الشعبوية في خطاب تجمعات الإسلام السياسي.

mainThumb

30-03-2017 12:37 PM

 قد يكون العنوان غير مناسب  من حيث الأساس إذ أن الشعبوية هي صناعة غربية من حيث النشأة والنمو ولا زالت تضرب الدول الغربية بعنف وكانت أخر تجلياتها صعود دونالد ترامب إلى السلطة ،  لكن نكتب هنا عن  الشعبوية في خطاب الإسلام السياسي للقناعة أن الإسلام السياسي لا زال في حالة صعود شعبي في المنطقة العربية رغم النكسات التي تلقاها في ظل الربيع العربي والثورات المضادة  ،ولوجود مسحة ظاهرة من الفكر الشعبوي ينظر بها البعض في الأوساط الإسلامية السياسية،   نكتب هنا لمعالجة الظاهرة والتحذير منها وترشيد  الخطاب ليختصر على الشعوب  المنطقة مزيد من ضياع الوقت وهدر الطاقات الذي تسبب بها الخطاب الشعبوي اليساري القومي في منتصف القرن الماضي إذ قدم نماذج قيادات شعبوية  صارخة  فمنظر الشعبوية الأول في القرن الماضي ونجمها كان الرئيس جمال عبد الناصر الذي  بخطابه الشعبوي واحترافه في هذا الخطاب استطاع إخراج الجماهير تهتف باسمه حتى بعد هزيمة حزيران عام 1967 وكذلك الأمر في  خطاب الرئيس العراقي صدام حسين وظهرت اكبر تجلياته في خطاب  وزير الأعلام محمد الصحاف في حرب الخليج عام 2003 

 

الشعبوية هي خطاب سياسي يقوم على إقناع الآخرين بناء على مخاوفهم وقناعاتهم السياسية السابقة ودغدغة عواطف الجماهير لكسب تأييدها في الوصول للسلطة  وهي تختلف عن الشعبية التي تعتمد على استمالة الجماهير بناء على ما يحمله الخطاب من أرقام ومعلومات وخطط وبرامج  مادية محسوسة .
 
يتميز الفكر والخطاب الشعبوي بملامح عدة إذ غالبا ما يقوم على هذا الخطاب أشخاص يمتازون بالكاريزما العالية جدا  ، كما انه خطاب شديد السطحية لأكثر القضايا  تعقيدا في حياة الناس  ، ويقوم على رفض التنوع الاجتماعي بما يلامس فكرة الأغلبية في المجتمعات  التي تخاف التهديد من  الأقليات في المحيط  أو دخول ما يكسر تلك الأغلبية  سواء كانت دينية أو عرقية  ،  يقوم الخطاب الشعبوي عادة على خطاب تاريخي  يقدم نماذج ناجحة من التاريخ  في ظرفها المكاني والزماني وينادي بإعادة تلك النماذج ليعشوا بذات الظروف التي كان يعيش بها من سبقهم ، وهو خطاب يعادي عادة المؤسسات الحديثة  ويسعى إلى تفكيكها للوصول للحالة الفردية في العمل واتخاذ القرار على اعتبار أن المؤسسية تحط من طموح خطابه الشعبوي الحالم  الذي لا يرتكز على واقع عملي . 
 
للشعبوية أثار غاية في الخطورة فهي أول خطوة على  طريق إثارة الكراهية في المجتمعات إذ أنها  تعتمد على إثارة مخاوف  بعض الطبقات المجتمع من الطبقات الأخرى  وعادة  ما يكون هذا الخطاب موجه للأغلبية مما يثير بعد تفشيه خطاب الكراهية ضد الأقليات ، كما أن للشعبوية  أثار كبيرة من حيث التشكيك في مؤسسات الدولة والسعي إلى تفكيكها والحكم الفردي فتتسع الهوة ما بين الشعب وما بين مؤسسات الدولة  وتقل الثقة  بين الشعوب والسلطة التي هي عنصر مهم  في استقرار الدول وتقدمها .
الشعبوية تنبه لها بعض مفكري الإسلام السياسي الحديث مبكرا  كالمفكر العراقي الشيخ محمود الصواف الذي كان شديد الحساسية للاندفاع نحو الشعبوية إذ زار الشيخ عباس مدني وعلي  بالحاج  في الجزائر زعماء حركة (فيس)  في  انتخابات عام 1991 التي انقلب عليها العسكر وحذر  هؤلاء في مركزهم في مسجد احد ذو الصيت الكبير في ذلك الوقت  من مغبة السير على طريق الخطاب الشعبوي الذي ينتهجونه كما حذرهم من المراهنة على تعاطف الشعوب القائم على الفكر الشعبوي إذ سرعان ما يتبخر هذا التعاطف إذ وجدت الشعوب أنها ستدفع ثمن لهذا التعاطف ، وهو ذات الأمر الذي تنبه له الشيخ عبد الفتاح مورو عندما قال أن الخطاب الشعبوي هو الذي حمل الإسلاميين للسلطة بعد الربيع العربي وهي ذات  الشعوب التي تم توظفيها في التخلص من التيارات الإسلامية حيث أن الواقع لم يخدم الإسلاميين في تحقيق خطابهم الذي قدموه للناس بعد الربيع العربي  .
 
كانت أعلى تجليات الخطاب الشعبوي في ممارسات الإسلام السياسي الحديث هو ما قدمته حركة فيس الجزائرية بقيادة عباس مدني وعلي  بالحاج  إذ أنها اتكأت على  مأثورات دينية تم تحويرها  بطريقة تخدم خطابهم  فجاءت بهم الجماهير للسلطة بأغلبية كاسحة دون أن يكون لديهم أي شيء حقيقي  يمكن أن يقدموه للناس  سوى أنهم طلبوا من الناس أن يستعدوا إلى العيش وقفا لتصوراتهم الدينية  حيث أن عباس مدني وعلي بالحاج لم يكونوا يحملون أي مؤهلات علمية  أو الفكرية إلا بعض شهادات  الكليات المتوسطة  في العلوم الشرعية فانقلب العسكر وتخلت عنهم الجماهير التي حملتهم للسلطة فدفعهم ذلك إلى منهج العنف مع العسكر وضد الشعب على اعتبار انه لم ينصرهم في مواجهة العسكر وهو ما عرف بعشرية  الجزائر الدموية  .
 
هو ذات الخطاب الشعبوي استعمله التيار السلفي  في مصر بعد ثورة 25 يناير إذ وصل إلى البرلمان  بثاني اكبر حزب سياسي بعد الإخوان المسلمين وقدم الحزب نماذج  صارخة على حملة الفكر الشعبوي  فرأينا كيف كان يزاود هذا الحزب في الخطاب وقزم حل كل مشاكل مصر بإقامة الحدود الشرعية ورأينا رفع الأذان في البرلمان وعدم التفريق بين قبة البرلمان وقبة المسجد .
 
وهو ذات الخطاب استخدمته  قواعد الأخوان المسلمين في دعايتها الانتخابية وان كان بمنسوب اخف وان كان شعبوي من حيث عد واقعية البرنامج المطروح وخصوصا  برنامج الـ100 يوم الأولى  لاستمالة الجماهير إذ أن هذا الخطاب لم  يصمد طويلا بعد وصولهم للسلطة فانفض عنهم رفقاء الثورة ووقفوا نكاية بهم في المعسكر المعادي وأصبحوا  جميعا لقمة سائغة للعسكر المتعطش للسلطة الذي نكل فيما بعد بالجميع .
 
ذات الأمر تكرر في تونس قبل أن يقلب الغنوشي ومورو الطاولة على الثورات المضادة في تونس ويعيدوا إنتاج الحركة كراعية وحامية لمبادئ الديمقراطية  بدلا من تمسكهم  بالسلطة ونبذ الخطاب الشعبوي وتحجيمه في صفوف الحركة  والانتقال بها بخطوات سريعة إلى مربع الشعبية الواقعية التي تستميل الجماهير  بناء على  ما هو موجود ومتاح  في الواقع خطاب يمكن أن يحمل النهضة إلى السلطة في  الدورة القادمة من جديد في ظل عجز خصوم النهضة عن تقديم الشيء المأمول للشعب التونسي   .
 
الربيع العربي على ما به من قساوة على  الإسلام السياسي إلا انه  قدم لهم فرصة حقيقية وهيئ لهم الظروف لإعادة إنتاج ذاتهم والخروج من بعض الأفكار والمربعات الموهومة  واللاعملية  التي يجب عليهم مغادرتها والتنبه منها والاستفادة من أخطاء المرحلة السابقة  فالزمن لا يقف عند حدث والأيام تعيد إنتاج ذاتها سريعا لكن من يستثمر الفرصة ويتعلم من أخطاء الماضي ويعيها ليختصر المسافات ويساهم في بناء مستقبل الشعوب في المنطقة فكل ما على الأرض يقول بان الإسلام السياسي سيكون في السلطة في الموجة الثانية من الربيع العربي وما عليه إلا إعادة إنتاج ذاته ليتحول إلى إسلام ديمقراطي  قابل للحياة ، واهم من يعتقد أن ربيع الشعوب العربية قد انتهى  فتاريخ الشعوب الأوروبية بعد الثورة الفرنسية  يعلمنا  أن انتكاسات مطالب الشعوب عارضة  وتظهر بعد فترات وجيزة كموج تسونامي عرمرم ضد الاستبداد والفساد لتبشر بمستقبل جديد .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد