الثروة فيها الا بانتاج فكل ازدياد للثروة يقابله ‏ازدياد في الانتاج.‏
 
هنا يلعب سعر الفائدة (الربا) دور رمانة الميزان، حيث ان حجم الاستثمارات الحيوية وحجم الاستثمارات المالية في البنوك ‏تحكمها معادلة، تقتضي انه كلما ازدادت نسبة الفائدة، تزداد تلك الاستثمارات الوهمية في البنوك (الودائع) على حساب ‏الاستثمارات الحيوية الحقيقية (الانتاج) جراء ارتفاع قيمة العائد من هذه الاستثمارات. وكلما انخفضت نسبة الفائدة تتجه ‏الاموال الى خارج البنوك للاستثمارات الحيوية، جراء انخفاض العائد الآتي من اقراض الاموال للبنك.‏
 
وهكذا يضبط الساسة الاقتصاديون في الانظمة الرأسمالية حركة الاموال من والى البنوك، ويؤثرون في التضخم صعودا ‏عبر زيادة الاستثمار في المال مقابل الاستثمار في الانتاج، وهبوطا بزيادة  الاستثمار في الانتاج مقابل الاستثمار في المال. ‏يمكننا ان تتذكر ازمة العقار التي تسببت بالازمة الاقتصادية عام 2008 وما تلاها من كساد. فقد قامت البنوك المركزية في ‏العالم بتخفيض نسب الفائدة للخروج من حالة الركود الاقتصادي والدفع بعجلة الاقتصاد للدوران من جديد. ايضا تحقيق ‏مكسب اخر وهو تسهيل عملية سداد الديون على المقترضين والذين يشكلون السبب الاول في انطلاق ازمة العقارات. حتى ‏وصلت الفائدة في بعض الاحيان في اميريكا واليابان مثلا الى صفر او ما يقارب الصفر، لتحفيز الاستثمارات باتجاه مشاريع ‏واستثمارات حيوية (التي تشكل الاقتصاد الحقيقي)، فالازمة حقيقية وهي بحاجة الى حلول حقيقية.‏
 
يبرز مما سبق ان النظام الاقتصادي الرأسمالي يعتمد اعتمادا كبيرا على الربا في التحكم بحركة الاموال، فهذه المنظومة ‏الرأسمالية المطبقة في بلادنا تتخذ من الربا (نسبة الفائدة) اداة للتحكم بالاقتصاد، في الوقت الذي يحرم الدين الاسلامي الربا ‏في القرآن بآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة، فهو من المعلوم من الدين بالضرورة. هذا ويملك المسلمون في المخزون ‏التشريعي الاسلامي الضخم منظومة اقتصادية رفيعة وفريدة، مستغنية عن النظريات الظنية التي بني عليها النظام ‏الرأسمالي ومستغنية عن المعالجات والحلول الرأسمالية، بأحكام اقتصادية مبنية على اسس قطعية منطبقة على واقعها.‏
 
هل في الربا مصلحة ام شقاء؟
 
إن المال الذي يودع وتؤخذ عليه الفائدة يتم استثماره من قبل الطبقة الغنية باقتراضه من البنك حين يتجمع مبالغ ضخمة، ‏وتقام فيه مشاريع ضخمة واستثمارات صناعية وتجارية وغيرها. هذه الاستثمارات تكون بمثابة الحوت الكبير امام الاسماك ‏الصغيرة من شركات صغرى ومصانع ومعامل ومصالح، تقوم الاولى بالتهامها او اخراجها من السوق لعدم امكانية هذه ‏المصالح الصغيرة منافسة الشركات الكبرى، وبالتالي عدم قدرتها على البقاء والاستمرار.‏
 
إن النظام الرأسمالي يدفع بالناس إلى إيداع أموالهم فى البنوك من أجل تحصيل فائدة مضمونة، وبالتالى حين يدخل هذا ‏المال إلى البنك فإنه يخرج من دائرة التداول أي دائرة رأس المال، وهو ما أطلق عليه القرآن الكريم لفظ الكنز، ويحدث بذلك ‏ثغرة تؤثر سلباً على الاقتصاد، فتمنع المال من ان يكمل دورته في المجتمع.‏
 
إن المعادلة بين الادخار والإقراض ليست مضمونة، فحين تزداد نسبة الفائدة يقبل الكثير من الناس على الادخار، بينما تقل ‏رغبة الإقتراض بسبب الفوائد المرتفعة، وبالتالى يحدث الخلل الاقتصادى، والعكس صحيح حين تقل نسبة الفائدة يزداد ‏الإقبال على الإقتراض وتقل الرغبة فى الادخار، ولهذا تقوم الدول بالتدخل دائما من أجل تحديد اسعار الفائدة الربوية.‏
 
أن مشكلة سوء التوزيع التى تعتبر العقدة الكبرى فى النظام الرأسمالى تزداد سوءا. ويحدث هذا كالأتى: حين تقوم شركة ‏بالإقتراض من أحد البنوك فهى تدفع فوائد على هذا القرض، ولأنها تقترض من أجل الربح وليس من أجل الخسارة فهى ‏تقوم بإدخال كل النفقات الجديدة ومنها الفوائد وفوائد الفوائد فى سعر المنتج الذى تقدمه، والسؤال الآن: من يدفع هذه الزيادة ‏التى تم إدخالها على المنتج الذى قدمته الشركة المستثمرة؟ الإجابة باختصار هو المستهلك، وهذا يعنى أن الزيادة سوف ‏يتحملها الإنسان البسيط قليل الدخل تحت مسمى الفوائد الربوية، لأن دخله يناظر استهلاكه، فى حين أن الأغنياء لايتأثرون ‏بهذه الزيادة لأن أموالهم التى يضعونها فى البنوك كبيرة، وبالتالى الزيادة التى يدفعونها على احتياجاتهم من السلع والخدمات ‏لاتقارن بالزيادة الكبيرة لرؤوس أموالهم والفوائد المضاعفة التى يأخذونها، وبكلمات أخرى فإن الفقير يعاني ويزداد فقراً ‏بينما يزداد الغني غنى.‏
 
قال تعالى في سورة البقرة الآية 275 (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ‏قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ ‏فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد