العشائرية .. فقدت وسمها

mainThumb

04-06-2016 01:05 PM

 حتى نكون واضحين يجب أن نفصل بين انتماء الاسم والانتماء العملي للعشائرية، بمعنى آخر ماذا يترتب اجتماعيا وسياسيا عليك اذا كنت تحمل اسم عشيرة معينة، هل يكلفك شيئا، أم أنه وسم فقط يميزك عن الآخر، وهذا يقودنا الى السؤال: هل العشائرية الآن هي العشائرية القديمة؟! وهل يمكن أن يجتمع أفراد عشيرة لا يلتقون -حتى على الفيس بوك- على رأي واحد؟!! ثم ما هو الرأي الذي سيجتمعون عليه؟ هل هو أمر يتعلق بالسياسة، أم بالأمور الاجتماعية، أم بالاقتصاد؟ بمعنى هل للعشيرة رئيس، وهل لها مصالح اقتصادية، -كالحلال والمرعى والماء في النمط القديم- بالعكس لا يوجد شيء من هذا!!.

 
استجدت أمور كثيرة  على الوضع العشائري من أيام نشوء الدولة الحديثة  الى الان، لكن التعامل هو، هو،  فتأثير الأنظمة القائمة في العالم العربي على العشائرية كان كبيرا،  حيث فرغت هذه الأنظمة العشائرية من مضمونها، وأصبحت شكلا خاليا من المضمون، تحركها الحكومات حسب مصالحها، حتى أن الحكومات تمتلك أشخاصا يحملون أسماء عشائر تستخدمهم في الوقت الذي تريده و للأمر الذي تريد، ومعظم أفراد العشيرة لا يعلمون أو يمكن ان يكون لهم رأي مخالف لما أرادته الحكومة فأخرجته على ألسنة أبناء الحكومة الذين يحملون اسم عشيرة معينة..
 
عمليا لم يعد هناك عشائرية بالمفهوم التقليدي، ما بقي هو اسم يحمله عشرات المئات من الناس، لكن هذا الاسم لا يفرض عليهم قانونا ولا عرفا معينا ولا حتى آداب معينة فرضتها العشيرة، من خلال لقاءات وتعهدات ضمنية ومثل أعلى يشيعة نمط الحياة السائد في العشيرة، وهذا ما كان يحصل في العشائر عندما كانت تعيش في بيئة مغلقة بعيدة عن الاختلاط، ولا يوجد تواصل مع مجتمعات أخرى يُحدث تأثيرا، ولا يوجد استقلالية للفرد بسبب نمط العيش، كما يحصل الآن في مجتمعاتنا، فالفرد الآن مرتبط بالدولة وليس بالعشيرة من خلال العمل وموارد العيش، والعشيرة ليس لها أثر في هذا المجال، ففرغت العشيرة من مضمونها كنمط عيش كان يسود في بيئة معينة، فرضت قوانينها وأعرافها ومُثلها على الفرد فصار الفرد يدور مع العشيرة كيفما تدور.
 
ما يحصل الآن مع الانفصال بين الشكل والمضمون للعشيرة، هناك تعدٍ من الحكومة على أشخاص كثيرين يحملون اسماء عشائرية معينة بحيث تفرض عليهم عيش نمط عشائري غير موجود ولا يشعر به الناس، سوى أن هذا النمط يخدم الدولة في تفريق الناس ليسود أصحاب القرار.
 
أمر آخر هو استغلال أصحاب الأهواء والباحثون عن دور دون أدوات، والحالمون بالتقرب للدولة لسيودوا على الناس بدون وجه، أقول يستغلون العشائرية، لأنها هي طريقهم الوحيد الى طموحاتهم...
 
ومن المآخذ على العشائرية الآن وتستخدمه الدولة كثيرا هو أن يأتي شخص واحد ودون علم الجميع، ويدعي أنه يتكلم باسم عشيرة، سعيا وراء مطلب شخصي، ويرفع صوته مدعيا أنه هو العشيرة والعشيرة هو، وتتناقل وسائل الاعلام صرخته بأنها صرخة نصف مليون شخص يمثلهم، وهم في الحقيقة لا يعبؤون به ولا بصرخته الشخصية..
 
وحتى لا نقع بما يسمى انفصام الشخصية يجب أن نقر ونعترف أننا أصبحنا مجتمعات مدنية، وأن النمط العشائري صار من الماضي، وأننا نخضع لقوانين دولة، ويبقى اسم العشيرة نسبا محترما نعتز به، لكن علينا أن نعترف أنه يقتصر على الأمور الاجتماعية فقط، ولا يتعداها الى أبعد من ذلك، حتى لا يبيع ويشتري بنا المغامرون، والدول التي تلوح لهم بالأماني..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد