ترامب وإيران: سياسة وقيم

ترامب وإيران: سياسة وقيم

07-02-2017 11:20 AM

 لم تتصرّف الولايات المتّحدة تصرّف الملائكة في الحرب الباردة. دعمت أنظمة عسكريّة وشجّعت انقلابات ومؤامرات، وانعكست الحرب الباردة وهستيريا مكافحة الشيوعيّة على ديموقراطيّتها نفسها، بدليل الظاهرة المكارثيّة في أوائل الخمسينات، وتوسّع وكالة الاستخبارات المركزيّة وتعاظم نفوذها، ونشوء «المجمّع الصناعيّ العسكريّ» الشهير الذي حذّر منه دوايت أيزنهاور...

 

طبعاً كان من المستحيل خوض الصراع ضدّ الاتّحاد السوفياتيّ بسياسة تستلهم الملائكة والقدّيسين، هو الذي سحق ألمانيا وبولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وأخضع مئات الملايين في أوروبا وآسيا لعبوديّته الحديثة وعبوديّة الأنظمة التي قامت على غرار نظامه. مع هذا، يصعب القول إنّ السياسات الأميركيّة المناهضة للسوفيات تستحقّ أن يُفتخَر بها ويُهلّل لها. لكنْ في الحساب الإجماليّ، كان الوقوف في صفّ الولايات المتّحدة وقوفاً مبدئيّاً في صفّ الحرّيّة والديموقراطيّة، قياساً بالخصم السوفياتيّ التوتاليتاريّ. هذا بالنسبة لمن تعنيهم القيم أكثر ممّا تعنيهم الصراعات القوميّة، وينحازون أساساً تبعاً لطبيعة الأنظمة السياسيّة بوصفها حاملة للقيم ومعبّرة عنها.
 
تُستعاد هذه المقارنة اليوم فيما الولايات المتّحدة، في ظلّ دونالد ترامب، مرشّحة أن تشتبك مع إيران، إن لم يكن عسكريّاً، فبضراوة سياسيّة واقتصاديّة، وعبر وسائط وأطراف ثالثة في العراق وسوريّة واليمن، وربّما لبنان. والوجهة هذه ينمّ عنها فرض وزارة الخزانة الأميركيّة عقوبات اقتصاديّة أخرى على طهران، إثر إطلاق الأخيرة صاروخها الباليستيّ الموصوف بـ «الاستفزاز»، واعتبار وزير الدفاع الأميركيّ الجديد جيمس ماتيس أنّ إيران «الدولة الأكثر رعاية للإرهاب في العالم»، ثمّ إجراء مناورات عسكريّة إيرانيّة مصحوبة بتهديد ووعيد من طينة الصراخ الكوريّ الشماليّ، وأخيراً نشر واشنطن المدمّرة «كول» قبالة الساحل اليمنيّ حماية منها لـ «حرّيّة الملاحة في مضيق باب المندب».
 
أمّا أن تكون إيران عدوانيّة ومخيفة لمحيطها، فهذا من تحصيل الحاصل، وهو ما باتت تشهد عليه قائمة طويلة من البلدان والمآسي. لكنّ المنطقة، بقواها المنهَكة أو الرثّة، لا تملك اليوم أسباب القدرة على الإفادة من صراع ترامبيّ – إيرانيّ، يعدّل توازنات القوى لمصلحة شعوبها، فيما يملك صراع كهذا كلّ أسباب القدرة على انتهاك المنطقة وتجديد انتهاكها، قهراً للبشر وتدميراً للأرض والثروات.
 
أبعد من ذلك، وعلى عكس تجربة الحرب الباردة، لا تحمل الترامبيّة، في صراعها مع العدوانيّة الإيرانيّة، أيّ بُعد قيميّ. فهي أصلاً تنفي عن نفسها «تهمة» تمثيل الديموقراطيّة الليبراليّة في مواجهة الاستبداد الدينيّ، أو الانتصار لمثالات تقدّميّة وتحرّريّة، كالإسهام في تمكين الشعوب المقهورة حيال القهر الذي تُنزله بها إيران. فهنا، لسنا أمام عناوين تشبه تحرير الكويت من صدّام، أو منع المجزرة عن أكراد العراق، أو مساعدة النساء الأفغانيّات فيمواجهة الظلاميّة والتخلّف. وفي حدّها السياسيّ الأقصى، ستكون الحملة الترامبيّة محكومة بمعادلة «الحرب على الإرهاب»، تعديلاً لمعناها أو توسيعاً له. وهو مفهوم شديد الالتباس ومتناقض المردود، لا تزيده طبيعة أصحابه إلاّ التباساً وتناقضاً.
 
فهي، إذاً، صراعات تُلتقط بأطراف الأصابع، وقد يجوز القول إنّ ما نعيشه لوحة مكبّرة عن صراعات بائسة حُكم على المنطقة أن تعانيها: بين بشّار الأسد و «داعش» مثلاً، أو من قبل، بين حافظ الأسد وصدّام حسين. والحماسة لصراعات كهذه، ناهيك عن الانجراف فيها، مكلفة وخطيرة. وهي، في حالة ترامب تحديداً، تهدّد بتوسيع المسافة التي تفصلنا عن كلّ من هو تقدّميّ ومستنير في العالم، لأنّ كلّ من هو كذلك منشغل بالحدّ من أذى ترامب. ويمكن قول الشيء نفسه عن حالات مماثلة محتملة، كأنْ تنشأ حماسة لترامب استناداً إلى أنّ ستيف بانّون كاره لليهود! وهذا يرشّحنا من جديد لدخول نادي الخاسرين في غد بعيد أو قريب، تماماً كما حصل مع الانتساب السابق لنادي بريجنيف، والانتساب الأسبق لنادي التعاطف مع الفاشيّات الأوروبيّة.
 
فمن دون نموذج ونظام قيم أرقى، لن يكون الانجراف في مواجهات، كالمواجهة الترامبيّة – الإيرانيّة، إلاّ استنطاق الثأريّة فينا، مرفقاً بإحكام العزلة علينا، فضلاً عن حصاد تدميريّ واسع يُضاف إلى كلّ ما حصدناه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

الأمن العام : مدافئ الشموسة أداة قتل داخل منازلكم

وزير الشباب: المنتخب الوطني قدّم أداءً مميزًا في مواجهة المغرب

السلامي: ولي العهد أخبرني بأن الملك سيمنحنني الجنسية الأردنية

ترامب يقول إنه سيلتقي نتنياهو “على الأرجح” في فلوريدا

الحوثيون يعتقلون عشرة موظفين يمنيين إضافيين في الأمم المتحدة

البوتاس العربية" تهنّئ المنتخب الوطني لكرة القدم بحصوله على لقب وصيف كأس العرب

الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع عقب موجة قرارات البنوك المركزية

علي علوان يفوز بجائزة هداف بطولة كأس العرب

الملكة تشكر النشامى .. "أداء مميز طوال البطولة"

احتفالات صاخبة في شارع محمد الخامس بالرباط بعد تتويج المغرب بكأس العرب 2025 .. فيديو

الملك يشكر النشامى .. "رفعتوا راسنا"

منتخب النشامى وصيفًا لكأس العرب 2025 بعد فوز المغرب في النهائي المثير بلوسيل

إحالة 16 موظفا في الإدارة المحلية إلى التقاعد

الأردن والمغرب إلى الأشواط الإضافية بعد تعادل مثير 2-2 في نهائي كأس العرب 2025

النشامى يتقدمون على المغرب بهدفين مقابل هدف