جدلية علاقة الدين بالسياسة - مرة أخرى

mainThumb

14-06-2017 03:00 PM

ليست بالقضية المستحدثة البتة، تلك العلاقة ما بين الدين والسياسة، ولكن إعادة إنتاجها تاريخيا مرارا وتكرارا كلما اقتضت "المصلحة" ذلك هو ما يدعو لضرورة استقراء هذه الجدلية، على أمل قطع دابر توظيف الدين لخدمة القضية السياسية، ووقف تبعية العمل السياسي للقراءة الخاصة النفعية البراغماتية لرجل الدين.

 
إن الجمع ما بين المتناقضات هو من أعظم محركات الجدلية، حيث أن القول بحتمية تزامنية مساري السياسة والدين لا يخرج عن مفهوم التناقض (Oxymoron)، فكيف لك عمليا أن تخلط "قدسية" النص والأمر الإلهي القادم من السماء كمسلمات شمولية - مع - "دناسة" براغماتية السياسة الهادفة لتعظيم المصلحة القائمة على الأرض !
 
قد يحاجج قائل من هنا أو هناك بأن الخلافة الراشدة قد جمعت فعلا الأمر السماوي مع المصلحة الدنيوية، وهذا فرض يحمل قدرا من الصحة وما زال قابلا للنقاش، ولكن السؤال القائم هنا: ما هي ظروف قابلية ذلك الجمع، وما هي مساحته الزمنية التي تم فيها، وإلى أي مدى نجحت السياسة الشرعية  كمثال على ذلك؟ وهل وزع الله بالسلطان ما لم يزع بالقرآن الشئ الكثير، وما مدى مرونة ذلك الطرح؟ وما هو الاستخدام الفعلي القائم لهذا الأساس مرن الآفاق؟
 
الدين رسالة إلهية تحمل من القداسة الكم الكبير، وهو يتمثل بعدد من القواعد والافتراضات والتصورات والمواقف والغيبيات والأوامر والنواهي الثابتة وغير القابلة للنقاش، في الطرف الآخر، السياسة بالغة المرونة والحركية، تقوم على مبدأ واحد ثابت هو المصلحة، مع كامل التحرر الميكافيلي من أية محددات لكيفية تحقيق ذلك، هنا تكون قيم إنسانية سامية على المحك، كالأخلاق و المصداقية والعدالة والسلام والحرية.
 
ما لا يمكن القبول به هو ذلك التوظيف والتجييش والتبرير والتسويق للموقف السياسي استنادا على أسس دينية زائفة تم صياغتها والتلاعب فيها وتأطيرها ولوي أعناق قداسة نصوصها إرضاء لرغبات السلطة. كما أنه لم يعد مقبولا أكثر أن يقوم رجل الدين بابتزاز الساسة، ومنحه أحقية إصدار أحكام التكفير و تراخيص دخول الجنة، فيصبح الموقف السياسي مجرد انعكاس لرؤية لاهوتية لا يعلم بواطنها إلا الله.
 
دعونا نقف أمام جملة تساؤلات من شأنها إنارة بعض جنبات الطريق: هل كانت الحرب الصليبية مثلا لإرضاء الرب أم تلبية لرغبة بتوسيع  الإمبراطورية؟ هل عاد السلاطين في كل أمر دنيوي للكتاب والسنة قبل البت فيه؟ ولعل السؤال الأكثر نضوجا: هل كان علماء السلاطين تقاة ربانيين كفاية لكي يشكلوا المرجعية الناطقة باسم الله؟ وإلى أي مدى كان رجال السلطة ممتنعين عن اعتبار الدين أحد أدوات السلطة؟
 
المنطقة العربية على شفا الانجرار إلى حرب عبثية مكررة عن حرب السنوات الثمان العجاف بين العراق وإيران سابقا، وبات جليا ذلك التحشيد والتسويق انطلاقا من خلفيات مذهبية و عرقية. نتفهم أن ثمة مصالح عدة اقتصادية وسياسية وثقافية تقف وراء هذا الصراع وذاك، لكنه ليس مقبولا الادعاء بأن الله هو من أوحى لظلاله الأرضية بضرورة سفك الدماء قربانا له. والله ماوراء القصد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد