المفرق .. ومنهم من ينتظر

mainThumb

19-02-2016 03:02 PM

سنوات عدة يقضيها بجهد وعزيمة في احدى زوايا غرف المنزل، يقتنص اوقات سكون العائلة امام كتابه على امل النجاح يمضي ساعات من عمره. يوم بيوم يكمل اسبوعه، واسبوع باسبوع يكمل شهره، وشهر بشهر يكمل عامه الاول، ليبقى امامه اربع سنوات أخر من المثابرة والجلد والتعب. يضيف الواقع الاجتماعي لمساته ليزيد من صعوبة الامر، وقد تلقي الاوضاع المادية في طريقه شيئا من التعقيد وكثير من التوتر.

خمس سنوات عجاف يقضيها باصراره وصبره ليحمل لقب (مهندس)، فهل سيجد بعدها سنوات سمان؟

شاء الله ان احضر لقاء في نقابة مهندسي المفرق حضره بعض اصحاب الاعمال ومجموعة من الجهات الرسمية والخاصة. لقاء نظمته نقابة المهندسين في المفرق، في محاولة يظهر فيها كثير من اللوم وقليل من الامل، لحل مشكلة استعصى علاجها عليهم. تقدمت احدى المهندسات التي يبدو انهم انتدبوها لتتكلم بالنيابة عنهم. فقدمت دراسة كانت قد جهزتها لتعكس اعداد المهندسين الذين استحسنت تسميتهم بـ "الباحثين عن العمل".  لك ان تستغرب، فإن اكثر من نصف المهندسين المسجلين في اخر ثلاث سنوات في المفرق يبحثون عن عمل. فبين كل 10 مهندسين كهرباء تخرجوا خلال اخر ثلاث سنوات 7 لا يجدون عملا.
لنفس الفترة فإنه بين كل 10 مهندسين مدنيين 5 لا يجدون عملا
وبين كل 10 مهندسين ميكانيك 3 لا يجدون عملا
وبين كل 10 مهندسين عمارة 6 لا يجدون عملا
ومن بين كل 10 مهندسين كيماوي 8 لا يجدون عملا!

كان هذا بعض ما لخصت به المهندسة الحالة التي يعاني منها مهندسو المفرق.

ما ان انتهى عرض تلك الاحصاءات حتى انهالت التعقيبات والتعليقات من الحضور، جلها وجه اللوم على النقابة وبعضها مزج لومه باقتراح يراه، الا انك تلمس في كل ما قيل ان المسؤولية تقع على النقابة. كلٌ القى ما في جعبته، وانتهى اللقاء رسميا وتوقف تصوير الكاميرات، في تلك اللحظات تساءلت في نفسي هل اقنع كل هذا النقاش أولئك المهندسين الجالسين هناك في نهاية القاعة؟ وهم اصحاب الهم الذين يرون في هذه المناسبة فرصة لهم ليخرجوا من نفق البطالة المظلم إن استطاعوا الى ذلك سبيلا.

كيف ومتى اصبح تأمين مهندس بوظيفة  مسؤولية  نقابة؟ ما هي صلاحيات النقابة لتكون مسؤولة عن ايجاد فرصة عمل؟ ليست النقابة الا مجموعة من المهندسين تجمعوا وتنظّموا واقتطعوا شيئا من رواتبهم ليتدبروا امورهم. هم ليسوا باصحاب قرار ولا اصحاب سلطة ولا سلطان لهم. فكيف يمكنهم ان يعالجوا مشكلة اقتصادية بالدرجة الاولى، واجتماعية بالدرجة الثانية، طاقات بشرية مهدورة، وامكانيات علمية مع وقف التنفيذ ؟

تأمين متطلبات هؤلاء المهندسين لا يأتي إلا في سياق تأمين احتياجات رعايا دولة، فهي ليست مسؤولية مهندس او مجموعة مهندسين، ولا هي مسؤولية اصحاب العمل ولا حتى مسؤولية نقابات. لا بد من وضع الامور في مواضعها، واعطاء كل ذي حق حقه وتحميل كل ذي مسؤولية مسؤوليته. فلن تكون هنالك حلول ما لم يتم النظر الى هذه المشاكل على انها مشاكل انسان له حقوق ومتطلبات وجود. لا يكفي تأمين بعض فرص العمل بل لا بد من النظر في متطلبات كل قطاع بعينه بل من باب تأمين قوت الناس فردا فردا.

لا يتوقف الامر عند اعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتبعه بل وفي المنظومة الاقتصادية ككل، تلك المنظومة الرأسمالية التي فشلت في توزيع الثروة منتجة مصفوفة من المشاكل الاقتصادية المركبة، ليس اخرها البطالة. عندما يتم احتكار الثروة تتقلص المشاريع الصغيرة والمتوسطة مقابل تضخم الشركات الكبرى، الامر الذي يجعل فرص العمل اقل بكثير. وتضيف سياسة الاستيراد بدلا عن التصنيع ضعفا مزمنا في الانتاج وبالتالي انعكاسا مباشرا على فرص العمل.

بدون اسهاب في التحليل والنقاش المطول اتمنى ان ينجح هذا المقال في القاء الضوء على مشكلة مهندسي المفرق التي كان للمهندسات فيها الحصة الاكبر. فليس من الطبيعي ظهور مثل هذه المشكلة في مدينة تحتضن العديد من المصانع، ويقصدها المهندسون من ثلاث محافظات اخرى يوميا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد