بلقيس الأردنية أعظم ملكات الدنيا ‏

mainThumb

09-04-2016 02:25 PM

قصة المالكة بلقيس ‏
 
‏      وقصة الملكة بلقيس ذائعة منذ القدم، وقد تجاوزت ‏شهرتها مسرح أحداثها، وتناقلتها شعوبٌ أخرى، بصيغ مختلفة ‏وروايات متعددة، وتناولتها شروحات التوراة وكتب تفسير ‏القرآن الكريم، ودخلت في قصص الأنبياء ونصوص ‏القديسين المسيحيين، وعُنِيَتْ بتفاصيلها كتبُ الأخبار ‏والتاريخ، واستلهمتها روائع الفنانين الأوروبيين، في عصر ‏النهضة مثل: الإيطالي رافائيل (١٤٨٣ م -١٥٢٠ م)، ‏وريموند (1920-2013)، وجبرتي (1373-1455). واتُخِذَ ‏موضوع القصة أساساً لكتاب الحبشة المعروف (كُبْر أنجست) ‏أي كتاب (مجد الملوك). وأما الشخص الذي أشار اليه القران ‏الكريم (قال الذي عنده علم من الكتاب) الذي نقل عرش ‏بلقيس في اقل من طرفة عين، من سبأ أدوماتو الى القدس في ‏فلسطين، فهو آصف بن برخيا، ابن خالة النبي سليمان ‏ومستشاره الذي أعطي اسم الله الأعظم.‏
 
‏       وقد كان لانتشار القصة أثر في تنازع الناس حول ‏الملكة بلقيس رحمها الله، واختلافهم في اسمها وأصلها ‏وموطنها؛ مِمَّا أضفى عليها أخباراً مصطنعةً، وألواناً متعددةً، ‏كادت تَغلِب نواة وجوهر القصة التاريخية الحقيقية، وتحولها ‏إلى حكاية شعبية، تُروى في أزمنة متفاوتة، ومواطن متباعدة. ‏لذا فان أصدق رواية عنها، هي ما جاء في القران الكريم، لان ‏الله هو الأصدق حديثا (ومن اصدق من الله حديثا؟)، على أنَّ ‏أشهر حادثة في حياة تلك الملكة، هي زيارتها للنبي سليمان ‏عليه السلام. وقد نص القران الكريم على هذه الحادثة، وما ‏كان من كلام الهدهد، وكلام بلقيس وكلام سليمان، وإسلامها ‏مع سليمان لله رب العالمين.‏
 
‏    وطبقا لما جاء في القرآن الكريم، فان النبي سليمان، بعدما ‏أخبره الهدهد عن وجودها وعظمتها وجمالها، وثروة مملكتها ‏واخلاقها وحشمتها ووقارها وهيبتها، أرسل اليها طائر ‏‏(الهدهد) نفسه، يدعوها للتوحيد، فأرسلت هدية عظيمة الى ‏‏(النبي سليمان)، لتجنب خوض حرب ومواجهة معه، ولكنه ‏رفضها وأصر على إرسال جيش نحوها، فأرسلت اليه وفدا، ‏وتعجب رسل (الملكة بلقيس) الذين حملوا الهدية، من حجم ‏مملكة سليمان وجنوده من الإنس والجن والحيوانات والطيور ‏المختلفة. وإزاء ذلك، قررت (الملكة بلقيس) الذهاب بنفسها، ‏إلى مملكته حتى تتوصل معه إلى حل سلمي، قبل تطور ‏الأمور الى الحرب والدمار والاذلال.‏
 
‏      وبعد وصولها تفاجأت بأن عرشها كان عنده. وأعد لها ‏‏(النبي سليمان) مفاجأة أخرى، وكانت قصرا من البلور فوق ‏الماء، وظهر كأنه لجة، فلما قال لها ادخلي الصرح، حسبت ‏أنها ستخوض اللجة( الماء ) ، فكشفت عن ساقيها"(قِيلَ لَهَا ‏ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ ‏قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ ‏نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) -سورة ‏النمل، وهي إشارة واضحة الى انها كانت محتشمة في لباسها، ‏وانه كان يغطي سائر جسمها وساقيها الى كعبيها , أي انها ‏كانت ترتدي لباس المرأة الاصيلة الاصلية المحتشمة . فلما ‏تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سر الماء والزجاج، قال: ‏‏(إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) أعلنت (الملكة بلقيس) إيمانها ‏بالله الواحد الاحد سبحانه وتعالى، وآمن معها العديد من أبناء ‏شعبها.‏
 
‏      وتباينت آراء المستشرقين حول اسمها.  فالمستشرق ‏مونتغمري وَات (1909 – 2006)، والمستشرق اولندروف ‏‏(1925-1992) يريان (وهما مخطئان) أنّ الاسم مأخوذ من ‏المفردة اليونانية (فالاكيس) التي تعني عشيقة، وأخذا ذلك من ‏لهجة التوراة الكنعانية، حيث ورد الأسم بصيغة (فلجش ‏فلجس).   أما المستشرق الفرنسي (دواسي) فيرى أن الاسم ‏تصحيف للاسم (نكوليس)، بينما يرى المستشرق (دورامي) ‏أن الاسم دمج لكلمة (بعلة وكيس)، بينما يرى الباحث (عبد ‏المجيد همو) أن أصل الاسم جاء من (بعل وقيس). وان اسمها ‏مزيج من الأسطورة والخرافة والقصص والتاريخ، وان ‏أصلها جنية وليس من الانس، وتمت حياكة اساطير عديدة لم ‏تكن ولن تكون لأية ملكة في التاريخ.‏
 
‏      وتطرق المؤرخون العرب الى القصص المرتبطة بـ ‏‏(الملكة بلقيس) فهي كثيرة، نأخذ ما ورد عند المؤرخ ابن ‏الاثير (وهو عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي (555-‏‏630 هـ) المعروف بـ ابن الأثير الجزري، مؤرخ إسلامي ‏كبير، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها ‏ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ ‏الإسلامي)، قوله (الذي لا نطمئن له): أن والد بلقيس مات من ‏غير وصية، فأقام الناس ابن أخ له ملكا وريثا، فتآمرت عليه ‏‏(الملكة بلقيس) وقتلته وتولت بعده. وقصة اخرى، تروي أنها ‏تولت السلطة بعد وفاة أبيها، ثم تخلت لأخيها عن العرش.‏
 
‏       ونحن لا نتفق اطلاقا مع هذه الروايات , التي تتحدث ‏عن الوراثة في العرش والمؤامرات في اعتلائه , علما بان ‏نظام الوراثة للعرش كان مرفوضا في الممالك الاردنية ‏القديمة , وبخاصة زمن الدولة الأدومية , قبل أكثر من ثلاثة ‏الاف عام من الان, , حيث كان الملك لا يصل الى العرش الا ‏من خلال الانتخابات الحرة , وكذلك امراء الأقاليم كل في ‏اقليمه , وأعضاء الملأ , لا يصلون الا من خلال الانتخابات ‏أيضا , لأنهم بذلك , كانوا يجسدون إرادة الشعب ويمثلونه ‏لفترة محدودة , مما كان يجبر الملوك  على النزاهة ‏والإخلاص والانتماء , وحب الشعب وخدمته , فان نجحوا ‏بذلك انتخبهم الشعب مرة أخرى , والا غادروا العرش  أو ‏الامارة أو المنصب  غير مأسوف عليهم ,  ليحل مكان أي ‏منهم  شخص اخر يحظى بثقة الشعب الأردني ويجسد ارادته ‏‏, ويصبح بأصوات الناخبين صاحب الشرعية والسلطة ‏المجسدة لإرادة الأردنيين  .‏
 
‏ وما بلقيس الا ملكة اردنية أدومية ثمودية نرى انها وصلت ‏الى العرش عبر الانتخاب والاستحقاق الديموقراطي الحر، ‏وهو منهج الدولة الأدومية الأردنية ومنها مملكة سبأ، حيث ‏كان يتم انتخاب من يجلس على العرش، وكان يتساوى في ‏ذلك الذكر والانثى، وعندما اختارها الشعب وفشل منافسها ‏ابن عمها أمامها في الانتخابات، اغتصب العرش منها، ‏وغلبها عليه، وقرر قتلها، لإزاحتها من أمامه، لأنها تشكل ‏محبوبة الشعب الأدوماتي السبئي الأردني، وعنصر التهديد ‏الشرعي الذي قد يطيح به في أية لحظة. فهربت متخفية، في ‏بيئة حاضنة وحامية لها، ثم احتالت عليه، متظاهرة انها توافق ‏على الزواج منه، وأنها تعترف بشرعيته.‏
 
‏    وفي ليلة زفافهما قتلته في مخدعها قبل ان يدخل بها (وكما ‏قالت العرب قديما ان العرش عقيم لا يعرف أبا ولا اخا ولا ‏ابنا ولا زوجا)، وعلقت راسه من شرفة القصر، فهرع الناس ‏لمبايعتها، واستعادت العرش الذي انتخبها الناس له، وصارت ‏كما وصفها القران الكريم وأثنى عليها، ودخلت التاريخ من ‏أوسع ابوابه، بل من أبواب الكرامة الأردنية، التي لم تدخلها ‏امرأة في تاريخ الملكات والاميرات في الدنيا، وهذا فخر لكل ‏أردني وأردنية، منذ ادم وحواء الى أن يرث الله الأرض ومن ‏عليها.  ‏
 
‏     ونحن نرى أن أباها الهدهاد بن شراحبيل بن الحارث ‏الرائش، (كما يذكره الهمداني (280-بعد 336هـ))، لم يكن ‏ملكا، وانما كان من أعيان المملكة الأردنية السبئية، وان الملك ‏كان لا يصل الى العرش الا بالانتخابات الشعبية، ويكون قبلها ‏قد تقلد المناصب بالدولة وتدرج بها، وتأهل للعرش، ومنها أن ‏يكون عضوا من الملأ أي من علية القوم ورجال الدولة، حيث ‏كان الشخص لا يصل الى المنصب الا إذا مر بالذي يسبقه ‏من المراتب، ويتدرج فيها مع ما يتعلمه من الخبرات ومعرفة ‏الشعب له وتقييمه عندما يخوض الانتخابات. وبذلك وصل ‏الأردنيون زمن الوثنية الى مستوى وصلت اليه الشعوب ‏الغربية بعد طول عناء، ولكن تقصر عن الوصول اليه الدول ‏والشعوب العربية في عصرنا الحاضر للأسف الشديد.‏
بلقيس في النقوش الاشورية ‏.
 
‏    وفي النقوش الآشورية، في بلاد ما بين النهرين، نجد في ‏أحد النقوش المسمارية، ذكرا للإمبراطور (سرجون الثاني) ‏‏724 -75 قبل الميلاد، انه تسلم إتاوة من ملكة (أريبي) (أي ‏ملكة العرب / أي ملكة ادو ماتو/ او سبأ /او الجوف / او ‏دومة الجندل الأردنية، وكلها أسماء صحيحة لنفس المسمى ‏من المكان).‏
 
‏      وأن سرجون الثاني قد تسلم الاتاوة أيضا من الملك بتع ‏امر (أي عمر أو عامر السبئي) (الأردني). فيما ذكر ‏‏(سنحاريب) 705 -681) قبل الميلاد، أنه عندما شرع في ‏بناء بيت (أكيتو، وهو معبد كانت تقام فيه طقوس راس السنة ‏عند البابليين وعلى مدار اثني عشر يوما بعدد أشهر السنة) ‏تسلم هدية من (كرب ايل) ملك سبأ، من بينها أحجار كريمة، ‏وانواع من الطيوب الفاخرة وذهب وفضة. وهي السلع التي ‏كان التجار السبئيون (الأردنيون) يجلبونها من بلادهم ومن ‏بلاد الجنوب، الى فلسطين وسوريا وطور سيناء، كما تذكر ‏التوراة والكتب الكلاسيكية. ‏
 
‏     ويضيف بأن (بتع آمر) و(كرب ايل) هما من مكربي سبأ ‏كما ورد في عدد من النقوش التي تم العثور عليها. وبذلك نجد ‏ان الشعب الأردني السبئي كان ينتخب الملك انتخابا، حيث لا ‏نجد تكرارا للأسماء والعائلات، وانما يأتي الاسم منقطعا عما ‏سبقه ويلحقه، من حيث تسلسل الدم والعائلات والاسماء.‏
 
‏     واما قصة بلقيس وسبأ , فان القرآن الكريم(النمل:22-‏‏23) ,  والتوراة، هما المصدران الأساس لهذه القصة، كما ‏انه لم يرد لها اسم ؛ فالتوراة تنعتها بـ (ملكة سبأ) أو (ملكة ‏تيمنا) أي (ملكة الجنوب/ تيماء)، وتذكر أنها زارت النبي ‏سليمان، وقدمت له هدايا ثمينة، ولا يذكر القرآن الكريم لها  ‏اسماً. قال الله تعالى: " وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقين إني وجدت ‏امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرشٌ عظيم ".أما ‏المصادر العربية الأساسية , في قصة هذه الملكة,  فتذكرها ‏بالاسم بلقيس,  خاصة كتاب(التيجان) لابن هشام (توفي عام ‏‏218هـ، الموافق 834 ميلادي)., وكتاب(الإكليل) للهمداني ,  ‏و(القصيدة الحميرية) لنشوان الحميري ( توفي عام (573هـ‍ ‏الموافق   1178 م)،., اذ يقول:‏
 
أم أينَ بلقيسُ المعظَّمُ عرشُهُا        أو صرحُهُا العالي على ‏الأضراحِ
 
ويقول الشاعر نزار قباني ‏
 
بلقيس! أيتها الشهيدة والقصيدة والمطهرة النقية
 
سبأ تفتش عن مليكتها...  فردي للجماهير التحية ‏
 
يا أعظم الملكات! يا أعظم الملكات!‏
 
يا امرأة تجسد كل أمجاد العصور السومرية
 
‏      ان تولي (الملكة بلقيس) الملك بإرادة الشعب، وبالجدارة ‏والكفاءة وليس بالوراثة؟ انما هو برهان على رفعة شأن ‏المرأة الأردنية، في تلك العصور، حيث (أنها خلصت شعبها ‏من الحكم الجائر (الملك الذي استولى على العرش بانقلاب) ‏ومن التهديد القادم (تهديد الملك سليمان). وفي قصة ‏انتصارها على الانقلابين، ووصولها للعرش، إدانة لكل من ‏يصل موقع المسؤولية خارج إرادة الشعب، فالشرعية وتجسيد ‏إرادة الشعب تعطي القوة لمن يصل عبر الانتخاب. وحيث ‏انها عربية أردنية مسلمة فان الموقف التوراتي الحاقد ‏المتجني، يربط أصل (الملكة بلقيس) بالشيطان ويجعل لها ‏حافر حمار ويفصل بين النظام الاجتماعي وبين عالم الأنس. ‏
 
‏      إن شمس هذه الملكة العظيمة , ما تزال مشرقة , برغم ‏ما قامت به قوى الضلال والتضليل العالمية , وأتباعها من ‏المستشرقين وتلامذتهم  والسياسيين الزائفين ( الذين يسؤهم أن ‏تكون أردنية), من تزوير ونهب لكل أثارها ونقوشها , ‏والسعي المستمر لطمس كل اثر لها- في خضم أكبر مشروع ‏لتزوير تاريخ الأردن القديم والحديث  في موطننا , ومحاولة ‏المزورين , وسراق التاريخ والحاقدين,  ان يحولوا كل شيء ‏بالأردن بأسمائهم , وان يكذبوا القرآن الكريم الذي لا يأتيه ‏الباطل من بين يديه ولا من خلفه, يتم تصوير الآيات الكريمة ‏المتعلقة بالأردن,  انها تتحدث عن بلد اخر ,ومواقع أخرى , ‏وشعوب وعشائر ليست اردنية  , وفي سياستهم وممارساتهم ‏وأكاذيبهم, يرون أن أي شيء يتحدث عن الأردن وأهلها عبر ‏الأولين والاخرين انما هو  مجرد أساطير الأولين.‏
 
ورغم الخلاف بين الباحثين حول موقع مملكة الملكة بلقيس، ‏الا ان الراي الثابت الأرجح لدينا وحسبما اثبتناه في كتابنا: ‏التاريخ السياسي للمالك الأردنية القديمة، انها: سبأ الشمال / ‏مملكة الجوف / أي مملكة أدوماتو الأردنية، التي كانت تقوم ‏في مناطق الجوف وشمال جزيرة العرب ووادي السرحان ‏والحرة الأردنية والازرق وما حولها، ولأهمية هذه الملكة ‏التي فاقت سائر الملكات القديمات والحديثات، وادعاها كل ‏شعب انها منه وأنها ابنته، فقد أنتجت العديد من الكتب ‏والأفلام والروايات حول هذه الملكة.  ‏
 
 
 
انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد