عبد الفتاح مورو .. الداعية الذي نريد

mainThumb

18-04-2016 09:14 PM

الشيخ عبد الفتاح مورو  داعية تونسي أسس حركة النهضة الإسلامية في ‏بلاده  ،  وناضل من أجلها  وتحمل ونفي ، وكان أحرى به أن يكون  ‏سعيدا عندما  تسلمت النهضة مقاليد الأمور في تونس بعد التغيير ، لكنه  ‏ترك النهضة إحتجاجا على طريقتها في الحكم ، فغلب المصلحة العامة ‏على الخاصة .‏
 
قبل أيام  إستضافته مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة عمان ‏ليحاضر  حول "الإسلام وتحديات  العصر" ، وكم أثبت أنه داعية  رباني ‏قرآني عقلاني ، من الطراز الذي نريد في هذه الحقبة التي تكالب علينا ‏الجميع ، وفينا  من يصرخ بأعلى صوته :أيها الغرب الكافر إنا قادمون.‏
 
نجح  السيخ مورو في إظهار  نمط الداعية الرباني القرآني ، ولم يتحدث ‏عن عذاب القبر ولا تسلح بالأقرع  ولم يتشبث بشعار أن الإسلام هو ‏الحل، فهو الفاهم لدينه عقلا لا طريقة وضوء ، وكان سمحا متسامحا  ‏ماهرا في الإرسال والإستقبال  ، ولم يكن فظا  غليظ القلب وإلا إنفضوا ‏من حوله ، بل كان الوقوف أكثر من الجالسين في قاعة شومان وغالبيتهم ‏من الشباب.‏
 
إبتدأ الشيخ موروا رائعته  بالحديث عن المسلمين في الغرب ، ساردا ‏قصة  حدثت معه قبل أيام في العاصمة النمساوية فيينا ، حيث دعي لإلقاء ‏محاضرة عن الإسلام  ، وإنتدب لتقديمه طبيب عربي عربي مطرود من ‏بلاده ،  لجأ إلى النمسا  فأعادت له الحكومة النمساوية إعتباره  وقبلته ‏لاجئا كامل الحقوق ووظفته  رئيس قسم في الجامعة ومع ذلك ، كان ‏ناكرا للجميل .‏
 
وكما ورد على لسان الشيخ مورو لافض فوه ،  أن ذلك الطبيب المطرود ‏من بلده  ذم في الغرب كثيرا  وإنتفض أخيرا  وصرخ :أيها الغرب ‏الكافر  إننا قادمون ! عندها  كما يقول الشيخ مورو كظم غيظه وإنتظر ‏حتى يأتي دوره في الكلام ، فسأل الطبيب المطرود سؤالا إستنكاريا: من ‏أنتم  وماذا ستفعلون في الغرب ؟ هل ستفتحوه وتحرروه ؟ تحررونه ‏ممن؟ ثم كيف تقول أن الغرب دار كفر ؟  أنت يا إبني في دار الإسلام ‏كما يقول الإمام الشافعي أن دار الإسلام هي التي  تبيح لك إقامة الشعائر ‏الدينية بحرية ، وتؤمن لك الرزق الحلال ، وتمنحك الكرامة والعزة.‏
 
إستعرض الشيخ موروا  واقع العرب والمسلمين الذين فشلوا في إحتلال ‏الغرب ،  لكنهم فتحوا عواصمهم للغرب كي يحتلها  لعجزهم عن الدفاع ‏عنها، كما أنهم لم يستمروا في الأندلس أكثر من 700 عام وصقلية 500 ‏عام، ناهيك ان  الخليفة سليمان القانون مكث طويلا على حدود فيينا  ‏وفشل في فتحها .‏
 
وقال أن المسلمين الأتراك ألمتواجدين في  ألمانيا إستخدمهم الرئيس ‏الألماني أديناور لإنعاش إلإقتصاد بلاده بعد الحرب الثانية ، كما أن العر ‏ب من شمال إفريقيا  إتجهوا لفرنسا ، وأن عدد العرب والمسلمين في ‏الغرب يناهز العشرين مليونا ، وتحدث عن عبد الرحمن بن خلدون الذي ‏إكتشف الغرب مقدمته التي كانت  تقبع  في إحدى خزائن تطوان ، ‏وأحيوها  وتبين لهم انها مدرسة إتبعوها.‏
 
دعا الشيخ مورو إلى إعمال العقل وفتحه وإعتماد المعرفة ، مطالبا أن ‏نغير ما بأنفسنا تلبية لنداء الله لنا ، كما إنتقد  شعار الإسلام هو الحل ، ‏غامزا  بصراحة من قناة الحركات الإسلامية.‏
 
بعد ذلك خاطب الجمهور بتثمين وإشادة فيهم أهل علم وحكمة وعقل ، ‏وطالبهم بالتغيير  لكن بإستعمال العقل لا بحمل السيف والساطور ، وان ‏نكون مراقبين على أنفسنا وأن ننبذ المتنطعين والمأجورين ،  وأبلغهم ان ‏التغيير قادم لا محالة لأن واقع الأشياء كذلك ، وأن العالم الان يتغير، كما ‏أن علمنا الحالي ناقص وسيكتمل .‏
 
بشر ولا تنفر هذا هو مبدأ الشيخ مورو عندما  قال أن ثورة الإتصالات ‏ووسائل الإتصال قربت المسافات البعيدة  ، وأن الإسلام له فرصة ‏عظيمة ليكون اداة تغيير فلنغتنمها ، وقد ذم المتنطعين والمنتقدين لأجل ‏النقد ، وقال  :من لا يعجبهم فكرنا فليتقدموا الصفوف للقيادة ، فهذا هو ‏إسلامنا ولساننا ودورنا ، ومبدأنا هو الإحتكام للعقل في شؤون المعاملات ‏الدنيوية.‏
 
كان الشيخ موروا  مخزن تاريخ وبوصلة جغرافيا ونبراس منطق ، وكان ‏حاضر البديهة ولديه روح النكتة  والعقل  المنفتح ، وصاحب لغة خطاب ‏واضحة ، وقد خاطب الحضور : إن الحيران لا ينفعل كثيرا لأنه لن يجد ‏الطريق وسيبقى ضالا ، ضاربا مثلا علميا وهو أن الطبيب المبتديء ‏يعالج الدمل بالمرهم ، بينما الطبيب صاحب الخبرة  يعالج الدم أولا.‏
 
منّ الله على شيخنا بحفظ القرآن والعمل به ، كما انه يحفظ الحديث ‏ويسترشد به  ، ويحفظ الشعر ويستند عليها أحيانا ويوظفه حسب الحاجة ‏، ولم يتسلح بالآية التي تقول "والشعراء يتبعهم الغاوون".‏
 
لم  يبق محاضرته في الدين فحسب ، بل تطرق للسياسة   عندما قال أن  ‏خلافنا مع إسرائيل ليس دينيا ، بل مستعمر "بكسر الميم" مع مستعمر ‏‏"بفتح الميم" وأن خلافنا  معها  حول أرض نريد إستعادتها منها.‏
 
أثناء ذلك تنطح له طالب جامعي نزق لم تعلمه الجامعة ولا المدرسة فن ‏أصول مخاطبة العلماء ،  وقال له   بطريقة تفتقر للياقة أنه  لم يتطرق ‏في محاضرته للمسجد الأقصى ولا لفلسطين ، وصفق لنفسه ، فصرخ ‏الشيخ في وجهه:لا تصفق وحدك سأصفق معك وسندخلها منتصرين بإذن ‏الله.‏
 
بعد ذلك تحدث الشيخ مورو عن صحابي يريد الجنة طلب من النبي محمد ‏‏"صلى الله عليه وسلم "أن يدعو الله ان يكون من أهلها بعد أن  أخبرهم  عن صفات ‏المبشرين بالجنة ، فرد عليه النبي :ما ذا  أعددت للجنة ؟، في توجيه من ‏الشيخ مورو ان تحرير فلسطين يلزمه الإعداد المطلوب وفقا للآية ‏القرآنية التي تقول "وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة"، وتابع ان حماسنا ‏يجب ألا يكون  بالأماني والأحلام ، بل بالتسلح بالعلم والمعرفة ، وأن ‏صلاح الدين الأيوبي لم يحرر القدس بالشعارات.‏
وغاص الشيخ مورو عميقا بالسياسة عندما قال ان إسرائيل فاشلة في ‏قراراتها وإدعاءاتها بانها مأوى ليهود العالم ، وأنها  أخذت هذه الولاية  ‏بعد ما يطلقون عليه المحرقة "الهولوكوست" ، وبين أن 75 % من ‏اليهود يعيشون في بلدانهم الأصلية وليس في إسرائيل ، وهذا يعني أنها ‏ليست حاميتهم ، بل تحميهم بلدانهم التي يعيشون فيها.‏
 
وقال أيضا أن يهود إسرائيل ينهكونها لأنها كيان مصطنع قائم على التاوة ‏والتنفس الإصطناعي ، وأكد أن الطفل والشاب والمرأة في فلسطين ‏قهروا إسرائيل ، كما اكد أن  موت  الطفل الإسرائيلي برصاص ‏الإحتلال  يقتل في إسرائيل إنسانيتها وان العالم بدا يتململ ويستفيق ، ‏وأن اللوبيات اليهودية في الغرب بداوا يتساءلون عن سر مساعدتهم ‏لإسرائيل وإلى متى ؟كما أن 90% من برلمانات العالم يقاطعون ‏إسرائيل، وهي مرشحة للطرد من الإتحاد البرلماني العالمي.‏
شدد  الشيخ مورو على ان المعركة مع إسرائيل هي معركة إعلامية ‏بالأساس ، وأن أي مجتمع لا يعيش بدون فن وسينما  وإعلام ، وأن ‏صناعة الغد تبدا اليوم والمستقبل يؤسس له بتربية طفل اليوم ، وإعترف  ‏شجاعا بأنه لا يمتلك الحل لأن الحل بيد الأمة أن تغير وتتجدد.‏
لم يكن الشيخ مورو فوقيا بل قال للحضور :أرجو ان أسمع منكم وأرى ‏فيكم ، وأن أجدادنا ليسوا  همجيين  ، ولم يكن آباءنا قاتلين ، كما أن ‏أوروبا عانت مثلنا من حركات مسلحة  ثورية عددها مثل الكوكس – ‏كلان  في أمريكا وبادر ما ينهوف في ألمانيا  وإيتا في إسبانيا  وإبرا  في ‏بريطانيا  ، كما هو داعش عندنا،  لكنه وبمنطق الحصيف لم يترك الباب ‏مواربا بل قال ان اوروبا درست الظاهرة وعدلت المسار وحمت ‏مؤسساتها ، بينما نحن ما نزال  مختلفين على طريقة الوضوء ونوع  ماء ‏الوضوء وطريقة الدخول على الحمام ، وحذر الشباب من الغضب لأنه لا ‏يفضي إلى حل .‏
 
وإختتم محاضرته بالقول  :إقبلوا مني ماشئتم ودعوا  ما لم يعجبكم .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد