الشرق الاوسط الجديد .. آخر طبعة .. إلى أين؟

mainThumb

22-11-2009 12:00 AM

أولويات الغرب حيال دول المنطقة تتغير على الموضة, فيما تبقى إسرائيل مزروعة قنبلة موقوتة في قلب العالم العربي والفلسطينيون يطاردون سراب دولتهم.

في السياق تتغير المقاربات من التواطؤ المعلن سابقا مع الأنظمة الشمولية لحماية مصالح الغرب (قبل زلزلة 2001) - بصرف النظر عن أساليب الحكم- إلى حملات إدارة المحافظين الجدد المشبوهة (2000-2008) لنشر الديمقراطية على المقاس الأمريكي.

اليوم, تدخل دول ما يعرف بالاعتدال العربي أتون حرائق سياسية في الاقليم, من دون ضمانات أو معاطف واقية, بعدما انقلب عليهم سحر تحالفهم مع الإدارة الأمريكية السابقة والحالية في سعيها الشعاراتي لبناء شرق أوسط جديد يسوده الأمن والاستقرار والحاكمية الرشيدة منذ سقوط بغداد عام .2003

مؤشرات إنزلاق المنطقة صوب الهاوية تزيد. فالقادم أسوأ, يهدد أمن الدول واستقرارها وأحيانا وحدتها.

المؤسف أن الدول العربية الضحية لا تتحرك بمستوى التحديات التي تهدد بزعزعة استقرارها.

كان هدف التحالف الذي قام عقب الاطاحة بنظام صدام حسين البعثي خدمة المصالح الاستراتيجية المشتركة من خلال حل شامل للصراع في المنطقة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية, مقابل ضمانات أمنية عربية واعتراف بحق إسرائيل في الوجود, كبح جموح إيران النووي, ومكافحة استهداف الارهاب القاعدي.

عمل العرب المستحيل لدعم الأهداف الكبرى. لكن سلسلة الحماقات التى ارتكبتها إدارة بوش تجاه ملفات المنطقة, بدءا بأفغانستان وانتهاء بالعدوان الإسرائيلي على غزة أفشلت المخطط الشمولي. والأهم, فقدت واشنطن قدرتها على التأثير في المنطقة لعشرات السنوات المقبلة لمصلحة قوى إقليمية ناشئة باتت تذرع ملعب الشرق الأوسط بلا منازع.

إذا, إنقلبت موازين القوى رأسا على عقب. فتح سقوط بغداد الباب أمام تمدد إيران تحت أنف أمريكا التي أضحت رهينة في مستنقع بغداد.

حرب غزة كانت آخر الشطحات الإسرائيلية التي لم يستطع ساكن البيت الأبيض السابق إيقافها فورّت مدخلا للفتي العثماني (تركيا), بعد أن كانت على مقاعد الاحتياط.

فها هو ثالوث أنقرة-طهران-تل ابيب غير المتجانس يمعن في تطويع ملفات الشرق الاوسط العالقة, لتقوية نفوذ أضلاعه, على حساب مصالح أمريكا وحلفائها الرئيسيين السعودية, مصر, الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

مهانة أمريكا تجلّت في إخفاقها في انتزاع موقف إسرائيلي "غامض وخلاّق" لوقف بناء المستوطنات في الاراضي المحتلة, حتى ولو لحفظ ماء وجه حلفائها العرب المحبطين والمتشائمين, حالهم حال العملاق الاوروبي; المحصور دوره في تمويل إقامة كيان فلسطيني هزيل لحماية أمن إسرائيل, بعيدا عن المشاركة السياسية الفعاّلة.

إسرائيل تقرر اليوم مصالح أمريكا الاستراتيجية في الشرق الاوسط الجديد وتحدد أجندتها.

بالتزامن, يلوح في الافق مشروع فشل أمريكي مماثل في أفغانستان والباكستان التي دخلت معركة العرقنة, ما سيشل حراك أوباما في بؤر توتر أخرى ويفتح الباب أمام ايران وقوى أقليمية اخرى للدخول على خط ملف إدارة الصراعات هناك.

واشنطن لم تلعب بنزاهة بل تخبطت في الشرق الاوسط الجديد, وكذا في أفغانستان وباكستان.

بغداد فقدت دورها للأبد كعاصمة محورية في الصراع العربي-الاسرائيلي وفي وقف أطماع ملالي طهران التوسعية وسط احتمالات عودة مؤشر العنف للتصاعد هناك مع اقتراب موعد الانتخابات.

الرياض خسرت امكانية ان تكون القوة الخليجية السنيّة القوية القادرة على التصدي لأطماع طهران, أقلّه في الملفين العراقي واللبناني. تراجع دور السعودية بطريقة سمحت لإيران بالتطاول على حدود المملكة مباشرة عبر استخدام حصان طرواده ممثلا بجيب التمرد الحوثي في اليمن.

مثل هذا الاختراق يضع أغنى الدول العربية بين فكي كماشة, إذا أخذنا حجم النفوذ الإيراني على الساحة العراقية.

مصر المتجندلة بحكاية التوريث تواصل احتكار ملف السلام من الباب السياسي الأمني الضيق لخدمة مصالحها. خسرت القاهرة دورها الاقليمي في كل الملفات, وقد تخسر دورها في الملفات الافريقية الرئيسية بما فيها مستقبل السودان ومصالحها في مياه النيل.

يفقد عباس مستقبله السياسي لمصلحة التشدد. وهو يقرر التراجع لكي لا يذكر في كتب التاريخ أنه الزعيم الذي باع القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين عبر القبول بدولة فلسطينية هزيلة بعد أن قطع سرطان الاستيطان اوصالها الجغرافية لتضحي بلا سيادة ومن دون قدس شرقية وحق عودة للاجئين. ببساطة أعلن انه لن يترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة - رغم التخوفات المشروعة من أنها لن تجرى ما لم يتم التوصل الى مصالحة فلسطينية.

الرئيس الفلسطيني سعى لحشد تأييد لجنة مبادرة السلام العربية خلال اجتماعها الطارئ الأسبوع الماضي من أجل تحويل ملف إقامة الدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن في "الوقت المناسب". لكن العرب لم يحددوا كيفية إدارة هذا الملف في المجلس. الهدف الفلسطيني يتحول الآن للفوز باعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطينية ضمن خطوط 1967 مع تبادل أراض محدود ومتساو في القيمة والمساحة; وقدس شرقية عاصمة للدولة وعدم مشروعية الاستيطان مع حل قضايا الوضع النهائي.

لكن ذلك الرهان في الوقت الضائع لن يثمر في غياب حد أدنى من الضمانات بأن امريكا وأعضاء آخرين في مجلس الامن لن يرفعوا ورقة الفيتو ليجهضوا الحلم الاخير بتحديد حدود الدولة الفلسطينية. وقد يؤثر مشروع استصدار هكذا قرار عواقب على مضمون ومآلات اكثر من 15 قرارا صدرت عن المجلس منذ 1967 بدءا باعتبار الاستيطان غير مشروع, بما في ذلك القدس الشرقية مرورا بقراري 242 و338 المتصلين بمبادلة الأرض بالسلام.

واليوم يقر الاوروبيون في اجتماعاتهم المغلقة بأن نافذة السلام ستغلق خلال أسابيع قبل ان تنتقل لعبة "وهم السلام" إلى مربع آخر قد يكون مليئا بالعنف. وهم يعملون, حالهم حال العرب المتأذيين مما آلت إليه الاوضاع في منطقتهم, لقطع السبل على سيناريو الكارثة من خلال محاولة إنقاذ عملية السلام وإنعاش المفاوضات. وثمّة محاولات لحشر حكومة اليميني المتشدد بنيامين نتنياهو, وفتح الباب أمام استئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية لاستعادة الجولان, ضمن معادلة إقليمية تتضمن قبول إيران بالعرض الأخير حول تخصيب اليورانيوم تحت إشراف دولي.

فرنسا بالتحديد تعمل المستحيل لكسر الجمود واستئناف المفاوضات عبر استضافة قمة بين عباس ونتنياهو, وبمشاركة أمريكية أساسية مع سائر أطراف الرباعية الدولية وقيادات مصر والسعودية.

لكن الفلسطينيين لن يذهبوا الى مغامرة أخرى من دون توفر الحد الادنى من الشروط; وقف كامل للاستيطان. الخيارات الفلسطينية الأخرى مثل العودة للنضال الشعبي او إعلان دولة فلسطينية من جانب واحد او المطالبة بدولة واحدة ثنائية القومية تحمل ملامح فشل أكثر من النجاح.

حلفاء أمريكا باتوا في معسكر الخاسرين لأن زعيمهم الأوحد فشل. انقلبت الآية اليوم. سورية بقيادة بشار الاسد خرجت من العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضت عليها خلال السنوات الخمس الماضية لوقوفها في خندق محور الممانعة بقيادة إيران, وتحولت الى الطفل المدلل لأوروبا وأمريكا. الأسد يستغل اليوم اهمية بلاده كنقطة ارتكاز لسياسات طهران وانقره في المنطقة لحماية مصالحه الاستراتيجية. وهو يلعب بأوراق رابحة على جميع الجبهات.

حتى السعودية انقلبت على نفسها وزحفت صوب سورية بعد ان بلعت موسى الاهانة العلنية التي وجهها الأسد لقياداتها عندما وصفها ضمنا ب¯ "أشباه رجال" خلال خطابه الشهير في ذروة حرب إسرائيل على لبنان صيف .2007 في زيارته الأخيرة لفرنسا, لم يعط الرئيس الاسد نظيره الفرنسي نيكولاي ساركوزي مواقف واضحة حيال المسار السوري - الإسرائيلي المعطل, أو بالنسبة لحلفه مع طهران. أصر على إفهام ساركوزي أنه يفضل الإبقاء على الوسيط التركي في الاتصالات بين دمشق وتل أبيب بدلا من الوسيط الفرنسي الذي يفضّله نتنياهو, وانتقد تعامل اوروبا مع الملف الإيراني.

واشنطن في مأزق مع عرب الاعتدال بسبب انسداد أفق رهان السلام. ولكي تحافظ على شعرة معاوية مع هذه الدول, ستضع ملف الإصلاح السياسي والحريات على الرف. وستسمح بمشاريع تجهيز خلافة جمال مبارك, نجل الرئيس المصري حسني مبارك, من دون عرقلة.

ومن الواضح أن القيادات ستحصد النتائج على حساب الشعوب المقهورة.

فهل ترفض دول "الاعتدال" بقائها كجزء من استراتيجية أمريكا الشرق أوسطية التي تحددها إسرائيل؟ وهل ستتجه لتحديد اولوياتها وحماية نفسها وشعوبها من حرائق الاقليم عبر اصلاح ما أفسده الدهر بينها وبين جبهة الممانعة؟

ننتظر لنرى; والجواب معروف.

العراق, لبنان, فلسطين واليمن باتت قابلة للقسمة من خلال الجيوب التى تستعملها ايران. وأي بلد عربي لن يكون عصيا على الاختراق عبر مكوناته الدينية او العرقية بعد اليوم.

فالمثل الانجليزي يقول "تحتاج لحجر واحد ليبدأ الإنهيار". ذلك الحجر كان إزاحة صدام حسين لمصلحة القوى الطامعة من إيران إلى إسرائيل.

لماذا لا يواجه عرب "الاعتدال" واشنطن ويعلنوا الانسحاب من اللعبة, لأنهم يشعرون بأن أمريكا لم تعد بحاجة إليهم؟ لماذا لا ينسحبون ويتركون أرقام هواتفهم في البيت الابيض حتى يتصل معهم حين تشعر أمريكا أنها بحاجتهم لدعم الاستقرار في المنطقة. فواشنطن تحتاج العرب لتأمين مصالحها الاقتصادية من خلال النفط, والسياسة وملفات إيران والارهاب. والعرب يحتاجون واشنطن لدفع السلام. لماذا لا يلعب عرب الاعتدال مع واشنطن ويتدللون عليها كما تفعل إيران وتركيا وسورية وإسرائيل, التي تتجرأ في لفظ كلمتي نعم ولا بأريحية تامة حسب مصالحها من دون ان تخشى العقاب.0العرب اليوم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد