ان المتابع للأحداث السياسية في المنطقة و خصوصاً في الشأن السوري يستنتج بأن المشروع الأمريكي -الغربي يحتضر و يلفظ أنفاسه الأخيرة، كونه لم ينجح في تنفيذ أهدافه الرئيسية في إشعال المنطقة في حرب طائفية لتحقيق أهداف إسرائيل التي تعتبر الراعي الأول و الرئيسي للإرهاب في العالم، فالجيش السوري حقق إنتصارات وإنجازات كبيرة في ساحات القتال، وأثبت عكس ما راهن عليه الأعداء، و إستطاع إستعادة وإسترداد المناطق القابعة تحت سيطرة داعش والقوى المتطرفة الأخرى، لذلك يعيش المشروع الآن في أشد حالات الضعف و الإنهيار بعد الإخفاق في تحقيق أحلامه المريضة الصفراء في تدمير وتقسيم سورية.
حاولت أمريكا وبعض دول الجوار اللعب على ورقة الارهاب مع سورية لإبعادها عن محور المقاومة وحلفاؤها، فخططت إسرائيل بدعم بعض الدول الغربية، لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، بإستخدام داعش وأخواتها، لتقوم بتفكيك سورية والسيطرة عليها، فألقت على حلفاؤها مهام عديدة لمشروع الإرهاب والفوضى الخلاقة، منها الدعم البشري, حيث تقوم على تدريب المقاتلين وتهيئتهم للإنخراط مع داعش، بالإضافة للدعم المادي واللوجستي، وتصعيد الحرب في سورية لإشغالها عن إسرائيل والحد من دعمها لمحور المقاومة، لذلك اصبحت سورية ساحة حرب لتصفية الحسابات بين الدول.
لكن الإنتصارات التي يحققها الجيش السوري كل يوم ضد الإرهاب، أفزعت أمريكا وحلفاؤها، حيث ادركت جيداً أن الإرهاب زائل ولا مكان له في المنطقة، فعندها أيقنت واشنطن أنها خسرت ورقة الإرهاب، وعليها ان تعيد حساباتها جيداً، حاولت إسعاف الوضع من خلال ضرب قاعدة الشعيرات في سورية، محاولة من جانبها إيقاف الإنتصارات التي تحققها القوات الأمنية ضد الإرهاب ، كما قامت بغض البصر عما ارتكبته أدواتها لتدخلها السافر في سورية، التي كانت تصريحاتها خجولة حيال ذلك الانتهاك الغير مبرر للسيادة السورية، وفي الجانب الأخر استخدمت الحكومة السورية الحكمة والعقلانية بالرد على أمريكا، لأنها ادركت اللعبة جيداً بأن الكل يحاول إيقاف عجلة تقدم الإنتصارات، كما إستخدمت الدول الداعمة للإرهاب الإعلام لتأجيج الشارع العربي والدولي ضد سورية، محاولة لجره عاطفياً لضرب سورية، برغم ذلك خسرت في لعبتها الخبيثة، مع إن الكثير من الدول صدقت اللعبة وتعاطفت مع الأمر.
في سياق متصل يحظى الملف السوري بإهتمام بالغ في الأوساط الأمريكية، لما له من إنعكاسات مباشرة على المنطقة، فمنذ أن اُرتكبت مجزرة خان شيخون الكيميائية، وخرجت سريعا الاتهامات موجهة إلى النظام السوري، مُستبقة الأحداث والتحقيقات، بدا السيناريو واضحاً أمام الجميع، فالدول المُعادية لسورية نفذت هذه المسرحية لتبرر عدوان أمريكا على مواقع الجيش السوري هناك، وكان هناك ضغوط سياسية غربية وأوروبية بتحريض وتخطيط من أمريكا، في محاولة لإقناع الدب الروسي بالعدول عن موقفه المؤيد والداعم للنظام السوري، و كذلك إبعاد موسكو عن طهران أو إضعاف العلاقة البراغماتية بينهما، لكن موسكو وطهران ودمشق ردت عليها برفع وتيرة التنسيق السياسي والعسكري بينهما، من خلال إعلان القيادة الروسية تأسيس مثلث استراتيجي يجمع سورية وروسيا وإيران في خندق واحد وهذا ما لا تريده واشنطن لأنه يقلص من هيمنتها ويقزم دورها في المنطقة، لذلك أعلن المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، أن طرح مسألة ضرورة ابتعاد روسيا عن الأسد دون حل مشاكل محاربة تنظيم داعش الإرهابي والحل السياسي، هو قصر نظر، وأشار إلى أن هناك هدفين أساسيين هما محاربة داعش والبحث عن مخرج سياسي دبلوماسي، وليس عسكرياً للأزمة السورية، في هذا الإطار يمكنني القول إن الموقف الروسي السوري الإيراني له دور كبير في لجم الإندفاع والتهور الغربي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية، وقد كانت الأزمة السورية واحدة منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الغربي ضد سورية وهو ما دفع بالرئيس ترامب بإرسال وزير خارجيته الى موسكو حاملاً معه بعض الرسائل للحكومة الروسية، منها تفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.
في السياق ذاته أصبحت أمريكا تجد نفسها اليوم أمام واقع مُغاير رسخه الدور الروسي الإيراني في سورية والمنطقة بأكملها، فالتدخل العسكري الروسي في سورية بالتنسيق مع ايران، قلب المعادلة في سورية، و إستطاع الجيش السوري إستعادة وإسترداد المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش وأخواتها، لذلك يعتبر التحرك الروسي والإيراني لحل الأزمة في سورية هام وضروري، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من الإرهاب والقضاء عليه، خاصة ان الطرح الروسي لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والدول الصديقة المختلفة.
مجملاً... إن سورية باتت اليوم مفتاح المنطقة وقلبها والطريق الوحيد لوضع الإقليم على المسار الأمن، بعد أن أدركت الدول أن سورية ليست معزولة وأنها دولة مركزية في المنطقة، وما يجرى فيها له إرتداداته على الإقليم بأكمله، فاليوم الجميع بات مقتنعاً بحاجتهم لتسوية الأزمة في سورية، فالذين كانوا يراهنون على الحل العسكري باتوا الآن يبحثون عن مخرج سياسي للأزمة فيها، وخصوصاً أن معظم التقارير الغربية تشدد على أهمية الجيش السوري وقدرته على مواجهة المتطرفين، وما جرى في مدينة حلب مؤخراً أكبر دليل على ذلك، وبإختصار شديد تمر سورية اليوم بمرحلة حاسمة من تاريخها وهي بحاجة بدلاً من العنف والسلاح إلى إصطفاف وطني من قبل كافة أبنائه لمواجهة التحديات الراهنة لأنه ليس هناك شخص قادر على حل مشكلة سورية غير السوريين أنفسهم وبمساعدة حلفاء دمشق من أجل ان تكون سورية دولة قوية موحدة متألقة يتعايش الجميع تحت مظلتها.