هل يؤثر رحيل أوباما على الأزمة السورية؟

mainThumb

17-05-2016 08:05 PM

 الأزمة السورية الراهنة هي نتاج الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط، ذلك أن دمشق كانت تحدياً إقليمياً لأميركا وحلفاؤها، حيث كانت واشنطن تسعى إلى إسقاط نظام الأسد وإحداث الفوضى في بعض بلدان المنطقة، بدلاً من أن تبادر إلى تقديم أفكار إيجابية تسهم في حل الأزمة السورية، ذهبت إلى الحدود القصوى في التهيئة لتقسيم وتجزئة سورية، وفي هذا الإطار وضعت على جدول أعمالها تأجيج نار الحرب الأهلية، وبذلك أصبحت أمريكا لاعب أساسي في خلط الأوراق في البلاد لتصفية حساباتها مع الخصوم، فعلى ما يبدو إن الحرب المستمرة بكل تفاصيلها، وضعت المنطقة برمتها على صفيح ساخن جداً، وأمام مرحلة تاريخية جديدة،  يبادر فيها الغرب وحلفاؤهم التآمر على سورية التي أشعلوها مجدداً.

 

في سورية إتجهت أمريكا في المجالات الدبلوماسية نحو سياسات النفاق والخداع، فلم تخرج إستراتيجيتها عن تسليح المجموعات المتطرفة وأخواتها من جدول أعمالها، بينما تؤكد في بعض المحافل الدولية على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة، وقد أعلن البيت الأبيض مراراً أنه قدم الأسلحة للمعارضة المسلحة، ولتحقيق ذلك صادق الكونغرس علي مبالغ بهذا الخصوص، ومن جانب آخر أعلن أنه يقبل خطة جنيف3، ويسعى إلى وقف نزيف الدماء، ومثل هذه المواقف تشير إلى أن أميركا لا تعلم بالضبط ماذا تريد أن تفعل تجاه سورية، فطريقة تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الأزمة السورية كانت من أهم الأسباب التي أدت لإستشهاد مئات الآلاف في سورية، وبالتالي فإن سياسة أوباما حيال سورية تشبه سياسة سلفه بيل كلينتون تجاه البوسنة والهرسك.
 
في إطار ذلك لا يمكن أن نفصل ما يجري في سورية عما يحدث في العراق من تدمير ومن قضاء عليه كبلد عربي موحد، ولا يمكن أن نفصل ما يجري في سورية عما يجري في مصر أو ليبيا أو اليمن والصومال وغيرها، كما لا يمكن أن نفصله عن مخططات إشاعة الفوضى والصراعات الداخلية في الدول العربية، إذاً هو مخطط واحد يشمل المنطقة العربية كلها، وليس هناك من مستفيد منه إلا أمريكا وحلفاؤها والقوى الطامعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة، ولهذا ليس من الغريب أن نلاحظ أن أمريكا والغرب كلهم يقفون اليوم بكل قوة بجانب داعش والمجموعات المسلحة في الحرب التي تشنها على سورية، هم يفعلون هذا لأنهم يدركون أن هذه المجموعات المتطرفة تقوم بأحد الأدوار المهمة في مخطط الإبادة الأكبر للمنطقة العربية كلها، ولهذا فإن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية لإن سياستها لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها.
 
 اليوم تعتزم أمريكا والغرب التعويض عن خطأهما في سورية، ويحاولان تطويع الأزمة السورية عبر الصيغة الجديدة التي يريدانها، وبناءً على ذلك فإن إعتماد واشنطن لنهج جديد تجاه سورية لم يأت إختيارياً، بل هو أمر فرض عليها، وجاء نتيجة صمود الجيش العربي السوري ومن بعده محور المقاومة، ومما لا شك فيه أن المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، تواجه تحديات وتهديدات كبيرة أمام الرئيس الأميركي الجديد، بسبب نمو وتطور دول على حساب السياسة الأميركية التي رسمها الرئيس أوباما طيلة فترة حكمه للولايات المتحدة، ومنذ دخول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض سنة 2009 والسياسات الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط  مشتتة وغير مدروسة، بدليل أن دول الشرق الأوسط اتجهت نحو وضع أكثر فوضوية، وتتلخص هذه السياسة إلى خسارة واشنطن لمصداقيتها، وخسارة لقب ما هو أهم بان أميركا هي القوة العظمى في العالم، إضافة إلى التهديدات الكاذبة لأوباما التي صدع رؤوسنا بها في المنطقة، لذلك لا يجب أن يدفع خطابات المرشحين الأمريكيين في سباق الرئاسة، دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون، إلى الاعتقاد بأن ثمة إختلافاً في السياسة الأمريكية الرسمية الخارجية، لمن سيتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، فقد يكون صحيحاً وجود بعض الهوامش، لكن السياسة الأمريكية الإستراتيجية واحدة، وهي الدعم المطلق لإسرائيل والحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري، ويتضح ذلك من خلال إعتبار كلينتون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، أما ترامب الذي يعادي المسلمين في أمريكا، فقد أصدر في عام  2013 شريط فيديو يساند فيه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، أثناء الانتخابات الإسرائيلية ودعمه فكرة " الدولة اليهودية" ، لذلك فإن النقطة الرئيسة، تتمثل في أن السياسة الأمريكية لا يتخذها أفراد، بل هي نتاج تفاعل بين مؤسسات مختلفة تعبر عن ميزان القوى داخل النخبة الحاكمة فهي نخبة لا فرد واحد، بالتالي نلاحظ أن السياسة الامريكية على المستوى الإستراتيجي تتسم بنوع من الاستمرارية والديمومة ومن ذلك الإلتزام بأمن وتفوق الكيان الصهيوني لذلك لا نتوقع أي تغير في السياسة الأمريكية، والمتابع لسياسة أمريكا تجاه سورية خلال الأزمة، يجد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة اعتمدت سياسة إشغال وإستنزاف، فما أن تهدأ جبهة مواجهة حتى يفتحوا له أخرى، كي تنصرف عن الإهتمام بالتطور وإمتلاك القوة.
 
مجملاً...إن أمريكا المسؤولة عن شن ما يزيد على الأربعين حرباً وغزواً في المنطقة والمساهمة في تخريب وتقسيم البلاد العربية وهي صاحبة القواعد العسكرية المتناثرة كالبثور على وجوه بلدان العالم من اليابان الى دول الخليج مروراً بالعراق، عادت إلى المنطقة لتخوض الحرب عبر وكلائها الإقليميين، وقد إخترعت حجة القضاء على الإرهاب كما تدعي لتجرب أسلحتها الشيطانية على الشعوب العربية، وبإختصار شديد، أنه في الإستراتيجيات الأمريكيه يفوز من يفوز فمسلسل الحروب على الأمه العربية مستمر حى يومنا هذا وهي مزروعة في سورية وتوجهها كما تشاء ووفق مصالحها ومصالح حليفتها المدللة إسرائيل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد