يمثل العراق أهمية كبيرة للسياسات الامريكية في منطقة الشرق الأوسط ، كما يمثل مادة انتخابية مهمة للتباري والتنافس بين الرؤساء الامريكان الذي يعرضون خططهم وبرامجهم سواء على الناخب الأمريكي او في المناظرات التي تعقد بينهم بسبب مايمثله العراق من ثقل جيوستراتيجي للسياسة الامريكية سواء من خلال العلاقة الامريكية مع ايران او من خلال ملف الحرب الامريكية على داعش والتي مازالت تمثل تحديا للاستراتيجيات الامريكية تجاه هذا الملف والحيوي من ملفات السياسة الخارجية الامريكية تجاه المنطقة .
على ان العراق لم يحظ بأهمية في الانتخابات الامريكية الأخيرة التي جرت في العام الماضي ولم يكن حاضرا في اجندة المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن في تلك الانتخابات ، مما اعطى مؤشرا للمهتمين والمتابعين للشأن العراقي بان العراق لم يعد ضمن القضايا الرئيسة للسياسة الخارجية الامريكية كالسابق وانه تراجع الى أدوار ثانوية في الاهتمامات الامريكية لمنطقة الشرق الأوسط واحتلت قضايا أخرى باتت جوهر الاهتمام الأمريكي كملف التعامل مع ايران والصين كأهم دولتين باتا يشكلان قلقا للإدارة الامريكية الجديدة .
على ان فوز جو بايدن في الانتخابات الامريكية جعلت الأوساط السياسية العراقية تتكهن في طبيعة السياسة الامريكية القادمة تجاه العراق خاصة وان الأخير عانى حقبة ترامب من تحول أراضيه الى ساحة صدام غير مباشر بين الولايات المتحدة وايران خاصة بعد استهداف واشنطن احد اهم ركائز السياسة الخارجية الإيرانية وهو الجنرال قاسم سليماني وبمعيته أبا مهدي المهندس مما رفع بالعلاقات الامريكية الإيرانية الى اعلى مراحل التوتر كانت الساحة العراقية هي الميدان الذي افرغت كل من طهران وواشنطن شحنات توترهما فيه ..
ومع استلام بايدن الإدارة الجديدة ، ثمة عدة ملفات تركها سلفه ترامب وهي ملفات ساخنة تنتظر رؤية جديدة من بايدن وفريقه في البيت الأبيض ، واهمها العلاقة مع ايران خاصة وان أي علاقة مستقبلية مع الأخيرة يعني من جملة مايعنيه الاقتراب من الملف العراقي واقترابه من المحذور العراقي والمتمثل بالفصائل المسلحة التي تشاطر طهران سياساتها الخارجية والأمنية والتي انشغلت طيلة الفترة الماضية باستهداف مستمر للسفارة والقواعد الامريكية الامر الذي لم تتخذ معه واشنطن أي رد مقابل خشية من حرب مباشرة غير محسوبة النتائج تشكل خطرا على المصالح الامريكية في المنطقة .
وعليه نرى بان الفترة المقبلة لبايدن وفريقه ومع اداركهم بان ايران تمثل رقما صعبا في المعادلة الأمنية في العراق ، فان بايدن سوف يسعى الى التهدئة مع طهران واستخدام سياسة الحوار معها بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة من الاوربيين كفرنسا وبريطانيا كما ستسعى ايران هي الأخرى الى التهدئة في العراق وعدم اتخاذ أي احراءات تصعيدية علها تنجح في اقناع واشنطن في العودة الى الاتفاق النووي السابق الذي ابرمته مع الرئيس الأسبق باراك أوباما خاصة وان بايدن والذي كان في تلك الفترة نائبا للرئيس قد بارك الاتفاق واعلن تأييده له ودعا بعد هذا الاتفاق الى صفحة جديدة من العلاقات الامريكية- الإيرانية .
الوضع السياسي الداخلي في العراق أيضا من المسائل التي باتت محط اهتمام دوائر صنع القرار الأمريكي وان لم يتداوله المرشحين في خططهم الانتخابية ، ومن المعروف ان الرئيس الأمريكي بايدن هو اكثر الرؤساء الامريكان اطلاعا على المنظومة السياسية الداخلية في العراق بحكم منصبه السابق كنائب للرئيس أوباما وبحكم زيارته لعشرات المرات للعراق وقربه من اركان النظام السياسي فيه ، على ان هذا القرب لايعني ان الجميع في الداخل العراقي منفتح على اراء وسياسات بايدن ، فالاخير سبق وان اثار الجدل بمشروعه الخاص بتقسيم العراق إضافة الى كون بايدن كان ينتمي الى فريق أوباما ذو السياسة الانفتاحية مع ايران وهذا مايخشاه المكونين السني والكوردي من قيام بايدن من اتخاذ ذات السياسة مما يعني حسب رؤيتهما تغول اكثر لإيران في الساحة السياسية العراقية وتهميشا اكثر لهما وتمكين اكثر للفصائل المسلحة القريبة من طهران واستمرارا لغياب أي دور للدولة العراقية في مختلف الأصعدة والمجالات .
في مقابل ذلك لانستثني الآراء التي تقول بان بايدن كنائب للرئيس ليس بالضرورة هو ذاته عندما اصبح رئيسا لاقوى دولة في العالم يتحتم عليه اتخاذ القرارات التي تمس مصلحة الامن القومي الأمريكي وهنا تؤكد اراء انه من غير المستبعد ان يعيد بايدن طرح مشروعه التقسيمي خاصة في ظل عدم نجاح العملية السياسية الحالية ووصلها الى افق مسدودة في ظل استمرار منظومة الفساد التي باتت تنخر في جسد الدولة العراقية وتحولها الى دولة فاشلة وغياب أي دور فاعل ومؤثر للدولة العراقية سواء على الصعيد الداخلي او في محيطها الإقليمي . والملف الاخر يتمثل بعودة تنظيم داعش الإرهابي الى نشاطه السابق ومحاولته إيجاد مواطئ قدم في المناطق الرخوة والدخول من خلالها الى المدن الحصينة كبغداد وكركوك ، وهذا ماشهدناه في الآونة الأخيرة الامر الذي نظرت اليه واشنطن بقلق بالغ بات لزاما عليها اتخاذ سياسات اكثر جدية في معالجة هذا الملف من خلال دعم المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية لوجستيا واستخباراتيا وهذا لايتم الا بعد معالجة الملف السياسي في هذا البلد الذي انهكه الفساد والفشل وتعد الولايات المتحدة المسؤولة بشكل مباشر عن وصول العراق الى ماهو عليه اليوم من خلال غزوه واحتلاله عام 2003 واعتمادها على نخب سياسية تفتقر الى ابسط مقومات بناء دولة بشكلها الصحيح ......