متاهة المعارضة السورية وتقلبات أردوغان

mainThumb

17-08-2016 10:47 AM

رغم كل ما ينشر هذه الأيام من تسريبات تشير إلى دور تركي- غربي داعم للجماعات الإسلامية المسلحة بهدف إسقاط نظام الأسد وإثارة الفوضى والقلاقل في المنطقة، فقد لعبت تركيا وحلفاؤها على دعم هذه الجماعات تحت حجة دعم الثورة في سورية، وهلل الكثير من المعارضين لتدفق الجهاديين والجماعات المتشددة الذين قدموا الى سورية لكي يسقطوا السلطة هناك، إلا أن الدور الذى قامت به أنقرة في مساندة هذه الجماعات في سورية مسجل ومعروف لدى الكثيرين، وفى نفس الوقت كان الجنرال هرتزي هاليڤى رئيس المخابرات الإسرائيلية قد صرح منذ أيام قليلة بأن إسرائيل وحلفاؤها لا تريد أن ينتهي الوضع فى سورية بهزيمة لداعش وأخواتها، لأن ذلك سيجعل إسرائيل تواجه محور المقاومة وحدها، ومن هنا فإن هذه الدول ستفعل كل ما فى وسعها للحيلولة دون القضاء على داعش وأدواتها في سورية، ولكن كل هذه الأوهام تلاشت وإنهارت لأن الجيش السوري إستطاع  كسر شوكة داعش في معظم المدن السورية.
 
صدمة شديدة تلقتها المعارضة المسلحة وداعميها عندما شاهدوا الرئيس أردوغان في روسيا، وهو يصف الرئيس بوتين بالصديق الوفي، ويوجه إليه عبارات التعظيم، ويسعي إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وتعميق أواصر الصداقة والتعاون معها، بالإضافة إلى إنشاء مشروعات إقتصادية كبيرة تزيد من تلك الروابط، بل تحدث أردوغان عن التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب  وخاصة الجهاديين وأدواتهم في سورية، كما سبق للمعارضة ان بررت التقارب والخطاب الودي الذي أرسله أردوغان إلى بوتين بأنه نوع من الخداع الإستراتيجي للأعداء من اجل تحقيق المصالح، ولا يعبر عما في قلبه ووجدانه، لكن المأزق الأصعب، وليس من السهل تمريره باسم الخداع، هو أن المعارضة المسلحة تقاتل في سورية إلى جانب الجهاديين والمجموعات المتطرفة الأخرى، في حين أن روسيا وإيران تقف الى جانب النظام السوري، وتقاتلان القوى المتطرفة وأدواتهم ، للقضاء على الإرهاب وإجتثاثه من جذوره.
 
في الاتجاه الآخر تجاهلت هذه المعارضة بكل فئاتها، زيارة أردوغان إلى روسيا ولقاءه الرئيس بوتين، ضمن إجراءات تركيا للتقرب مع روسيا بعد حالة التوتر التى شهدتها العلاقة بين البلدين، إثر قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية وإختلاف المواقف تجاه الأزمة السورية، المثير فى الأمر أن المجموعات التى كانت تشن حملات هجوم ضد روسيا وقرارها بالتدخل فى سورية ومنطقة الشرق الأوسط، لم نسمع لها صوتاً على الإطلاق بعد لقاء بوتين وأردوغان ولم تعلق بأي بيان أو  حديث حول وصف أردوغان للرئيس الروسى بالصديق العزيز والوفي، وهو أمر يكشف حالة الخلل والتناقض الشديدة التى تعيشها هذه االمعارضة، فالتنظيم والمجموعات المسلحة وأعوانها لا يتخذوا أي موقف إلا بحثاً عن مصالحهم و أهدافهم التي تثير الجدل، وبالتالي فإن المعارضة السورية لا تملك القدرة على مهاجمة أردوغان كونها فى حمايته في تركيا والممول الأساسي لها.
 
كما أن الإجراءات التى يتخذها حالياً أردوغان للإنتقام ممن حاولوا الإنقلاب عليه وإهتمامه بالشأن الداخلي لبلاده ألقى بتداعيات سلبية على صفوف المعارضة المسلحة التي كان يدعمها داخل سورية حيث أصبحت هذه الجماعات تعاني من إنتكاسات كبيرة نتيجة تراجع الدور التركي في دعمها، ويتجلى ذلك من خلال قيام تركيا بإغلاق معبر باب الهوى الحدودي، والذي يعد طريقاً رئيسياً فى توصيل المؤن  والإمدادات العسكرية للأراضي السورية التي تسيطر عليها هه الجماعات، فضلاً عن سحب الحكومة التركية كل ضباط مخابراتها الكبار الذين كانوا يعملون وينسقون مع فصائل المعارضة السورية في منطقة حلب وريفها، الأمر الذي يعكس وجود خلافات شديدة بين هذه الحكومة والفصائل المسلحة، وربما كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري التي قد تظهر مؤشراته ودلالاته في الأيام القليلة المقبلة، كما أن برود وفتور  العلاقات التركية الأمريكية الغربية ساهم فى إضعاف التحالف الخارجي الذي يدعم صفوف المعارضة المسلحة.
 
من دون أدنى شك إن سورية بحاجة بدلاً من العنف والسلاح إلى إصطفاف وطني من قبل كافة أبنائها لمواجهة التحديات الراهنة، وإسقاط جميع المصالح الشخصية في سبيل تحقيق مصالح الوطن العليا، ولهذا فإن  نافذة الحوار لم تغلق في أي يوم أمام أي طرف كان بما فيه أولئك الخاطئون الذين ظلت الدولة تتلمس لهم الأعذار بدافع الحرص على أن يظل باب التوبة مفتوحاً أمامهم، لذلك مدت يد التسامح والعفو لكل المخطئين طالما عزموا على تصحيح أخطائهم وخطاياهم بإستثناء الذين ركبوا موجة القتل والتدمير، لذلك فإن المصالحة الوطنية الشاملة والدائمة أصبحت ضرورة حتمية تفرضها المرحلة وتستدعيها مجمل التحديات التي تواجه البلاد، من أجل ذلك يجب التوجه لإعلان مصالحة وطنية شاملة فيما بينها حيث سيكون لهذا الإعلان أثر ايجابي مهم في تهدئة النفوس وتهيئة الأجواء المناسبة لتنفيذ مخرجات الحوار.
 
مجملاً... إنه لا مستقبل للجهاديين والغرباء في حلب أو أي مدينة أو قرية في سورية وأن المعركة سيحسمها عاجلاً أم آجلاً الجيش السوري وحلفاؤه، وعندئذ  يمكن لأردوغان أن يعلن خسارة المجموعات المسلحة ويدعو إلى مفاوضات جادة بين المعارضة والدولة السورية، ويغير من مواقفه، وهو متيقن كل اليقين بأن الهجوم الأخير على حلب أدى إلى إنهيار المجموعات المسلحة وقادتها، وهذا  يؤكد بأن سورية جادة في إستمرارها في الحرب على الإرهاب بالتعاون مع حلفاؤها، كما أن الجيش السوري سيحسم معركة حلب قبل وصول وزير الخارجية الأميركي إلى أنقرة، لقطع الطريق أمام أي بازار سياسي يمكن لتركيا أن تمارسه مع واشنطن تجاه سورية، وخاصة فيما يتعلق بالملف الكردي، وبإختصار شديد، إن المهتمين بالشأن الدولي يرون أن الحالة العامة التي تسود المشهد السوري حالياً تسيطر عليها أجواء الإحباط لدى المعارضة وهذا ما يؤكد إنتهاء اللعبة بالنسبة للمعارضة المسلحة، خاصة بعد أن قررت تركيا تغيير إستراتيجيتها في سورية، بالتخلي عن الدعم المباشر للجماعات المسلحة المعارضة لحكومة الرئيس الأسد.
 
 وأختم بالقول، إن سورية عصية على السقوط ولن تكون موطناً وبيئة حاضنة للإرهاب، وعليهم مراجعة حساباتهم ومراهناتهم الخاسرة طالما أن الجيش السوري يفترش الأرض بدماء شهدائه في سبيل ان تبقى راية سورية عالية خفاقة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد