الرائد لا يكذب أهله

mainThumb

17-02-2009 12:00 AM

اتسم حديث جلالة الملك امس الى الشخصيات الاردنية ، بالثقة والصراحة والشفافية: فالاردن ليس كيانا كرتونيا مرعوبا ، تفزعه المخاوف الحقيقية او المتخيلة ، ولكنه وطن الرجال الاقوياء والجنود الاوفياء ، الذين صاغوا بارادتهم الصلبة في معركة الكرامة ، واحدة من ابرز ملاحم الفداء والبطولة في تاريخ العرب الحديث.

لقد جاء حديث الملك ، بمثابة الرد القاطع المانع ، على ماكينة التشكيك التي انطلقت من الصالونات السياسية ، فقد ادمنت هذه الصالونات ، تكرار احاديث الإفك لانها بضاعتها الوحيدة ، وكان لا بد من اسكاتها: فوطننا ليس "جمهورية موز" ، والاردنيون لا ترتعد فرائصهم كلما بث احدهم مخاوفه في الفضاء ، متقمصا دور المحلل الاستراتيجي.

واذا كان ثمة طرف لديه مشكلة ، فالاردن بالتأكيد ليس ذاك الطرف. ان اسرائيل هي التي ينبغي ان تخشى على هويتها الباطلة وكيانها الزائف ، فعدد العرب في اسرائيل سيصل ، كما قال الملك ، الى %50 خلال سنوات: فهي التي يجب ان تشعر بالقلق على وجودها واستمرارها. اما الاردن فهو دولة مستقرة ، تصونها قيادة تاريخية ، يمتد نسبها الى اشرف اسر العرب ، ويحرس ثراه المقدس ، جيش صلب لا يخشى في الحق لومة لائم.

ان المهم هو المحافظة على متانة الجبهة الداخلية ، وعدم الاستماع الى اسطوانات التشكيك ، التي تحقق مآرب الاعداء من حيث لا تقصد ، ببث الاشاعات المغرضة. هذا هو الامر الوحيد المقلق ، الذي اشار اليه الملك ، فطالما ان وضعنا الداخلي يتسم باليقظة والتماسك: فنحن بخير ولن يضيرنا شيء. وهذا يتطلب سد هذه الثغرة على الفور ، بوقف حملات التشكيك في الدولة والنظام ، لانها مبنية على باطل وعلى مخاوف ، لا يبررها المنطق ولا تستند الى قراءة موضوعية لحقائق الاشياء.

ان الاردن الذي اتخذ دائما مواقف داعمة بلا حدود للاشقاء الفلسطينيين ، لا يبحث من خلال مواقفه تلك ، عن اي دور في الاراضي الفلسطينية ، وهو سيكون سعيدا عندما يتحقق للاشقاء الفلسطينيين حلمهم ، باقامة دولتهم على ترابهم الوطني ، اما الحديث عن الخيار الاردني او الوطن البديل ، فانه لا يقوم على اساس من المنطق والموضوعية ، وبالتالي فقد آن الاوان لكي تتوقف هذه الفزاعات الفارغة ، وحان الوقت لوضع حد نهائي لكل هذه التخرصات الشوهاء.

وكما كان جلالته واضحا وواثقا وصريحا ، في تشخيصه للواقع السياسي في المنطقة ، فانه كان كذلك في تناوله للواقع الاقتصادي المحلي ، فقد درج البعض على التخويف من المستقبل ، وعلى بث الشكوك بحتمية تأثرنا بالازمة العالمية ، بينما اعتاد آخرون على تصوير الامور ، وكأننا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم ، بل حاول نفر الايحاء بأننا "اليوتوبيا" التي لا تعاني من اية مشاكل. وقد انطلق صوت الملك واضحا مدويا ، لكي يضع الامور في نصابها الصحيح ، فالحقيقة تكمن في النقطة الفاصلة بين معسكري التهويل والتهوين. فالوضع مريح مقارنة مع باقي دول العالم ، ولكن مشاكل الفقر والبطالة موجودة ، وقد تحدث مفاجآت في اي وقت. ولذا فان علينا المحافظة على اليقظة والتحوط لكل الاحتمالات ، دونما فزع ولكن دون استرخاء غير مبرر ايضا.

ان الرائد لا يكذب اهله ، وقد حرص الملك على ان يصارح شعبه بالحقائق ، بعيدا عن اسطوانات التشكيك ، التي لا تستند الى حقائق منطقية ، ولكن بعيدا ايضا عن الاحلام الوردية ، التي يرسمها البعض للواقع الاقتصادي. وسيبقى وطننا بالف خير ، ما بقي ابناؤه متماسكين ، اسرة واحدة خلف قيادتنا الهاشمية ، وما بقوا منخرطين في العمل والبناء ، دون الالتفات الى اسطوانات التهويل من جهة او مسكنات التهوين من جهة اخرى.الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد