إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ .. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (سيدنا يوسف وزليخا، ج5 من 10)ِ.

mainThumb

30-12-2019 08:41 AM

 إستكمالاً لما جاء في الجزء الرابع من مقالتي السابقة والتي ناقشت الآيتين رقم 26 ورقم 27 من سورة يوسف، نتابع في هذه المقالة أحداث الآية (فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (يوسف: 28))، وأحداث الآية ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ  (يوسف:29)). فعندما تدخلت القدرة والمعجزة الإلهية (ولا تنسوا أن زمن يوسف كان زمن المعجزات) بإنطاق الطفل التي تحمله إحدى قريبات زليخا على يديها (كما روت السيَّر) كشاهد لتبرئة يوسف (الكثير يتساءل كيف عرفنا أنه كان طفلاً؟ الجواب: يحتاج الأمر هنا لإعمال العقل والتفكير الدقيق، هل تعتقدون لو كان بالغاً وعاقلاً يشهد ضد زليخا وهي من أهله؟! وكان الأمر واضحاً أمام الجميع أن قميص يوسف قد قُدَ من دُبُرٍ. ولو كان بالغاً وعاقلاً لقال الحضور لا بد من محكمة للتحقق من شهادته ولا بد من حلف اليمين ... إلخ وربما مَزَقَ يوسف قميصه من دُبُرٍ عن عمد ليبرئ نفسه.

 
فلما رأى العزيز ومن معه أن قميص يوسف قد قُدَ من دُبُرٍ وظهرت الحقيقة بأن يوسف بريء مما أتهم به، لم يقل العزيز لزليخا أنك كاذبة (ولربما لكون الرواية على لسان رب العالمين فالله أعلى وأسمى من أن يقول على أي عبد من عباده بشكل مباشر). فقال العزيز وأمام من كان حاضراً المشهد من أقارب زليخا وغيرهم من حاشيته في القصر: إنه من كيدكن أيتها النساء إن كيدكن عظيم (ولم يقل هذا الكلام لزليخا مباشرةً بمفردها وهي المعنية بالأمر ولكن تكلم وخاطب الموجودين جميعاً من النساء بصيغة الجمع حتى لا يكون وقع الأثر على زليخا صعباً وحتى لا تكيد له في المستقبل) وكلنا نعلم أن الأنثى إذا جُرِحَ شعورها وشعرت بالإهانة والإيذاء يكون إنتقامها شديداً. ولربما لأنها كانت مسيطرة على العزيز والأمر والنهي بيدها لأسباب لا يعلمها إلا الله والبيوت أسرار (وحتى في أيامنا هذه تكون الزوجة هي المسيطرة تماماً على الرجل والبيت، ولا يجرؤ الرجل أن يقول لها لا أو يرفع صوته عليها للأسف الشديد والله أعلم)، وقد كُتِبَتُ القصص الكثيرة عن كيد النساء. علماً أننا يجب أن نعترف بأننا لا نستطيع أن نعيش بدونهن وهذه حقيقة منذ بداية الكون عندما خلق الله لسيدنا آدم زوجه من نفسه لتؤنس وحدته وتكون له سكناً وتكون ودودة ومحبة له. وكما قيل إذا أسعدت الأنثى (زوجتك) أحبتك وإذا أذيتها قتلتك ولهذا كتبت في الجزء الرابع من مقالتي الحمد لله أن زليخا لم تحكم بالإعدام على يوسف.
 
وعندما ثبتت براءة يوسف مما إتهمته به زليخا بشكل واضح وبالدليل القطعي أن قميصه قُدَ من دُبرٍ، قال العزيز ليوسف وبدبلوماسة عالية: يوسف أعرض عن هذا. بما معناه إياك أن تتفوه بكلمة واحدة عما حصل بينك وبين زليخا لأي إنسان وطلب منه التكتيم تماماً على الأمر. وحتى يظهر العزيز أمام من كان حاضراً المشهد وأمام يوسف بأنه عادل، قال لزليخا: إستغفري لذنبك (وهنا يظهر منذ القدم أن كل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وأن الإستغفار يُكَفِّرُ عن الذنوب). وأكمل حديثه لزليخا حتى يكون أكثر إنصافاً كحاكم وعزيز مصر قائلاً: إنك كنت من الخاطئين، أي بما معناه لقد أخطأت وأسأت بحق الله وبحق نفسك وبحق زوجك وبحق يوسف. وهذا قمة في أدب التأنيب للمخطئ ولم يحكم عليها كما حكمت هي على يوسف بالسجن او بالعذاب الأليم. علماً بأن عقابها من المفروض أن يكون مضاعفاً لكذبها على الله أولاً وعلى زوجها وعلى يوسف وعلى من كان شاهدا ذلك الحدث ثانياً. فكم كان حبل كذب زليخا قصيراً جداً عندما كشفه الشاهد الطفل الذي من أهلها وكم كان صدق يوسف منجاةً له عند سيده العزيز الذي تبناه ورباه في بيته كولد له. والكذب من صفات النفاق وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم انه مسلم، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. والمنافقون ممن يتصفون في هذه الصفات في وقتنا الحاضر كثيرون. فعلينا جميعاً بالصدق فالصدق منجاة ومن صادق الناس شاركهم في أموالهم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد