كيفِ ينظُر الشباب الأردنيّ إلى دَولتِهم ؟ - طارق حجازين

mainThumb

15-10-2018 08:59 AM

 واجهت الدولةُ الأردنية في السنوات الأخيرة موجةً من التغيراتِ قادتها إلى مراحل صَعبة لم تكن في الحُسبان وضعتها في خانةٍ حرِجة  بِدءاً من حربِ العراق الأخيرة مروراً بالأزمة الأقتصادية العالمية عام 2008 إلى الربيع العربي الذي طالت رياحهُ دول الجوارِ وصولاً لأزمة اللاجئين عداعن إرتفاع المديونية و قضايا الفساد المالي والإداري الذي تفَشى في جسمِ الدولة مُنذُ سنواتٍ حتى نَخر في جذع إقتصادنا الذي باتَ هشاً , فنتائج كل ذلك شكلت تراكمات أدت الى خروج الشباب نحو الدوار الرابع مُطالبين بتغييراتٍ جذرية في آلية مُعالجة تلك الإنحرافات بنهجٍ مُختلفٍ عَما هو معتاد , فقد ملّ الجَميع السَيرِ بالطريقةِ ذاتها في التفكيرِ لأنها اوصلتنا الى نفس النتيجةِ.
 
كل تلك الأحداث سَاهمت في أن يفقد غالبيةُ الشبابِ ثقتهم في الحكومات و المجالس النيابيه وباتت المسافة بينهم تكبر يوماً بعد الآخر دون الإنتباه لها إلى أن جائت الدولة لاحقاً بفكرةِ إشاركهم قدر الإمكان في مجالس اللامركزية أو الهيئات او حتى الندوات والجلسات الحوارية وغيرها من الوسائلِ التي تحاول الحكومات استغلالها للوصول إلى هذا القطاع المُؤثر في المُجتمعِ و لتلفت نِظرِ الجميع على أنها تعملُ على جذبهم الى حضنٍ الدولةِ,  لكن للأسف ما عادَ الشباب يقبلون ذلك الحِضن لدرجةِ إذا قابلت شاباً في أحدِ أحياءِ العاصمة أو المحافظاتِ بادركَ بالحديث عن رغبتهِ بالهجرة, فغالبية الشباب يعيش حَالة من الإحباط قادت البعض منهم إلى اليأسِ فلم تعد مشاكلهم مُجرد تحديات بل أصبحت عراقيل وحواجز أمام تحقيق طُموحهم, لأنهم نَظروا فشاهدوا بلدهم كسجنٍ كبير ومَقبرة لطموحِهم ودوائر جباية دون خدمات مُميزة فكُلهم يدفعون أضعافِ الثمنِ الحقيقي لمركباتهم دون مُبرر ولا يجدون طُرقاً صالحة ... يدفعون الرسومَ والضرائب على أرباح مشاريعهم ولا يلاقون دعماً لقطاعاتهم .... أصبحوا ينظرون إلى بلدهم وكأنها مزرعة يدفعون فيها الجزيّة ويملُكها مَجموعةً من المُتنفذين يبيعون ويشترون ويُحِيلون العطائات فيما بينهم ويُخصخصون مُؤسساتِ الدولة بأسماءِ شركاتٍ أجنبية يملكونها في الخارج ويتداولون ويتبادلون المَناصب ومواقع السلطةِ فيما بينهم  ويتحاصصَون المُساعدات الخارجية حيث لا رقيب ولا حسيب  .ووسط كل ذلك تحاول الحكومات جذبهم لحِضنها مُعتقدةً ان الشباب مازال قطيعاً يُجرّ بحبلِ الوطنية والإنتماءِ وحبِ البلاد لكن المسافة ستبقى في ازدياد لأن الحكومات حافظت على اليةِ طرحِ الأفكار ذاتها دون تَغييرِ النهجِ الذي أوصلنا إلى ما نحن عليهِ الآن . 
 
لا يملكُ الأردن مواردٍ أو ثرواتس وإن وجدت فلا نملك الكفاءة والقدرة على إدارتها أو توظيفها بشكلٍ مُناسب وأكبرُ دليلِ إثباتٍ على ذلك هو نجاح مؤسسات وشركات الدولة بعد خصخصتها , لكن اذا نظرنا الى تجربة اليابان بعد الحرب تجد اعتمادها كان على مواردها البشرية , إن الأردن يملكُ طاقةً شبابية تُعدُ ثروةً مُتجددة لا تَنبض واظهرت الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحُسين أهمية الموارد البشرية في تقدم الأردن وحتميّة إستثمارها وتوجيها لمُستقبلٍ أفضل فتبقى رؤيةُ القيادة الهاشمية هي قناعةً راسخة ووعياً كاملاً لدور الشباب لكنها بحاجة الى تطبيق على أرض الواقع من خلالِ مؤسساتِ الدولةِ وأذرعِها .   
 
 إن كل ما أتيت بهِ في هذا المقال هو ما شهدتهُ وسمعتهُ من الشبابِ كُنتُ آسفاً على نقلهِ لكنهُ ذلك الواقع الذي يجب أن نُعيد النظرِ في صياغتهِ ضمن حركةً اصلاحية شامله بعيدا عن تكرارِ الشخوصِ وآلياتِ العمل في الوقت الذي يحاول الكثيرين إدخال الأمور الى غرفة التجميلِ و معالجةِ الأمورِ شكلياً لتظهر بالصورة الأفضل.
 
   أخيراً نظرة الشبابِ إلى بلدهم لن تتغير بشكلٍ حقيقي على المدى القصير فهيأزمةِ مواطنة غابت في نظرهم مِلامح الدولةِ العادلة التي تقف في صفهم , لذلك أصبح أغلبهم يبحث باستمررٍعن الحَياة الكريمة ولُقمة العيش بكرامة بعيداً عن العوز والحاجة المُهينة في أي مكانٍ في هذا العالم , فالشباب لن يكّلَ همهُ أن " يستقّر " .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد