الأضحية تقوى وتعظيم لشعائر الله .. عبد اللطيف مهيوب العسلي

mainThumb

21-07-2021 05:53 PM

ولأن الله لم يخص عيد الأضحى بشعيرة أعظم من الأضحية التي تميزت بطابعها الديني والاجتماعي الخاص به والمميز له بشكل أساسي لمن هم خارج الحج ،إلى جانب ما يحمله العيد من الدلائل والمعاني العظيمة ، والذي يكون في إحيائها ترسيخ للإيمان في النفوس والقلوب الممزوج  بالفرح والبهجة والسرور، قال تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32 .
 وقوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)الحج ..................
وقوله أيضا  : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) 2. لذلك ينبغي أن تكون الأضحية مقدمة على غيرها من مراسيم العيد وقبل الكسوة والحلويات وغيرها ، بما يحقق الغاية من مشروعيتها ، ( ذلك ومن يعظم شعائر الله ) أي امتثلوا ذلك واحفظوه، ولا تتهاونوا فى الحرص عليه والسير على نهجه.(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي ومن يعظم البدن التي يهديها للحرم، بأن يختارها عظيمة الأجسام سمينة غير هزيلة غالية الثمن ويترك المكاس حين شرائها- فقد اتقى الله حقا، فإن تعظيمها باب من أبواب التقوى، بل هو من أعظم أبوابها.1
و تنقل لنا الأحاديث النبوية والسيرة المطهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع سنة الأضحية  فروى الإمامان أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:  أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، يُضَحِّي كُلَّ سَنَةٍ  وعلى ذلك فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد ضحى تسع مرات، حيث ذبح الهدي في السنة العاشرة عند حجة الوداع ولم يضح. )3 لأنه ليس على الحج أضحية ولذلك نحر صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة من الإبل تعظيما لشعائر الله وشكرا وامتثالا  الأمر ربه  ( فصل لربك وانحر )،ثلاث وستين نحرها بيده الشريفة ،والباقية وكل من ينحرها عنه .
وهناك فرق بين أن نجعلها تقوى وشعيرة من الشعائر التي عظمها الله  أو أن نجعلها عادة من العادات التي اعتدناها ،
ومع أن المبالغة في الأضحية مظهر من مظاهر التعظيم والتقوى كما دلت عليه الآيات والسنة المطهرة إلا أنه ويا للأسف الكثير من ميسوري الحال  لم تمثل عنده هذه الشعيرة أهميتها التي ترقى لمستوى التعظيم والتقوى فتجد أنه في سائر الأيام لا يمضي عليه الشهر إلا وقد استهلك ما يفوق الأضحية من الأنعام ،وإذا ما جاء العيد ذبح كبشا أو ما يقابله من النعم اسقاطا للواجب هذ بأحسن الأحوال ،فهو من وجهة نظره  لم تغير شيئا مما أعتاده فهو يأكل اللحم يوميا ،ولو كانت هذه المعاني حاضرة في نفسه لاختلف الأمر فالأضحية حقيقة ليس المعني به وحده فالمضحي له الثلث منها ،والثلث سيهديه لأصحابه واقاربه ،والثلث سيتصدق به ،وذلك لن يكون عبثا فله مردوده عليه ،فما اهداه ربما سيُهدَى إليه مثله من نوع أخر  إلى جانب ما كسبه من مودة ومحبة (تهادوا تتحابوا ) صحيح أن الأضحية بحدها الأدنى تكون مقبولة  وهي ما كانت سليمة من العيوب ويجزي الضأن والماعز عن واحد وهو ما بلغ ستة أشهر ،ومن المعز ما بلغ سنة ،ومن البقر والبدن ( الإبل )عن سبعة وهما ما بلغان سنتين  .* لكنه من وجهة نظر التقوى وتعظيم شعائر الله علينا أن نفرق بين المقتدر من الأغنياء ومن وهم دونهم  ممن ليسوا ميسوري الحال ، لأن المضحي من الأغنياء لو ذبح في العيد كسائر الأيام  لن يكون فيه أي تعظيم فمثلها مثل سائر الأيام ،
وهذا الفضل الكبير يغيب على الكثير من الأغنياء فلا يدركون أن الصدقة في الأضحية في وقتها ومكانها أعظم من الصدقة بغيرها ،ولو علم هؤلاء ما فاتهم من الخير العظيم والفرصة الكبيرة من هذه الشعيرة في الدنيا والأخرة لانتقلوا من الأدنى إلى الأعلى ومن التحقير إلى التعظيم ،فأما في الدنيا فالتقوى الموجبة لرضوان الله وشكر الله له وشكره لله على ما انعم عليه ، كيف لا وقد طلب الله منه ذلك ؟ ،كذلك شكر الناس وثناءهم له   ،وفي الأخرة  لا يخفى ما في  ذلك من الأجر العظيم لتعلقها بتوحيد الله وتعظيمه .. روى أحمد عن زيد بن أرقم قال: «قلت يا رسول الله ما هذه الأضاحى؟ قال: «سنة أبيكم إبراهيم» قالوا ما لنا منها؟ قال: «بكل شعرة حسنة» قالوا فالصوف؟ قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة»
معشر المؤمنين طيبوا بها نفسا واحسنوا الأضحية واهدوا منها وتصدقوا ووسعوا على أولادكم وأقربائكم وتفقدوا المحتاجين فنحن في ظروف خاصة يصدق عليها قول الله تعالى (.فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ.(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ(16).)4 فاقتحموا عقبة شح انفسكم واغتنموا هذه الفرصة فإنها توشك أن تغلق عليكم  فلا تفتح أبدا ،وعظموا الله حق تعظيمه وعظموا شعائر الله وذلك  بالمبالغة في الأضحية وخاصة من القادر عليها وقد كان من مشايخنا الذي عايشناهم إذا أقبلت العشر اشترى من ٦ إلى ٨ من الكباش السمينة وغالية الثمن ( من الضأن ) فيذبح في يوم العيد كبشين ، يتصدق بكبش  ويأكل كبش ويهدي منه ،وكذلك في بقية أيام التشريق يفعل كما فعل في يوم العيد . 
وهم بذلك إنما اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم  ففي الحديث الثابت في البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم ، ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ، وتروي أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين  فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ.5 
وهنا فمن لا قدرة له على الأضحية فقد ضحى عنه صلى الله عليه وسلم .
معشر المؤمنين اغتنموا هذه الأيام المباركة وأعظمها يوم عرفة فصوموه لما جاء بالحديث بفضل صومه ،وتذكروا ان  العيد فرصة عظيمة لجمع الشمل وصلة الرحم وكثرة ذكر الله اغتنموا هذه المناسبة العظيمة بالصلاة والدعاء والتضرع، وتلاوة القرآن والتكبير والتهليل والتحميد وكثرة الذكر والشكر لله رب العالمين في الطرقات وفي المساجد والبيوت وخاصة لما ورد في ذلك من فضل، كما يعد ذلك إظهارًا وإعلان لشعار العيد وقوة المسلمين و حدة ترابطهم.
نسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم ، ان يهيئ لأهل اليمن والمسلمين من أمرهم رشدا وان يحقن دماءهم فيتوقفوا عن ذبح بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا وظلم بعضهم بعضا ،فقد شرع الله لهم بدلا من ذبح أنفسهم ذبح الأنعام ، اللهم اهل علينا هذا العيد باليمن والخير والسلامة والامن والإيمان إنك على كل شيء قدير اللهم وفك أسر وعزلة بيتك الحرام واجمعها بحجاجها وقر عينها بالطائفين والعاكفين والركع السجود وعظم من عظمها وشرف من شرفها وكرم من كرمها وادفع عنا كل بلاء وعافينا من  اللأواء  6.وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا في كل وقت وحين .  
...........
الهامش : 
1 تفسير الدكتور أحمد مصطفى المراغي .
2 سورة الكوثر .
3 -  دار الافتاء المصرية .
4 -  سورة البلد  .
5 - وعن أمنا عائشة أيضا  - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما عمل ابن آدم يوم النحر عملًا أحب إلى الله من إراقة دم وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا أخرجه ابن ماجه ( 2/1045) .
6 اللأْواءُ : ضيقُ المعيشة.  اللأْواءُ  شدةُ المرض.
* الأضحية في اللغة: بتشديد الياء وبضم الهمزة أو كسرها وجمعها الأضاحي، ويقال لها الضحية بفتح الضاد وتشديد الياء وجمعها الضحايا، وهي الشاة التي تذبح يوم الأضحى .
والأضحية في الشرع: هي ما يذكى تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة .
وتشترك الأضحية والهدي في أن كلًا منهما ذبيحة من الأنعام وتذبح في أيام النحر ويقصد بكل منهما التقرب إلى الله تعالى .
ولها شروط
1 -  أن تذبح بعد شروق شمس يوم إلى غروب شمس  أخر أيام التشريق 
2 - أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم (ضأنا أو ماعزًا) 
3 - أن تبلغ سن التضحية:  من الضأن وهو: ما تم له ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة وعند غيرهم  المالكية والشافعية  ما بلغ سنة، ومن الإبل ما بلغ   سنتان  انظر ( كتاب الفقه الميسر لعبد الله الطيار ص 117 الى 122]


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد