الهجرة والجنسية الأجنبية

mainThumb

09-05-2016 10:20 PM

لست نادما على ما أنا عليه وفيه ، فهذا من إختياري  وتنفيذا لقناعتي ‏وإنسجاما مع مبادئي وأفكاري ، فأنا أكره الغربة والأنانية والإنتهازية ، ‏والوصول إلى الأهداف بطريقة ملتوية ، وعلى حساب الآخرين .‏
 
كان بإمكاني وأنا في ريعان الشباب الهجرة  إلى الغرب والعيش بحرية ‏متناهية وبإنفتاح وأحظى برعاية رسمية ، كون هذا الغرب لا  يحاسب ‏على على آخر إسم في الهوية ، ولا على لون السحنة "البشرة" ، بل على ‏العطاء والإخلاص ، وأدعي أنني بفضل الله معطاء ومخلص ولدي أفكار ‏خلاقة.‏
 
وكان بإمكاني الحصول على جنسية أجنبية أخرى  ، أعتد وأتسح بها  ، ‏وتكون سيفا مسلطا بيدي على كل من تسول له نفسه ممارسة عقدة  ‏النقص لديه عليّ ،  وأن أعبر الحدود العربية معززا مكرما  ، يطلبون ‏مني الرضا خشية إبلاغ سفارتي "المفترضة" عن أمراضهم وسفالاتهم ، ‏وبالتأكيد سيكون عندي رصيد كبير من المال الحلال  مع حظوة  ، لكنني ‏لم أقم بالهجرة ولا بطلب الحصول على جنسية ثانية أجنبية بطبيعة ‏الحال.‏
 
كنت ولا أزال أؤمن أن الشباب هم عماد الوطن ، وهم وقود ومشاعل ‏ثوراته ، وتصحيح مساره نحو الأفضل ، لأننا نستحق  أفضل مما نحن ‏فيه وعليه ، ولذلك عمقت أوتادي في هذا الوطن لأجد نفسي في نهاية ‏المطاف ، غريبا  محروما  وحتى غير مرغوب فيه  ، لأنني أؤمن أن ‏الخط المستقيم هو أقصر الطرق والمسافات إلى الهدف ، وان الإنتماء لا ‏يقاس بالمغنم ، وأن الحياة  كفاح وجهاد.‏
 
ليس سرا القول أن من يهاجر  إنما يهرب من واقعه المؤلم ،  بسبب عدم ‏قدرته على المواجهة ودفع الثمن ، وأن من يحصل على جنسية أجنبية ‏أخرى إنما  يتقوى بها على وطنه ، ويحتقر جنسيته الأصلية ،  ومعروف ‏أن  أحدا لا يطلب جنسية بلد فقير  ولا ضعيف ، بل  يرومون إلى ‏الحصول على الجنسيات  القوية  حتى يعودوا بعد "تقييفهم " مسؤولين ‏وصناع قرار ، وينفذوا أجندة بلدهم الجدي ، وتكون علاقتهم بسفارة  ‏جنسيتهم الجديدة أقوى  واعمق من علاقتهم مع أي مؤسسة محلية ، بل ‏على العكس من ذلك ، إنهم يحتقرون  مؤسسات الوطن لأنهم  "أجانب " ‏وأي أجانب هم ؟
 
كنت أعتقد أن لي نصيب من  الثورة فانخرطت بها عن قناعة تامة  ‏وعلى هيئة متطوع ، لأنه لا يوجد أغلى من الروح ، باحثا عن مجد ‏الحياة بعد الموت ، وليس عن المكاسب والمغانم والمناصب ، وبرهنت ‏على ذلك بحمل السلاح في أصعب الأوقات ، لأكون بذلك زاوجت القول ‏بالعمل ، والنظرية بالتطبيق ، لكنني حصدت خيبة الأمل ، فلا الوطن ‏كان وطني ولا الثورة كانت ثورتي ، فالوطن  كان من نصيب ‏الإنتهازيين الذين يحسبون حركاتهم برمشة العين ، حتى لا تحسب عليهم ‏وتكون نقطة سوداء في ملفاتهم ، وهؤلاء بطبيعة الحال  ضاربو الجذور ‏في المجتمعات العربية  من خلال إنتمائهم  لعائلات برزت إبان  الحكم ‏العثماني أولا ، وقربها من الباب العالي بالآستانة  ، ومن ثم إنتقلت ‏بولائها وإنتمائها إلى أحضان سايكس – بيكو ، وقدمت الكثير من ‏التنازلات ، وراكمت مكاسبها ، وكانت مثل العهدة تتنقل  بين هذا  ‏المستعمر وذاك.‏
 
هؤلاء الذين أتحدث عنهم  هاجروا إلى الغرب ودرسوا بحكم إمكانيات  ‏ذويهم في أفضل الجامعات  وحصلوا على جنسيات أجنبية  ، وعملوا ‏على التشبيك مع أجهزة المخابرات  الغربية ، وعادوا إلى الوطن العربي  ‏قادة يرثون الأرض ومن عليها ،  ويتسلمون  المؤسسات الحساسة ‏برواتب خيالية ، وتتداور عليهم المناصب الكبرى  ، ولا يخضعون ‏للمحاسبة  ، لأنهم لا يعرفون معنى الشفافية  ، فهم فوق الشعب ‏ومصالحه ، بحكم انهم فوق القانون .‏
 
نحن في الأردن لسنا بمنآى عن هذه الظاهرة ، فازدواجية الجنسية  شائعة  ‏وها هي تحصل على المباركة بالقانون  وعن طريق البرلمان الذي ‏يفترض أن يكون منتخبا من قبل الشعب ، ويعمل من أجل الشعب وحماية  ‏مصالح الشعب ، لكنه ومع الأسف الشديد لم يتقيد بأصول اللعبة ،  ‏وسجل  مواقف حكومية أكثر من الحكومة نفسها .‏
 
وصل مزدوجو الجنسية عندنا إلى منصب رئيس الوزارء ، ولا أدري – ‏بل أدري – كيف يكون الشخص المزدوج منتميا لوطنه الأم ،  محبا ‏لشعبه الذي خرج من بين ظهرانيه ، بينما بلده الذي منحه الجنسية  خارج ‏نطاق إهتمامه ، علما انه ما كان ليصبح  مسؤولا كبيرا ، لولا أنه من ‏حاملي الجنسية الأجنبية المانحة المهيمنة. ‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد